قفزة قياسية في التضخم تحبط سياسات أردوغان الاقتصادية

صعود مؤشر أسعار الاستهلاك يعني تأجيلا في خفض أسعار الفائدة.
الثلاثاء 2021/07/06
من المتسبب في ارتفاع الأسعار: الرئيس أم الليرة؟

تعرضت سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان الاقتصادية لانتكاسة جديدة جراء صعود التضخم إلى مستوى “تاريخي” ضمن مسار لا يزال محفوفا بالمخاطر، لإبعاد البلد من دائرة تقلبات النمو العالمي والأزمة الصحية اللتين أثرتا كثيرا على مجمل أداء التجاري والاستثماري وتسببتا في تراجع غير مسبوق في قيمة الليرة أمام سلة العملات الأجنبية.

أنقرة - يعكس ارتفاع معدل التضخم الأساسي في تركيا إلى أعلى مستوى على الإطلاق حجم التحديات التي تواجه السلطات في محاولاتها خفض الأسعار لتتمكن من خفض أسعار الفائدة المرتفعة التي تعرقل نمو الناتج المحلي الإجمالي.

وأظهرت بيانات مكتب الإحصاءات التركي الاثنين أن التضخم السنوي قفز إلى أعلى مستوى في عامين عند 17.53 في المئة بنهاية يونيو الماضي، متجاوزا التوقعات البالغة 17 في المئة ومواصلا الارتفاع الطويل بعد انخفاضه لفترة وجيزة، مما قد يؤخر أي خفض لأسعار الفائدة هذا العام.

وكانت قراءة أسعار المستهلكين على أساس شهري أعلى أيضا من المتوقع، بارتفاع 1.94 في المئة، مقارنة مع توقعات في استطلاع رأي أجرته رويترز بلغت 1.5 في المئة.

وانخفض التضخم بشكل غير متوقع في مايو الماضي إلى 16.59 في المئة عندما تأخر ارتفاع الأسعار بسبب إجراءات إغلاق مرتبطة بمواجهة الأزمة الصحية. وبخلاف ذلك، كان اتجاهه صعوديا منذ سبتمبر الماضي على الرغم من بدء دورة للتشديد النقدي في ذلك الشهر.

وبحسب الأرقام الرسمية، يعادل التضخم في تركيا أكثر من 3 أمثال متوسط التضخم في دول مجموعة العشرين.

ويرى محللون أن هذه النتائج المخيبة للآمال دليل على فشل سياسات رجب طيب أردوغان الاقتصادية، كما أنها قد تحبط أي محاولات أخرى في مسار تعديل أوتار النمو بالطريقة التي يراها الرئيس التركي.

المستثمرون الرابح الأكبر من صعود التضخم لأنهم سيستغلون فرصة عدم القدرة على خفض الفائدة

وتؤدي معدلات التضخم المرتفعة عادة إلى تآكل القوة الشرائية للسكان وهو ما يعني أنهم يملكون مالا قليلا مقارنة بحاجتهم إلى الإنفاق على شراء السلع أو الحصول على ضمانات لمشتريات مكلفة مثل السيارات والمساكن.

ومع ذلك، يعتقد المحللون أن ارتفاع معدل التضخم يساعد في تخفيف مخاوف المستثمرين بشأن خفض سعر الفائدة على المدى القريب، لأنها تمنحها الكثير من الوقت من أجل جني المزيد من الأرباح.

لم يتفاجأ المراقبون أواخر الشهر الماضي من قرار البنك المركزي إبقاء سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير للشهر الثالث على التوالي في مستوياته المرتفعة والبالغة 19 في المئة، وهو مؤشر قوي على استمرار ضغوط التضخم واحتمالات عودة الليرة إلى الانحدار.

وكان أردوغان قد أثار توترا في السوق عبر تشديده في الأول من يونيو الماضي على أنه مصمم على رؤية أسعار الفائدة تنخفض في الأشهر المقبلة.

ويبدو أن هذا الطموح تلاشى مرة أخرى بسبب استمرار صعود التضخم، الذي كان في عام 2004 عند نحو 9 في المئة فقط، ولكن بالأرقام الجديدة لا يزال عند أعلى المستويات على مستوى العالم.

