القدرات التمثيلية للأطفال لا تضمن استمرارهم مستقبلا

تقلبات الجمهور وعدم التطوير وغياب دراما المراهقين تقتل المواهب الصغيرة في مصر.
السبت 2021/05/29
كارما موسى في "ملوك الجدعنة" أداء تمثيلي يتجاوز العمر الصغير

لا يعترف التمثيل بحسابات الزمن ولا بمعادلات الخبرة ولا بمساحة الدور، لكنه يعترف بالموهبة والسلاسة التي جعلت من أطفال صغار في الموسم الرمضاني الأخير يخطفون الأنظار من ممثلين كبار قضوا أعمارهم في حلبة الفن، ورافقت آلات التصوير وجوههم على مدار سنوات.

أثبتت بعض المسلسلات التي عرضت في الموسم الرمضاني الأخير وجود خامات تمثيلية جيدة سحبت الضوء من بعض الممثلين الكبار، وكشفت عن قصور في أدائهم بفضل صدق الإحساس دون افتعال، والتلوّن عبر شخصيات شديدة التعقيد دون ابتذال ما يجعلهم بذورا تمثيلية قد تؤتي ثمارها في المستقبل شرط العناية بهم والصبر عليهم وصقل مواهبهم.

وفرضت القصص التي تناولتها بعض الأعمال في رمضان المنقضي وجود الأطفال كعنصر مكمل للعمل، مثل مسلسلات “موسى” و”القاهرة – كابول” و”ملوك الجدعنة”، وتمحورت القليل منها حول الصغار ذاتهم مثل “خلي بالك من زيزي” و”أحسن أب”. لكن في كل الحالات كانت النتيجة واحدة، حيث ينصب تركيز الجمهور على الصغار، والافتتان بقدرات بعضهم.

قدرات كبيرة

عمر المشد: ثقافة تناول مشكلات الصغار في الدراما غير موجودة في مصر

يجذب تمثيل الأطفال الأنظار لكون الفن يخالف سجية الصغار ببراءتهم وعجزهم عن الاصطناع أو إعطاء شعور زائف، ويبقى نجاحهم مقترنا برؤية المخرج وصبره عليهم في تطبيقهم التعليمات، وعدم الانجرار إلى ممارسات مثل الضجر والعنف اللفظي التي قد تقضي على حب التمثيل بداخلهم.

وأثبتت الطفلة ريم عبدالقادر التي أدّت دور تيتو في مسلسل “خلي بالك من زيزي”، وهي الطفلة المصابة بمرض فرط النشاط ونقص التركيز أنها لديها قدرات واعدة، بعدما جسّدت مشاعر متضاربة أكبر بكثير من سنها بتنقلها بين الحزن والغضب والتشتّت والسعادة.

وتزاول ريم عبدالقادر التمثيل منذ أربع سنوات، وشاركت في خمسة مسلسلات كان أهمها شخصية شيزار المخيفة في مسلسل “ما وراء الطبيعة” الذي بثته شبكة نتفليكس مؤخرا، وقبله فيروز في مسلسل “قمر هادي”، وأدّت أدوارا متفاوتة في مسلسلي “لمعي القط” و”هربانة منها”.

ومثلت ريم ثنائيا مميّزا مع زميلتها في المسلسل ذاته ريما مصطفى التي أدّت دور التلميذة العدائية المتنمرة بصورة شديدة الاستفزاز وتصدّرت جملتها “فلاحة”، كإشارة على السذاجة في التعامل، تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي لعدة أيام، كما شاركت في دور طفلة صعيدية (من جنوب مصر) في مسلسل “كل ما نفترق” بحركات وجه طبيعية وسلسة تظهر قدرا من الضيم والقهر.

وفي مسلسل “أحسن أب” كان الفنان علي ربيع في موقف لا يحسد عليه بعدما استطاع الطفل الصغير كريم حسن أن يجاريه ويتفوّق عليه أحيانا في شخصية “زيكا” الطفل المتسوّل الذي يعمل لدى زعيم عصابة، ويكوّن ثنائيا مع لص للمشاركة في مسابقة لاختيار “أفضل أب”، واستطاع الصغير أن يظهر قدرا من التراجيديا والكوميديا في وقت واحد، ويغني الراب بتفاصيله بصورة تفوق عمره الصغير.

ولا يمثل إبداع الأسماء السابقة ومعها الطفلة هنا زهران في مسلسل “قصر النيل” التي شاركت في نحو 13 مسلسلا، أو معتز هشام في عمله الفني الثامن “القاهرة – كابول” ضمانة لاستمرارهم في المستقبل، فالكثير ممّن لمعوا من قبل وأظهروا قدرات فارقة، انزووا بعدها لاعتبارات كثيرة، بينها تغيّر الملامح من الطفولة إلى الشباب، كالطفل أحمد خالد الذي أجاد في تقديم شخصية كمال في مسلسل “الخواجة عبدالقادر” أمام المخضرم يحيى الفخراني.

