معضلة استهداف البنية التحتية للكهرباء تواجه رئيس الحكومة العراقية في منعطف حاسم من ولايته

استهداف البنية التحتية للطاقة الكهربائية في العراق يكشف عن اتّساع الخيارات التي تمتلكها الجهات المعنية بزعزعة أمن البلاد ومنع استقرارها سواء تعلّق الأمر بتنظيم داعش الذي يبدو بعد مضي سنوات على هزيمته العسكرية عصيا عن الاجتثاث بشكل جذري، أو بالميليشيات التي كثيرا ما تقتضي مصلحتها وحسابات مشغّليها خلط الأوراق وتعقيد الأزمات كما هي الحال راهنا في فترة المسير نحو الانتخابات المبكّرة.
بغداد - لجأت السلطات العراقية إلى الاستعانة بالجيش لمواجهة معضلة أمنية طارئة ذات أثر خطير على السير العادي للحياة اليومية في البلاد بمختلف مظاهرها الاقتصادية والاجتماعية، وتتمثل في الهجمات المتكرّرة على البنية التحتية للطاقة الكهربائية.
وجاء قرار الاستعانة بالجيش بعد موجة من استهداف أبراج الكهرباء أدت إلى قطع التيار على مئات الآلاف من السكّان وكشفت مجدّدا صعوبة محاصرة الإرهاب في العراق وامتلاك تنظيماته مجالا واسعا لزعزعة الاستقرار ومنع تثبيت الأمن بشكل نهائي، بسبب توفّر الأرضية الملائمة لنشاط تلك التنظيمات من طائفية وفقر وتمييز بين الفئات والجهات وانعدام الثقة في عدالة الدولة ومؤسساتها.
وشن الجيش العراقي، الإثنين، عملية عسكرية لتأمين أبراج الطاقة الكهربائية بمحافظة نينوى شمالي البلاد، وفق مصدر أمني. وقال المصدر وهو ضابط في قيادة عمليات نينوى إنّ “عملية عسكرية انطلقت لحماية وتأمين أبراج الطاقة الكهربائية من استهدافها المتكرر على يد عناصر تنظيم داعش”.
وأضاف المصدر الذي تحدّث لوكالة الأناضول مفضّلا عدم ذكر اسمه أنّ “مناطق غرب وجنوب الموصل شهدت مؤخرا هجمات متكررة استهدفت أبراج الطاقة ما تسبب في خروج اثنين منها عن الخدمة”.
وأوضح أن العملية العسكرية انطلقت عقب ساعات من وصول وفد عسكري رفيع المستوى بقيادة نائب العمليات المشتركة في الجيش الفريق الركن عبدالأمير الشمري إلى محافظة نينوى.
وفي وقت سابق الإثنين قال بيان للجيش العراقي إنّ “الوفد سيتابع الوضع الأمني وينفذ خطة حماية البنى التحتية العاملة في مختلف مناطق نينوى”.
وعلى مدى الأيام الماضية أعلنت السلطات العراقية تعرض عدد من أبراج نقل الطاقة الكهربائية لهجمات في محافظات ديالى شرقي البلاد وكركوك وصلاح الدين ونينوى شمالا.
وتبدو مهمّة الجيش في حماية أبراج الطاقة المنتشرة على نطاقات جغرافية واسعة أمرا في غاية الصعوبة، فرغم الجهد الأمني تجدّدت الإثنين الهجمات على منشآت الطاقة الكهربائية، حيث أعلنت وزارة الكهرباء العراقية استهداف أحد أبراج الكهرباء بعبوات ناسفة شمالي بغداد.
الميليشيات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في دائرة الاتّهام بالعمل على تعميق أزمة الكهرباء لإثارة الشارع ضد رئيس الوزراء
ووفق بيان للوزارة “تعرض خط قدس – نصر إلى حادث إرهابي في قضاء الطارمية شمالي بغداد تسبب في تفجير برج لنقل الطاقة الكهربائية بعبوات ناسفة”.
وأوضح البيان أن فرقا هندسية وفنية توجهت على الفور لتأهيل وصيانة برج الطاقة الكهربائية بهدف إعادته إلى العمل بأسرع وقت لاسيما وأنه يغذي مشروع مياه غربي العاصمة بغداد.