ولم يطرأ على العملة المحلية تغير يذكر منذ تراجعها في الأسبوعين الأخيرين بوتيرة متسارعة، فقد سجلت قيمتها الاثنين 8.69 مقابل الدولار، مقارنة بإغلاق الجمعة الماضي عند 8.7 ليرة لكل دولار.

وتقوم السياسة النقدية التي يسعى أردوغان لفرضها دوما على التناقضات ما تسبب في أزمة قاسية لليرة، حيث شكل تثبيت سعر الفائدة مسعى من المركزي للموازنة بين دعوته لخفض تكاليف الاقتراض والحاجة إلى دعم العملة المتدنية.

ويتوقع خبراء اقتصاد أن تتسارع وتيرة زيادة أسعار المستهلكين بسبب الفجوة بينها وبين مؤشر أسعار المنتجين، فضلا عن فقدان الليرة قيمتها بشكل كبير طيلة السنوات الأخيرة ويمثل هذا السيناريو خطرا بالغا على تركيا وشركاتها ومستهلكيها الذين يعانون بالفعل.

وقالت وزارة التجارة الجمعة الماضي إن العجز التجاري التركي اتسع بواقع 1.04 في المئة على أساس سنوي إلى 2.89 مليار دولار في يونيو الماضي وفقا لنظام التجارة العام، بينما انخفض 11.4 في المئة إلى 21.16 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري.

وفي دليل على حجم الصعوبات التي تواجهها أنقرة قيام أردوغان بحث المستثمرين الأجانب في مارس الماضي على الثقة في الاقتصاد التركي بعد أيام من إقالة محافظ البنك المركزي الثالث في أقل من عامين، مما تسبب في اضطراب السوق.

17.53

في المئة معدل التضخم، وهو أكثر من 3 أمثال متوسط التضخم في دول مجموعة العشرين

وجاءت تلك الدعوة بعد أيام من إقالته محافظ المركزي ناجي إقبال، الذي رفع ثقة المستثمرين ودعم العملة التركية بعد سلسلة من زيادات الفائدة، واستبدله بشهاب قاوجي أوغلو الأستاذ المصرفي الذي دعا إلى خفض أسعار الفائدة، بما يتماشى مع اقتصاد أردوغان.

وأثارت هذه الخطوة مخاوف بشأن احتمال عودة تركيا إلى السياسة النقدية غير التقليدية وتسببت في انخفاض الليرة التركية.

ولطالما جادل أردوغان بأن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم على الرغم من أن المعدلات المرتفعة عادة ما تدعم العملة وتساعد في مكافحة التضخم.

ورغم الصعوبات التي تمر بها الليرة منذ منتصف 2018، كانت تركيا واحدة من الدول القليلة التي سجلت نموا اقتصاديا خلال العام الماضي، وذلك بفضل التحفيز الحكومي والإعفاءات الضريبية والائتمان الرخيص من البنوك المملوكة للدولة.

ودفعت الأزمات الاقتصادية المتفاقمة الحكومة التركية إلى البحث عن حلول يائسة تتمثل في توسيع التعامل بالمقايضات التجارية بالعملات الأخرى بعد الانهيار السريع للعملة المحلية وسط تزايد المشاكل المالية جراء أزمة كورونا.

وتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد التركي بنسبة 5.8 في المئة بنهاية العام الجاري. وقال في تقرير الشهر الماضي إنّ “التحديات التي تواجهها تركيا غير مستعصية على الحل”.

وتشير التقديرات الرسمية إلى انخفاض حجم الاقتصاد التركي إلى حوالي 717 مليار دولار العام الماضي مقارنة مع نحو 760.8 مليار دولار في العام السابق، وهو نتاج طبيعي للهزات التي تعرضت لها البلاد لاسيما بعدما انكمش النمو في 2018 وذلك للمرة الأولى منذ عقد.

وكانت حقبة التحفيز النقدي القياسي في الاقتصادات العالمية الكبرى قد عززت أداء الاقتصاد التركي في ظل تدفق رؤوس الأموال الساخنة، لكن تلك الأموال راكمت جبالا من الديون على الشركات التركية.

10