الطلبة المسلمون أمام معضلة القروض الدراسية وشبهة الربا المحرّم

الفقهاء ورجال الدين مختلفون بشأن أحكام الشريعة في الحصول على القروض.
الأربعاء 2021/06/16
معضلة المحرمات تصعب الحياة

يسود القلق في أوساط الطلاب المسلمين من أن يمثل الحصول على قروض دراسية حجر عثرة في طريق مستقبلهم الأكاديمي. لكن القضية الأكبر هي الجدل الدائر حول تحديد القواعد الشرعية لهذه القروض وتعريفها.

يمثل الحصول على قرض لمواصلة الدراسة الجامعة قرارا صعبا بالنسبة إلى معظم  الطلبة في المملكة المتحدة، ولكنه معضلة أكبر للمسلمين، بسبب تحريم الإسلام الاقتراض أو إقراض الأموال ودفع فائدة عليها.

ويشغل هذا الموضوع بال الكثير من الأسر المسلمة في بريطانيا، التي ترغب في أن يواصل أبناءها تعليمهم، لكنها تخشى من فكرة القروض التي تخالف معتقدها الديني، على الرغم من أن الحكومة البريطانية تسهل بشكل كبير منح القروض للطلاب الجامعيين، ولا تضيف عليها فوائد كبيرة كما تفعل غالبية البنوك.

ويسدد الطلبة القروض للحكومة لاحقا بعد تخرجهم واشتغالهم وبفوائد قليلة، لكن القضية الأكبر والجدل الدائر هو حول مدى توافق تلك الفوائد مع قواعد الشرعية؟

ويبلغ عدد المسلمين في المملكة المتحدة حوالي ثلاثة ملايين نسمة، فيما لا تتوافر إحصاءات رسمية عن عدد الطلاب المسلمين.

ومع ازدياد تكلفة الدراسة والمعيشة في بريطانيا، باتت الدراسة الجامعية من أهم التحديات المالية التي تواجه معظم الطلاب المسلمين.

وقال أحد الطلبة المسلمين “إذا اتبعت الشريعة الإسلامية، فيجب ألا تدفع فائدة أو تحصل عليها. لكن الدراسة في بريطانيا تجعل من المستحيل تقريبا أن تتجنب هذا”.

وعلق آخر قائلا “إنه شر لا بد منه”.

وارتفعت تكلفة التعليم في إنجلترا بشكل سريع على مر السنين، لتصل إلى نحو 9.250 جنيه إسترليني سنويا مقابل الرسوم الدراسية وحدها، ولم يتم تعديل هذه التكلفة حتى بعد اضطرار الطلبة إلى التعلم عن بعد وعبر الإنترنت بسبب جائحة كورونا.

ويجعل ارتفاع الرسوم الدراسية سنويا من الصعوبة بمكان على معظم الطلبة توفير المبلغ بالاعتماد على أنفسهم.

وتتراوح الدورات الجامعية عادة ما بين 3 و5 سنوات قبل الحصول على الشهادة، لذلك يمكن أن يبلغ إجمالي الرسوم الدراسية 27.750 جنيه إسترليني كحد أدنى عام 2020، والتي تتجاوز متوسط ​​الدخل السنوي للمواطن البريطاني.

مخالفة المبادئ الإسلامية

بوكس

لم تكن مخالفة المبادئ الإسلامية خيارا بالنسبة إلى مدرّسة تدعى فائزة، بل اضطرارا بعد أن أصرّ والداها على ضرورة مواصلة تعليمها مما دفعها إلى طلب قرض.

وقالت فائزة في حديثها لصحيفة مترو التي تصدر في لندن “لم أرغب في الحصول على قرض عندما احتجت إلى 9 آلاف جنيه إسترليني لإكمال دراستي، وقلت إن الجامعة ليست لي”.

وأشارت إلى أنها حاولت الادخار قدر المستطاع لتوفير مصاريف الجامعة، واضطرت إلى العمل كمدرّسة خاصة لجمع المال، وحصلت على بعض المساعدة المالية من حكومة بلادها بما أنها مواطنة دنماركية، لكي تتمكن من دفع جل رسوم العامين الثاني والثالث لكنها مازالت مديونة.

وأكدت أن هذا الضغط أثر سلبا عليها، إذ لم تستطع التمتع بالدراسة والإنفاق بكل حرية لشعورها بالذنب بسبب مصدر المال الذي تراه غير شرعي، إضافة إلى القرض والفوائد اللذين يتحتم عليها دفعهما.