والجمعة أكدت وزارة الكهرباء إعادة تشغيل منظومة الطاقة الكهربائية في البلاد بعد توقفها لساعات إثر استهداف أبراج لنقل الطاقة فيما تتهم السلطات مسلحي داعش بالوقوف وراء معظم تلك الهجمات.
بدورها أعلنت الحكومة العراقية قبول استقالة وزير الكهرباء ماجد حنتوش وإقالة مدير شركة نقل الطاقة الكهربائية من منصبه. وعلى أثر الانقطاع الأخير قرر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تشكيل خلية لمواجهة نقص الكهرباء.
ويعاني العراق أزمة نقص الكهرباء منذ عقود جراء الحروب المتعاقبة وعدم استقرار الأوضاع الأمنية في البلاد، فضلا عن استشراء الفساد.
وكثيرا ما مثّلت أزمة الكهرباء المُزمنة في العراق وعجز حكوماته المتعاقبة منذ أكثر من عقد ونصف العقد من الزمن عن تجاوزها رغم أنّ البلد من كبار منتجي النفط ومصدّريه في العالم، نموذجا عن الفشل في إدارة موارد الدولة وتجييرها لخدمة المجتمع وتلبية حاجاته الأساسية وانعكاسا لمدى تغلغل الفساد في مؤسسات الدولة.

وأواخر العام الماضي توصلت لجنة تحقيق شكلها البرلمان إلى إنفاق واحد وثمانين مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ عام 2005 دون تحسن يذكر في الخدمة.
وأوقفت طهران التي تدين لها بغداد بستة مليارات دولار مقابل تصدير كهرباء وغاز إلى العراق عن تصدير الغاز الذي يعتمد عليه العراق لتشغيل محطاته الكهربائية. كما لم يستطع العراق دفع ديونه لإيران بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على طهران وبسبب وضعه الاقتصادي الناتج عن تراجع معدلات تصدير النفط الذي يمثل المورد الرئيسي لميزانية البلاد بسبب تداعيات جائحة كورونا.
إلى ذلك تعاني السلطات من صعوبة جباية فواتير الكهرباء التي لا يدفعها إلا عدد قليل جدا من العراقيين ناهيك عن تجاوزات في أغلب مدن البلاد من عامة الناس وحتى من المسؤولين.
ومع كل صيف يبدأ المسؤولون العراقيون بالبحث عن حلول ظرفية لأزمة الكهرباء في الوقت الذي يفترض فيه أن تقدم الحكومة خطة استراتيجية تقوم على تعبئة الإمكانيات الذاتية وتنويع مصادر الاستيراد حتى لا تظل رهينة لضغوط المورّد الوحيد إيران.
ويكتسي موضوع الكهرباء أهمية استثنائية لحكومة الكاظمي الذي يسعى جاهدا لاستكمال الفترة الانتقالية التي يقودها بأقل الأضرار وصولا إلى موعد الانتخابات البرلمانية المبكّرة المقرّرة لشهر أكتوبر القادم وستنبثق عنها حكومة جديدة.
ولا يريد رئيس الوزراء أن يصبح هدفا مباشرا لغضب الشارع الذي يزداد تحفزّه للاحتجاج والتظاهر كل صيف مع تجدّد أزمة الكهرباء في الفصل الذي تصل فيه درجات الحرارة مستويات عالية تبلغ الخمسين درجة مئوية في بعض الأحيان.
ويرى متابعون للشأن العراقي أنّ حظوظ الكاظمي في ترؤس الحكومة القادمة تتوقّف إلى حدّ كبير على حسن إدارته لما بقي من المرحلة الانتقالية ومعالجة الأزمات التي ترافقها ومن ضمنها أزمة الكهرباء.
ويُلفتون إلى وجود قوى سياسية وفصائل مسلّحة مقرّبة من إيران معنية بقطع الطريق على التجديد للكاظمي على رأس الحكومة لعدم ثقتها فيه باعتباره في نظرها حليفا للولايات المتّحدة. وعلى هذا الأساس لا يستبعد هؤلاء عمل تلك القوى على افتعال الأزمات الأمر الذي يضع الميليشيات الشيعية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في دائرة الاتّهام بالوقوف وراء تفجير أبراج الكهرباء.