المماطلة في ملف المرتزقة تثير استياء الحكومة الليبية

أبدى رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة استياءه من عدم تحقيق تقدم في ملف المرتزقة وسط مماطلة تركية وروسية، نافيا علمه باتفاق بين أنقرة وموسكو يقضي بسحب المقاتلين الأجانب من البلاد، الأمر الذي يلقي بظلاله سلبا على العملية السياسية ويصعب بشكل خاص توحيد المؤسسة العسكرية.
نيويورك - أثارت مماطلة الأطراف الدولية المتهمة بالوقوف وراء انتشار المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا وهما تركيا وروسيا استياء الحكومة الليبية التي تضع هذا الملف في سلم أولوياتها لإنجاح المرحلة الانتقالية والعملية السياسية في البلاد والذهاب نحو الاستحقاق الانتخابي المرتقب.
وكشف رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة في مقابلة مع رويترز الجمعة أن “لا علم له بأي تفاهم بين روسيا وتركيا بخصوص انسحاب مقاتليهما الأجانب، لكن مثل هذه الخطوة ستكون محل ترحيب”.
وأكد الدبيبة التزامه بإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر القادم، غير أنه حذر من أن بعض النواب قد يحجمون عن التخلي عن السلطة.
وقال الدبيبة، وهو رجل أعمال عُيّن رئيسا للوزراء مؤقتا في فبراير الماضي، إنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيخوض الانتخابات أو لا.
ولم تشهد ليبيا استقرارا يذكر منذ انتفاضة فبراير عام 2011، فيما نجحت عملية سلام تقودها الأمم المتحدة في التوصل إلى وقف لإطلاق النار الصيف الماضي، بعد توقف القتال بين الفصائل المتناحرة، ثم تشكيل حكومة وحدة بعد ذلك.
وفيما أشار مسؤولون أميركيون وألمان عقب مؤتمر بدعم من الأمم المتحدة في برلين الشهر الماضي إلى أن تركيا وروسيا اللتين تدعمان طرفين متنافسين في ليبيا توصلتا إلى تفاهم أولي على انسحاب تدريجي لمقاتليهما الأجانب، إلا أن الدبيبة أوضح بالقول “لم أسمع بهذا الاتفاق بشأن سحب المقاتلين. ولكن نحن نرحب بأي اتفاق (…) ونرحب بخروج أي قوات أو مقاتلين أو مرتزقة بأي دعم من أي طرف”.
وأضاف “نحن نتحدث مع كل الأطراف بخصوص سحب القوات الأجنبية من ليبيا”.
ولفت ديمتري بوليانسكي نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن الخميس إلى أن موسكو تؤيد “انسحابا تدريجيا على مراحل لكل القوات والوحدات الأجنبية”.
وتابع “في الوقت نفسه نود التأكّد من عدم الإخلال بتوازن القوى الحالي على الأرض، لأنه بفضل هذا التوازن لا يزال الوضع في ليبيا هادئا ولم تظهر تهديدات بتصعيد مسلح”.
وتعد التشكيلات المسلحة والميليشيات أحد أبرز الملفات التي تعيق التوافق وإنهاء الانقسام داخل ليبيا، وكثيرا ما شكل مصيرها نقطة خلاف تعيق توحيد المؤسسة العسكرية. ففي حين ترى السلطات في المنطقة أنه من الضروري استيعابها داخل الأجهزة النظامية، يطالب قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر بحلها ونزع سلاحها.
ويجمع المتابعون على أن توحيد الجيش الليبي يعد مفتاح تماسك المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، حيث تعاني منذ عشر سنوات صعوبات في إعادة بناء جيش نظامي محترف بسبب انتشار السلاح والميليشيات غير المنضبطة.
وأعرب الدبيبة لمجلس الأمن أن “استمرار هذا التواجد يشكل خطرا حقيقيا أمام العملية السياسية الجارية حاليا وجهود استمرار وقف إطلاق النار واستكمال توحيد المؤسسة العسكرية”. مقرا بأن “توحيد الجيش الليبي سيكون صعبا جدا”.