وفي الوقت الحالي، لا تقدم حكومة المملكة المتحدة نظاما يمكن للطالب من خلاله الحصول على قرض حلال.

تكلفة التعليم في إنجلترا ارتفعت بشكل سريع على مر السنين، لتصل إلى نحو 9.250 جنيه إسترليني سنويا مقابل الرسوم الدراسية وحدها

ومثل فائزة، حاولت مسعودة البحث عن تمويل لحلال لجمع التكاليف اللازمة لتغطية الرسوم الدراسية.

وقالت مسعودة “حاولت لكنني فشلت في النهاية، ولم أدرس سنة لأنني كنت أرغب في جمع أموال تتوافق مع الشريعة الإسلامية. لكنني حصلت الآن على عمل ولم ألتحق بالجامعة ومع ذلك، لدي آمال وأخطط للعودة إلى مقاعد الدراسة يوما ما”.

وأضافت “أنا حاليا أعمل في مدرسة، ولكنني أحتاج إلى شهادة جامعية حتى أتمتع بترقيات في المستقبل، ولكنني لست متأكدة كيف سأتدبر تكاليف الجامعة عندما يحين وقت العودة  إليها”.

ومع ذلك لا تخطط مسعودة للحصول على قرض غير متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، وتأمل في أن تتوفر لها بعض الأموال والمساعدات في يوم ما لتواصل دراستها.

لكن بينما يعتقد البعض من الطلبة المسلمين أن القروض الطلابية غير محرّمة وفقا للشريعة الإسلامية، يرى البعض الآخر أن “الضرورات تبيح المحظورات”، خصوصا في ظل عدم تمكن معظم الطلاب من تحمل رسوم التعليم الباهظة للحصول على شهادة جامعية تخوّل لهم الحصول على وظيفة في سوق الشغل الذي يضيق يوما بعد يوم.

الضرورات تبيح المحظورات

Thumbnail

يجادل آخرون بأن القروض الطلابية التي تمنحها الحكومة على أنها مساعدة مهمّة لدفع وتشجيع الطلاب على الدراسة لا تشبه القروض الربوية المخالفة للشريعة الإسلامية.

ولم تر لجنة الفتوى في بريطانيا أي مانع من أن يستفيد الطالب الذي لا يقدر على دفع الرسوم وهو بحاجة إلى مواصلة دراسته من القروض التي تعرضها الحكومة.

واعتبرت اللجنة في ردّها على حكم حصول الطالب على قرض من الحكومة لأجل الدراسة، وتسديده مع فائدة بعد تخرجه، بأن “حاجة الدراسة من الحاجات العامة، والحاجة إذا عمت تنزل منزلة الضرورة كما نصت على ذلك طائفة كبيرة من أهل العلم بالفقه والأصول، وأحكام الضرورات والحاجات الشديدة مقررة في الشريعة في سياق رفع الحرج”.

وأضافت “يجوز للطالب أن يأخذ ما يحتاجه لدراسته”، مشيرة إلى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث سبق وأن أصدر قرارا في ذلك أجاز فيه للطلبة المسلمين في أوروبا الاستفادة من القروض الطلابية التي تقدمها الدول الأوروبية لمواطنيها، وأن يستعينوا بها على سداد الأقساط الدراسية وتكاليف المعيشة الطلابية، إذا كانت تلك القروض بغير زيادة ربوية مربوطة بمؤشر معدل تكاليف المعيشة.

ويختلف الفقهاء ورجال الدين بشأن أحكام الشريعة في الحصول على قروض لمواصلة الدراسة،  وتتناقض الفتاوى بين المذاهب الدينية المختلفة.

ويعود الباحثون إلى جدل فقهي حدث في مناظرة سابقة بين الخطيب الشيعي أحمد الوائلي ورجل الدين السني أحمد الكبيسي، إذ اعتبر الأول أن إعادة الدين أو القرض مع مكافأة الدائن مسموح به على ألا يتم وفق شرط سابق. إلا أن الكبيسي رفض ذلك مؤكدا أن القاعدة الشرعية تنص على “المعروف عرفا كالمشروط شرطا” وهذه المكافأة التي تحدث عنها الوائلي جزء من الربا.

واستمر النقاش بين رجلي الدين الذي تحول إلى جدل من دون التوصل إلى اتفاق بينهما.

وأمام تضارب الفتاوى يجد الطلبة المسلمون أنفسهم في حيرة لأنهم لا يملكون الموارد التي تتيح لهم مواصلة الدراسة الجامعية لكنهم لا يتقدمون للحصول على قروض بنكية لأنها قد لا تتفق مع معتقداتهم الدينية الإسلامية.

13