الطريق الإثيوبي الثالث يربك حسابات مصر والسودان

القاهرة - أربكت الخطة الإثيوبية التي تشير إلى إتمام الملء الثاني لخزان سد النهضة في موعده خلال شهري يونيو ويوليو حسابات مصر والسودان، فالخطة الجديدة اخترعت طريقا ثالثا أثار الالتباس لدى البلدين، حيث يفضي إلى حدوث الملء في موعده من دون تخزين الحصة المقررة وقدرها 13.5 مليار متر مكعب لأسباب فنية.
وأجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري ووزير الموارد المائية والري محمد عبدالعاطي، مباحثات مع كبار المسؤولين السودانيين في الخرطوم الأربعاء لتنسيق المواقف والتشاور حول قضية سد النهضة، والاستقرار على خيار يتعامل مع السيناريو الإثيوبي الجديد الذي يخلط أوراقهما الفنية والسياسية.
وبدا الطريق الثالث الذي لا يوقف الملء ولا يحققه كاملا ويقود إلى تحجيم نسبة التخزين بما لا يتجاوز كمية الملء الأول، وهي 4 مليارات متر مكعب، مغلفا بدوافع فنية تتعلق بعدم القدرة على استكمال عملية بناء الجزء الأوسط في جسم السدّ وتركيب التوربينات، لتؤكد أديس أبابا أنها عازمة على تنفيذ خطتها منفردة ولن تعتدّ بضغوط القاهرة وغضب الخرطوم.
ونجم العجز الفني الإثيوبي عن تزايد المشكلات الداخلية التي انعكست سلبا على الأداء العام من قبل الشركات الأجنبية العاملة في السدّ وتوريد المعدات اللازمة لاستكمال البناء، خاصة أن إقليم بني شنقول المقام عليه سدّ النهضة يشهد توترات بين سكانه وقوات الأمن الإثيوبية، ولم تكن الحكومة ترمي إلى التأجيل بهذه الصورة.
ويقول متابعون إن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حوّل أزمة تعطيل الملء الثاني كاملا إلى فرصة سياسية، وأراد طمأنة المواطنين بأنه لا زال وفيا بعهده في استكمال البناء وفقا للخطة المرسومة لمنع تصوير الأمر على أنه رضوخ لأي ضغوط خارجية.
وبعث في الوقت نفسه برسالة ضمنية إلى الإدارة الأميركية بأنه حريص على الأمن والاستقرار ونزع فتيل الأزمة، فلن يؤدي الملء بهذه الطريقة إلى إحداث ضرر مائي بمصر والسودان، بالتالي لا داعي لممارسة أي ضغوط جديدة، فالمسألة قابلة للانفراج.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن المخرج الإثيوبي يبدو مريحا لواشنطن، ويوفر لها فرصة للاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الدول الثلاث، ويظهرها كمن تدخلت لتسوية الأزمة بصورة خلاقة، خاصة أن اهتمامها بملف السدّ لا يحتل أولوية كبيرة مقارنة بملف الأزمة في إقليم تيغراي.

ودرجت مصر والسودان على الإشارة إلى ضرورة حفظ حقوقهما المائية وتحقيق المنفعة للجميع في أي اتفاق حول سدّ النهضة، والتأكيد على السعي للتوصل إلى اتفاق قانوني عادل ومُلزم ويحقق طموحات جميع الدول.
وشددت إثيوبيا الخميس الماضي على أنها سوف تبدأ تنفيذ الملء الثاني لسد النهضة في 22 يوليو المقبل، في إشارة تؤكد عدم الاعتداد باعتراضات البلدين، ولم تشر إلى الكمية التي سيتم تخزينها.
وأوضح وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي، أن بلاده في سباق مع الزمن للانتهاء من بعض الأعمال الهندسية في البوابات الـ13 قبل التخزين القادم، “وسيتم العمل على رفع الممر الأوسط إلى ارتفاع 573 مترا بدلا من 595 مترا”.
ويعني الفرق بين الارتفاعين السابقين، وقدره 22 مترا، أن نسبة التخزين خلف سد النهضة لن تتجاوز أربعة مليارات وربما أقل من ذلك، لكن الخطورة في أنها تتم بشكل منفرد، ما قد تنجم عنه تداعيات فنية تؤثر بالتحديد على السودان.
وأشارت الخرطوم إلى وقوع تهديد مباشر جراء الملء الأحادي الثاني على تشغيل سد الرصيرص السوداني الذي يبعد عن سد النهضة نحو 15 كيلومترا فقط، وعلى مشروعات الري ومنظومات توليد الطاقة والمواطنين على ضفتي النيل الأزرق.
ودرست الحكومة السودانية الخطط والبرامج المتاحة مع فريق التفاوض في وزارتي الخارجية والري لاستخدام الوسائل القانونية أمام الهيئات القانونية والعدلية الإقليمية والدولية للدفاع عن مصالحها.
تكمن مشكلة الملء الثاني، بصرف النظر عن الكمية المستهدفة، في الإرادة المنفردة التي تعمل بها أديس أبابا وعدم الانصياع للتوقيع على أي اتفاق مُلزم مع مصر والسودان، ما يكرس أمرا واقعا يرفض البلدان الرضوخ له، لأنه ينطوي على نتائج تمنح إثيوبيا حرية للتصرف في مشروعات المياه ربما تصل لحد تسعيرها مستقبلا.
ووضعت الخطة الإثيوبية الملتبسة القاهرة والخرطوم في زاوية فنية ضيقة، حيث تجبرهما على العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، على الرغم من التزام تنفيذ إثيوبيا للملء الثاني، والذي من المفترض ألا يوقع ضررا بأي منهما.
تأتي المشكلة من أن الطريق الثالث أرسل إشارة إيجابية للمجتمع الدولي بأن إثيوبيا لا تتعمد التصعيد، وإذا رفضت مصر والسودان العودة للمفاوضات سوف تتعرضان لانتقادات، حيث لن يقع ضرر عليهما، وإذا قبلتا بالعودة فهذا يعني إقرارا رسميا بأحقية إثيوبيا في المضي قدما في مشروعها مع تقديم تنازلات طفيفة وفقا لما تراه مناسبا.
تفرض هذه الحلقة رفع مستوى التعاون والتنسيق بين القاهرة والخرطوم لإيجاد صيغة توقف السيناريو الجذاب الذي يحمل داخله عوامل تفخيخ قد تنفجر في وجه البلدين.
ولفت أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، إلى أن التنسيق بين مصر والسودان يستهدف الخروج بموقف مشترك تجاه مناورة تخزين ثلث الكمية المحددة من الملء الثاني، والتأكيد على الموقف الرافض لأي ملء دون اتفاق.
وأوضح في تصريح خاص لـ”العرب” أن تخزين أي كمية جديدة اعتداء على حقوقهما من المياه، لذلك من المهم استمرار الموقف الموحد للبلدين، حيث يؤدي إلى مواصلة الضغط من جانبهما على أديس أبابا وتضييق هامش المناورة أمامها.
ولم يستبعد مراقبون لجوء القاهرة والخرطوم إلى تقديم خطاب مشترك إلى مجلس الأمن الدولي يتضمن وقائع تثبت مخالفة إثيوبيا لاتفاق المبادئ الثلاثي الموقع بينهم بالخرطوم في مارس 2015، ومطالبة أطراف دولية لتكون شريكة في أي مفاوضات مقبلة كوسطاء فاعلين، وليس كمراقبين متفرجين.