وبيّن في مقابلة بمقر بعثة ليبيا لدى الأمم المتحدة “طبعا التواصل مع حفتر، هو شخص عسكري صعب، لكن نتواصل معه. ولكن الأمور ليست بالأمر الهين”.
ويعد ملف المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا محط اهتمام العديد من القوى الفاعلة في الأزمة الليبية، حيث وجدت حكومة الوحدة الوطنية دعما دوليا هاما من أجل إتمام عملية سحب هؤلاء للسماح للعملية السياسية بالمضي قدما، علاوة على فسح المجال لتوحيد المؤسسة العسكرية، إلا أن تركيا التي تعمل على تغذية الصراع بالبلد لم تبد تحركات إيجابية في هذا الملف.
وأعربت واشنطن الجمعة على لسان مندوبتها الدائمة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد عن قلقها إزاء استمرار وجود القوات الأجنبية والآلاف من المرتزقة في ليبيا، وهي قضية تثير أيضا قلق الاتحاد الأوروبي ودول الجوار الليبي خاصة مع مماطلة تركيا في سحب قواتها ومرتزقتها، ما يؤثر سلبا على جهود تهيئة الأرضية لانتخابات عامة في الأسبوع الأخير من العام الحالي.

وقالت المتحدثة باسم البعثة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة أوليفيا دالتون في بيان إن “غرينفيلد التقت في وقت سابق رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية”، مضيفة أنهما “بحثا التطورات السياسية في ليبيا وملف القوات الأجنبية والمرتزقة”.
وتابعت أن “المندوبة الأميركية ناقشت مع الدبيبة العملية السياسية وضرورة الحفاظ على الزخم السياسي للمضي قدما في إجراء الانتخابات”، موضحة أن “واشنطن والحكومة الليبية تتشاركان المخاوف ذاتها من تأثير استمرار وجود القوات الأجنبية والمرتزقة، وأنهما أكدتا على ضرورة انسحابها فورا”.
ووفق البيان الأميركي رحب الدبيبة بـ”إعادة انخراط الولايات المتحدة بشأن ليبيا وتجديد العلاقات بين البلدين”.
وخلال الأيام الأخيرة فشل ملتقى الحوار السياسي الليبي في التوصل إلى اتفاق بشأن القاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها الانتخابات النيابية والرئاسية المقررة في 24 ديسمبر المقبل.
ويأتي اجتماع الدبيبة وغرينفيلد بعد يوم من جلسة لمجلس الأمن الدولي دعت خلالها جميع الدول الأعضاء إلى ضرورة الالتزام بحظر السلاح المفروض على ليبيا وكذلك المساعدة على إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، بينما تكابد السلطة الانتقالية لتأمين مرحلة انتقالية محفوفة بالتحديات، فيما شدد المجلس كذلك على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم، بينما تسود شكوك حول قدرة حكومة الوحدة على إتمام الاستحقاق الانتخابي في موعده.
وعقدت جلسة مجلس الأمن الشهرية حول ليبيا فيما يعرقل الوجود العسكري التركي وعدم سحب أنقرة للآلاف من مرتزقتها من الساحة الليبية جهود إنجاح المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات في موعدها.
وتحشر هذه الدعوات تركيا في الزاوية بينما تقول الأخيرة إن وجودها العسكري “شرعي”، متذرعة باتفاقية أمنية وقعتها مع حكومة الوفاق الليبية السابقة وهي حكومة لم تكن تحظى بشرعية كاملة في ظل الانقسامات بين شرق وغرب ليبيا ومؤسسات اقتصادية وعسكرية برأسين.
وشدد المجلس في بيان تلاه رئيسه وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان “على ضرورة إجراء الانتخابات وفقا للجدول الزمني الذي وضعه ملتقى الحوار السياسي الليبي”، داعيا السلطات الليبية إلى اتخاذ إجراءات فورية لتوضيح الأساس الدستوري للانتخابات المقررة في ديسمبر القادم.
كما أعرب المجلس في بيانه عن قلقه البالغ إزاء تأثير الوضع في ليبيا وخاصة المنطقة الجنوبية على البلدان المجاورة لاسيما منطقة الساحل.