"ديدو" كوميديا مصرية تفشل في إنتاج فيلم غرافيك متكامل

تتّسم الكوميديا الحقيقية بتجاوزها حدود الزمن واحتفاظها بشحنات إضحاك ممتدة لا يملّ منها الجمهور مهما تكرّرت مرات مشاهدتها، ففي أحشائها يقبع سحر مفارقات المواقف وردود الفعل المُجبرة لعضلات الوجه على الابتسام حتى لو كانت الصورة بالأبيض والأسود في عصر “الثري دي“. وهو ما لم يتمكّن من تحقيقه الفيلم المصري “ديدو.. أرجوك لا تفعصني سهوا” رغم اجتهاده في استعمال تقنيات الغرافيك المتطوّرة.
القاهرة – يمثل فيلم “ديدو.. أرجوك لا تفعصني سهوا” المعروض في دور السينما المصرية حاليا، ويعتبر أول عمل مصري يعتمد بشكل كامل على الغرافيك نموذجا لتيار مُضاد متواصل منذ خمس سنوات يعتمد على كوميديا آنية سريعة التلف، ينتهي رصيدها عند الضحكة الأولى فقط في صالات العرض.
ويرتكز العمل الذي ألفه الفنان كريم فهمي، وهو البطل أيضا، على عدة أفلام أميركية من دون محاولة لتقديم معالجة مختلفة، باستثناء تغيير الحيوانات المستخدمة في النسخ الأصلية، وتكرار بعض المشاهد بحذافيرها مع تطعيمها بنكات محلية تتماشى مع التشكيل الواضح لنجوم الارتجال في تكوين فريق العمل، مثل بيومي فؤاد ومحمد ثروت وحمدي الميرغني.
وتدور قصة الفيلم حول مخترع (يجسّده الفنان بيومي فؤاد) يبتكر جهازا لتصغير البشر وتحويل الألعاب البلاستيكية إلى شخصيات حقيقية من لحم ودم، ويتسبّب بالخطأ في تحويل أعضاء عصابة “ديدو” (الفنان كريم فهمي) التي جاءت لسرقة الاختراع ومعهم ابنته إلى حجم عقلة الإصبع لتبدأ صراعاتهم مع البرمائيات والحشرات الصغيرة التي باتت عملاقة بالنسبة إليهم.
ويظهر العمل الذي استغرق إعداده نحو عامين كاملين الفارق الكبير بين صناعة الغرافيك في مصر وصناعته في الخارج؛ فحتى النسخ الأميركية التي اعتمد عليها ويعود إنتاجها إلى عام 1989 كانت أفضل في تجسيد الصراع مع الحشرات وأكثر مراعاة للبيئة المحلية، بما في ذلك الحدائق المنزلية، التي تدور فيها غالبية أحداث العمل.
ملكية فكرية

الفيلم المصري يفرط في استعماله تقنية الغرافيك، ممّا جعله يضل طريقه بتقليده الفج للسينما الأميركية
كان “ديدو” غير موفق في الاسكريبت الحركي كثيرا مع انخفاض مساحات الخيال لقصة تشبه القماشة الجيدة التي يمكن تشكيلها بأي صورة، فالقصة الكوميدية تتضمن قدرا من الحركة والمغامرات والخيال العلمي والرومانسية، ورغم ذلك كله اضطرّت إلى تكرار مشهد مثل قص الحديقة المنزلية بواسطة آلات الحشائش أو ترويض الحشرات التي تضمّنتها النسخ الأميركية بالطريقة ذاتها دون تجديد.
ويظهر العمل قصورا في اختيار أنماط الحيوانات التي يمكن توظيفها ليستقدم ضفدعة خضراء لا تعيش في مصر من الأصل، ويستبدل النملة في النسخة الأصلية بخنفساء “دعسوقة” دون مراعاة الاختلاف بين الحشرتين في علم السلوك وطبيعة الافتراس الغريزية لدى الأخيرة، مع عدم الإلمام بالمعرفة الفيزيائية حول عملية الأجسام الساقطة والجاذبية التي تحكم سقوط الأحجام شديدة الصغر التي ركّز عليها الفيلم كثيرا طوال أحداثه.
يكشف “ديدو” أن الإنتاج المصري لا يعبأ بفكرة حقوق الملكية الفكرية بعدما أدخل شخصيات سوبر مان وسبايدر مان وباتمان الشهيرة، واستخدمها في مطاردة عصابة اللصوص في العمل، ووصل الأمر إلى حد استغلالها دعائيا بوضعها على “أفيش” الفيلم ومقاطعه التشويقية الدعائية، بجانب توظيف شخصية “بينوكيو” دمية والت ديزني الخشبية التي مثلت ثاني أعمال الشركة الأميركية الكرتونية المتحركة وأكثرها شهرة.
ولم يعبأ الفيلم المصري، في توظيف شخصيات الكوميكس الشهيرة، بالصراع العنيف بين شركة “مارفل” التابعة لديزني وشركة “دي سي كوميكس” التابعة لوارنر بروس على الإيرادات منذ ثماني سنوات وبتباريهما في إعادة تدوير أبطالهما الخارقين في مدرستين مختلفتين، إحداهما تعتمد على قدر من الكوميديا والثانية تعتمد على السوداوية. كما تجاهل المفاوضات التي استمرت لأشهر بين ديزني وسوني لإعادة استخدام شخصية “الرجل العنكبوت” في فيلم جديد العام الحالي.
ولا يمثل الاسكريبت الحركي المشكلة الأساسية في العمل، وإنما طالت المشكلة السيناريو برمته الذي يقدّم الممثلين بالشخصيات التي دأبوا على الظهور بها؛ حيث لاحظنا السخرية الشكلية من حمدي الميرغني وبقي محمد ثروت على طريقته التلقائية في الحديث، وحتى ضيوف الشرف أحمد فهمي وشيكو وهشام ماجد لم يتم توظفيهم بشكل جيد ليقتحموا العمل بسرعة ويخرجوا منه بشكل أسرع دون تبرير لسبب الدخول والخروج.
وكان كريم فهمي الذي يظهر أداء جيدا في الأعمال الرومانسية والاجتماعية عبئا ثقيلا على باقي الممثلين لافتقاره القدرة على الإضحاك، وجارت مساحة دوره على مساحات الأدوار الأخرى، رغم أن مهام كاتب السيناريو في المقام الأول هي رسم الشخصيات وعلاقتها ببعضها البعض وتوليد أحداث تُناسب كل منها وتقديم حبكة تلبي عقل الجمهور وتحترمه.
ويملك فهمي سبع تجارب سابقة في كتابة السيناريو، أضعفها النسخ التي لعب فيها دور البطولة مثل “حسن وبقلظ” و“علي بابا”، ويجمع بين غالبية أعماله الاعتماد على مرجعيات أجنبية ومحلية سابقة في استلهام فكرة السيناريو كفيلم “مستر آند مسيز عويس” الذي يشبه عملا لبراد بيت وأنجلينا جولي بعنوان “مستر آند مسيز سميث”، كذلك فيلمه “بيبو وبشير” المستلهم من أفلام محلية مثل “غريب في بيتي” و“الشقة من حق الزوجة” مع جزء من الفيلم الأميركي “انفصال”.
إشكالية كبرى

