النقص الحادّ في الرقائق يعمّق مأزق صناعة السيارات

يدور جدل عميق في أوساط صناعة السيارات حول ما إذا كان هذا النقص الحاد في رقائق أشباه الموصّلات سينتهي في غضون بضعة أشهر أم سيستمر إلى فترة أطول، في ظل الإرباك الذي أصاب سلاسل التوريد بسبب الجائحة، إلى جانب قلة البدائل بالنظر إلى سيطرة دول آسيوية على هذا المجال.
باريس - تلقى قطاع صناعة السيارات ضربة كبيرة بسبب نقص الإمداد بأشباه الموصلات مع تباطؤ الإنتاج وتوقف عمل المصانع، لكن رغم تضارب الآراء حول انتهاء هذه المشكلة إلا أن بعض الخبراء يرون أن هذه السوق قد تسجل تحسنا في أواخر هذا العام.
وحققت شركات صناعة السيارات والشركات المورّدة نتائج جيدة فاقت التوقعات للنصف الأول من العام، لكنها أشارت إلى أن النقص الحاد في أشباه الموصلات الذي تطلق عليه الصحافة الناطقة بالإنجليزية “تشيباغيدون” أعاق عملية الإنتاج.
ومنذ نهاية العام 2020، أصبح من الصعب العثور على هذه الرقائق الإلكترونية الضرورية لتجميع السيارات. ومع معاودة المستهلكين شراء السيارات، اضطرت شركتا مرسيدس وبي.أم.دبليو لتعليق نشاط العديد من مصانعهما مؤقتا.
وبينما حذرت شركة جاغوار-لاند روفر من أن النقص قد يؤدي إلى انخفاض مبيعاتها إلى النصف في الربع الثالث من العام، قالت فولكسفاغن الخميس الماضي إن احتمالات انقطاع إمدادات أشباه الموصلات “ازدادت في القطاع”.
وأوضح المدير المالي للمجموعة الألمانية العملاقة أرنو أنتليتز “لقد نجحنا في الحدّ من عواقب هذا النقص حتى الآن، لكننا نتوقع تأثيرات أكثر وضوحا في الربع الثالث”. ونتيجة لذلك، خفّضت فولكسفاغن توقعات مبيعاتها.
كذلك، أغلقت شركة فورد مؤقتا بعض مصانعها. لكن في الوقت نفسه، استفادت المجموعة من الطلب القوي على سياراتها وشاحناتها الصغيرة والكبيرة، “من أجل تحسين الإيرادات والأرباح” عبر خفض العروض الترويجية والتركيز على المركبات الأكثر ربحية.
وتشير التقديرات المنشورة مؤخرا إلى ارتفاع متوسط سعر مركباتها في أميركا الشمالية بنسبة 14 في المئة على أساس سنوي.
وهذا الوضع انسحب أيضا على الشركات اليابانية، فقد أجلت شركة نيسان إطلاق سيارة أريا الكهربائية بالكامل بسبب مشكلة نقص الرقائق، لكنها لم تغير هدف مبيعاتها السنوية.
أما شركة تسلا التي يعوق إنتاجها نقص الوسائد الهوائية والأحزمة خصوصا، فصممت برامج لاستخدام مكونات جديدة، كما قال رئيسها إلون ماسك.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى فرديناند دودنهوفر مدير مركز أوتوموتف ريسيرتش للبحوث المتعلقة بالسيارات، قوله “وصلنا إلى ذروة الأزمة. سيتحسن الوضع بمجرد أن تصبح القدرات الإنتاجية الجديدة متوافرة”.
لكن الخبير أشار إلى أن المشكلة لن تحل بحلول نهاية العام الحالي وقد تستمر حتى العام 2023، وسوف تكون هناك مخاطر مستمرة في سلسلة التوريد.
وتوقع الخبير أن يتسبب النقص بتراجع الإنتاج 5.2 مليون سيارة هذا العام وانخفاض حاد في عمليات التسجيل في النصف الثاني من العام، مع فترات انتظار أطول وأسعار أعلى للمشترين. فالوكلاء باعوا مخزونهم وسيتعين عليهم إعادة تكوينه شيئا فشيئا.
وبعيدا عن ضجيج الآلات داخل المصانع المنتشرة في العالم، يعتقد المختصون أن هذا النقص في رقائق أشباه الموصلات له عواقب أيضا على سوق السيارات المستعملة، التي ترتفع أسعارها مع ارتفاع الطلب.

وتمكنت شركة فاليو المصنعة للمعدات والتي تستخدم 50 مليار مكون إلكتروني سنويا، حاليا من عدم إعاقة عملية إنتاجها عن طريق نقل مكونات من مصانعها الأفضل تجهيزا على سبيل المثال.
وقال المدير المالي للشركة الفرنسية روبير شارفييه “كلما كنا نجد مكونات إلكترونية، كنا نشتريها ونخزنها”. وترى فاليو أيضا أن الأزمة تتراجع لكنها ستستمر حتى العام 2022.
ووفق نيلز بول من الاتحاد الأوروبي لمصنعي المعدات فإن في هذا القطاع الذي تُحسب فيه الخدمات اللوجستية بدقة “يعيد مصنعو السيارات والمعدات تقييم سلسلة التوريد الخاصة بهم بهدف التحكم بها بشكل أفضل من خلال تنويع المصادر إن أمكن”.
وأكد بول أن “بعض مصنعي السيارات ينسقون بشكل أفضل مع مورديهم، والبعض الآخر يمارسون ضغطا عليهم”.
ولفتت ماتيلد أوبري أستاذة الاقتصاد في كلية إي.أم نورماندي لإدارة الأعمال إلى أن قطاع تصنيع السيارات قد “يكون أداؤه أفضل” من غيره. وتوقعت “ألا يكون القطاع الذي سيعاني لأطول فترة”.
وشرحت أوبري أن أوروبا تحاول الآن إعادة معظم الرقائق الأصغر، لأنها ضرورية في “القطاعات الفائقة الاستراتيجية المرتبطة بالصحة والأمن”.
وهذه المعضلة أثرت على الشركات التي تعمل في الولايات المتحدة، وهو ما دفع الحكومة الأميركية إلى الإعلان عن أنها تنوي استثمار 52 مليار دولار لتقليل اعتمادها على آسيا.
وقال دوندهوفر إن “القطاع يجب أن يتنبه إلى نقص آخر، فمع الارتفاع الحاد غير المتوقع في مبيعات السيارات الكهربائية منذ 2020، قد تبدأ وحدات البطاريات في النفاد اعتبارا من العام 2023”.