حكومة سياسية.. مناورة الغنوشي للتضحية بالمشيشي

تونس – فتح بيان مجلس شورى حركة النهضة، الاثنين، باب التأويلات بشأن مصير رئيس الحكومة هشام المشيشي بعد أن دعا البيان إلى “حكومة سياسية قوية” دون ذكر اسم المشيشي لرئاستها بعد أن أكد قياديون في الحركة أنهم لن يتخلوا عنه، في خطوة أجمعت أوساط سياسية ومحللون في تصريحات لـ”العرب” على أن الهدف منها محاولة استرضاء الرئيس قيس سعيد وجلبه إلى مربع التوافق.
وقالت أوساط سياسية مطلعة إن جدلا حادا جرى خلال أكثر من يومين في اجتماع الشورى أفضى إلى انتصار التيار الذي يطالب بالتخلص من حكومة المشيشي والبحث عن حكومة توافقية شبيهة بحكومة إلياس الفخفاخ تكون بمثابة حكومة الرئيس وتضم أكثر ما يمكن من مناصريه وحزامه السياسي.
وكشفت هذه الأوساط أن الأغلبية داخل مجلس الشورى كانت تدفع نحو التوافق مع الرئيس سعيد وتقديم أقصى ما يمكن من التنازلات لتبديد شكوكه، وعلى رأس هذه التنازلات التضحية بالمشيشي كرئيس للحكومة، وهو الشرط الذي قالت تسريبات مختلفة إن قيس سعيد يضعه أمام أي حوار.

أحمد نجيب الشابي: كل دعوة إلى حكومة سياسية هي دعوة إلى محاصصة حزبية
وبعد صدور بيان مجلس الشورى الذي فتح المجال أمام فرضية التخلي عن المشيشي أشارت أنباء إلى أن هناك ترتيبات لعقد لقاء خلال هذا الأسبوع بين الرئيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي قد يكون تعهد في اللقاء الأخير مع رئيس الجمهورية، الذي تم التكتم على نتائجه، بإقناع قيادات النهضة بفكرة التخلي عن المشيشي، وهو ما حصل.
وتضمن بيان المجلس مجموعة من النقاط كانت موجهة لإظهار حسن النوايا تجاه الرئيس سعيد، من بينها الدعوة إلى “حكومة سياسية قوية في المرحلة القادمة تكون قادرة على مواجهة القضايا الراهنة وتتحمل مسؤوليتها أمام الشعب”، دون ذكر أي مرشح، وهو ما قد يعيد المبادرة إلى قيس سعيد ليختار مرشحا جديدا بعد أن سبق له اختيار الفخفاخ ثم المشيشي.
ودعا البيان إلى “مناقشة المسائل الخلافية بعيدا عن الشحن والتشنج وفي كنف احترام الرموز الوطنية ومؤسسات الدولة”، في رسالة موجهة إلى أنصار حركة النهضة بهدف دعوتهم إلى وقف استهداف الرئيس سعيد واحترام منزلته كرمز للدولة، وهو موضوع طالما اشتكى منه رئيس الجمهورية خاصة الحملات المنظمة على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن محللين سياسيين قالوا إن رغبة النهضة في التقرب من رئيس الجمهورية قد لا تكون هي الهدف الرئيسي لبيان النهضة وأن الحركة ربما أرادت تحقيق مكاسب متعددة بموقف واحد؛ استرضاء الرئيس سعيد وفي الوقت نفسه فتح الباب أمام توسيع نفوذها داخل الحكومة بعد أن عمل المشيشي على اختيار وزرائه ومساعديه من داخل الإدارة التونسية، وهو ما ضيق على النهضة الخناق ودفعها إلى تغييره.

محسن مرزوق: مناورة جديدة من النهضة لمحاولة الحكم من خلف الستار
ولم يخف قياديون في الحركة الإسلامية، ومن بينهم رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني، تأكيدهم على أن “النهضة لن تقبل مستقبلا أنّها لا تحكم وتتحمل مسؤولية كلّ سلبيات الحكم”، وهو ما اعتبره مراقبون رغبة في تغيير أسلوب الحكم من وراء الستار إلى حكم علني مباشر.
وقال أحمد نجيب الشابي، رئيس الهيئة السياسية لحزب أمل والمعارض المعروف في فترة ما قبل 2011، “لا معنى لحكومة سياسية لا تكون من مخرجات الحوار الوطني”.
وأضاف الشابي، في تصريح لـ”العرب”، “خارج الحوار الوطني كل دعوة إلى حكومة سياسية لا تعدو أن تكون سوى دعوة إلى محاصصة حزبية أخرى تكون فيها حصة الأسد لحركة النهضة”، محذرا من أن تفضي هذه المناورة إلى “تصعيد للصراع بين حركة النهضة وبين الرئيس وحلفائه، أي أنها تعميق للأزمة”.
ويقود رئيس الحكومة هشام المشيشي حكومة كفاءات مستقلة منذ سبتمبر الماضي خلفا لحكومة الفخفاخ، بترشيح من الرئيس سعيد. ودافعت النهضة عن الحكومة وأعاقت محاولات لإقالتها بالرغم من الأزمة الحادة التي تعيشها البلاد سياسيا واقتصاديا وصحيا.
وتمر تونس بأزمة سياسية إثر خلافات بين قيس سعيد والمشيشي، بسبب تعديل وزاري أعلنه الأخير في السادس عشر من يناير الماضي وأقره البرلمان لاحقا. إلا أن الرئيس سعيد يرفض دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، معتبرا أن التعديل شابته “خروقات”، وهو ما يرفضه المشيشي.

منذر ثابت: الإعلان عن حكومة سياسية تنصل من المسؤولية
ووصف محسن مرزوق، رئيس حركة مشروع تونس، فكرة الحكومة السياسية، معتبرا أنها “مناورة أخرى لمحاولة الحكم دون حكم”، أي حكم من وراء الستار.
وقال مرزوق، في تصريح لـ”العرب”، إن “لدى حركة النهضة خطة استراتيجية للبقاء في الحكم مع التنصل من مسؤولية هذا الحكم” في السنوات العشر الأخيرة، لافتا إلى أن الحركة “لا تستغل ضعف المشيشي فقط، بل لديها مسؤولية في إضعافه لأنها ناورت معه في صراعها ضد الرئيس سعيد”.
وأكد على أن “بقاء النهضة في الحكم بصفة مباشرة أو غير مباشرة هو من أسباب استمرار الأزمة وإعادة إنتاجها”، لكنه شدد على أن السبب الرئيسي هو النظام السياسي وكذلك الانتخابي اللذان يجب تغييرهما.
ويقود مرزوق تحركا سياسيا ومدنيا لأجل المرور إلى الاستفتاء على النظامين السياسي والانتخابي باعتبار ذلك خطوة ضرورية وحاسمة لإخراج البلاد من الأزمة، لكن حركة النهضة تستمر في رفض التعامل مع مختلف الدعوات الهادفة إلى تعديل الدستور أو الاستفتاء على المسائل الخلافية.
واعتبر المحلل السياسي التونسي منذر ثابت أن “من مصلحة النهضة عدم تحمل المسؤولية السياسية خاصة خلال هذه المرحلة حتى لا يحمّلها الرأي العام مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع”، مستبعدا أن تسعى لأن تكون على رأس الحكومة أو تضع عليها يدها.
وأكد ثابت في تصريح لـ”العرب” على أن إعلان النهضة عن حكومة سياسية شكل من أشكال التنصل من المسؤولية السياسية وتنكّر للمسؤولية الحزبية في علاقتها بحكومة المشيشي.