تكمن الإشكالية الكبرى في الفيلم في عدم تحديد جمهوره قبل تقديمه، فهو صالح كثيرا للأطفال دون عمر العاشرة الذين كان جليا إعجابهم الشديد بالقصة، وتمنوا أن يوجد بين الأبطال من يشابه شريحتهم العمرية، على عكس الشباب وكبار السن الذين لم يجدوا فيه جرعات الكوميديا المعتادة، وشعروا بالملل وتكرار النكتة الواحدة أكثر من مرة بكلمات مختلفة.
وتظهر الكثير من المشاهد محاولات إجبار الجمهور قهرا على الضحك، كمطالبة زوجة العالم رفيقها التأكّد من تغيير بطارية جهاز التصغير (الحجر) ليقوم الزوج بتغيير حجر النرجيلة، أي قطعة الفخار التي تحمل التبغ والفحم، أو أغنيته “اللجنة زمانها جاية جاية بعد شوية (اللجنة قادمة بعد قليل)” المشتقة من أغنية الأطفال “ماما زمانها جاية”، أو حديث ابنة العالم عن تحوّل أمها إلى pet (حيوان أليف) فيسأل “ديدو” عن نوعها قبل التحوّل وإذا ما كانت ذكرا أم أنثى؟ على اعتبار أن كلمة حيوان أليف في الإنجليزية (بت) تعادل كلمة بنت في العامية المصرية.
ويتكرّر الأمر ذاته مع محاولة تقديم نسخة مصرية من دمية “باربي” الشهيرة تمارس الردح ولا تتحدث إلاّ بالألفاظ السوقية ووصفها بأنها “باربي السبكي”، في إشارة إلى العائلة المنتجة للفيلم التي دأبت على تقديم أفلام عن المناطق العشوائية ووصم القاطنين فيها بالبلطجة اللفظية. كذلك مشهد دخول الأبطال الحمّام أثناء وجود العالم عكس قدرا من الكوميديا المقزّزة غير الدارجة محليا والتي تجد رواجا في السينما الأميركية.
ويظهر الفيلم تعجّلا في كتابة السيناريو ومنح الفترة الأكبر زمنيا لصناعة الغرافيك من أجل إكمال عناصر النقص، وربما كان السبب محاولة حجز الفكرة قبل عمل منافس أعلن عنه الفنان الكوميدي محمد هنيدي بعنوان “كنج سايز” عن عقلة الإصبع أيضا، وتمّ طرح مقطع تشويقي له على موقع يوتيوب، لكنه لم ير النور بعد.
يمثل “ديدو.. أرجوك لا تفعصني سهوا” اختبارا لصناعة الغرافيك في مصر وخطوة على طريقة وصولها إلى مستوى مرتفع في التجارب المستقبلية، وهو في المجمل فكرة جيدة كانت تحتاج إلى جهد أكبر من كوميديا المفارقات، ومساحات أكبر من المغامرات المعتمدة على تصوّرات محلية وليس غربية، والاستعانة ببطل كوميدي صريح يعرف كيفية توليد الضحك بقدراته الخاصة دون افتعال.