عنصر مكمل

معتز هشام.. موهبة فنية خطفت الأنظار في "القاهرة – كابول " بعد نجاحه في "ممالك النار "
معتز هشام.. موهبة فنية خطفت الأنظار في "القاهرة – كابول " بعد نجاحه في "ممالك النار "

لا يعني نجاح الأطفال في أدوارهم الأولى اتجاه المنتجين للاعتماد عليهم في أعمال أكبر، فهم يعتبرونهم من العناصر المكملة في مرحلة زمنية من حياة البطل، مثل “موسى” أو جزء من مشكلته مثل “خلي بالك من زيزي”، وحتى الأخير كان التركيز على مرض الطفلة مجرّد وازع للبطلة الفنانة أمينة خليل التي تعاني في المسلسل من المرض ذاته دون أن تعرف، وذلك لاكتشاف طريقة عودتها إلى الحياة الطبيعية والتعافي من المرض ذاته.

وقال المخرج عمر المشد لـ”العرب” إن وضعية المراهقين والصغار في الدراما أو السينما العربية مغايرة تماما عن الأجنبية، خاصة الأميركية، التي تولي اهتماما بتلك الفئة العمرية منذ العام الثاني، ما يسفر عن وجود أطفال في أعمار لا تتجاوز خمس سنوات لديها وعي بطبيعة الدور والأداء، وكيفية التصوير، ولا يحتاجون من الإخراج جهدا ووقتا في تعليمهم.

وربما تستفيد الأجيال الجديدة من تحرّك المؤسسات الفنية الرسمية لدعمهم بعد استحداث شعبة جديدة في المسرح القومي للأطفال تحت اسم “مواهب مصر”، لإدخال الصغار الناجحين في اختباراتها في “مدرسة ممثل” لتدريبهم على مهارات التمثيل والرقص والغناء، حتى يكونوا نواة لهذه الشعبة التي يتم من خلالها إنتاج أعمال مسرحية لهم أو إلحاقهم بالدراما والسينما بعد ذلك.

وأضاف المشد أن الإنتاج الغربي يتضمن حصة ثابتة لأفلام البطولة الجماعية في المدارس والجامعات، وهو أمر غير موجود محليا، ونصيحة الأكاديميين المستمرة لشباب المخرجين أثناء الدراسة، هي تجنب كتابة أدوار كثيرة للأطفال والمراهقين في مشروعاتهم المستقبلية، لأن ثقافة تناول مشكلاتهم وتقبلها من الجمهور غير موجودة.

ولا تبرز الأعمال التي يمكن أن يلعب فيها الأطفال والمراهقون بطولة جماعية في قصة هادفة قدراتهم التمثيلية، ولا تؤثّر في نسبة الإقبال، ما يجعل من منتجي السينما والدراما يأنفون من هذه الأعمال، وآخرها فيلم “بنات ثانوي” الذي تم عرضه العام الماضي عن خمس فتيات يسعين للبحث عن شخصياتهنّ في فترة المراهقة والمشكلات التي تواجهنها.

ويرتبط بقاء الأطفال في الوسط الفني بامتلاكهم قدرات اجتماعية وذكاء غير محدود ومرونة تقبل الأدوار، سواء أكانت جادة أم هزلية، أو الانتماء لعائلة فنية أو لديهم علاقة بالوسط، ما يسمح باستمرار ترشيحهم، لأن حقوقهم في المنظومة الإنتاجية غير مضمونة، فليس لديهم العقود التي تضمن نسبهم من الإيرادات.

وفي الموسم الرمضاني الأخير كانت الطفلة كارما موسى، حاضرة في مشهد شديد التأثير ضمن أحداث مسلسل “ملوك الجدعنة”، لكن دون أن تشارك في الجمل الحوارية، بعدما دفع بها والدها المخرج أحمد خالد موسى في دور ابنة البطلة (الفنانة رانيا يوسف) وتعرّضت للموت، وأفرط المخرج في تصوير مراحل دفنها بداية من الغسل وحتى نزولها القبر، بينما استمر الطفل منذر مهران في الاستفادة من تبني الفنان محمد رمضان له بسبب الشبه الشكلي بينهما ليؤدّي دور البطل نفسه في مرحلة الطفولة ضمن أحداث مسلسل “موسى”.

وتمثل الرغبة في استكمال الدراسة المشكلة الأزلية التي أفقدت الفن المصري أجيالا من الموهوبين والموهوبات، في مقدّمتهم جيل فيلمي “الحفيد” و”العفاريت” بعد أن توقّع لهم المنتجون في حينه أن يملؤوا الدنيا تمثيلا وضحكا، لكنهم اختفوا ولم يظهروا إلاّ في سن ما بعد الشباب في برامج تلفزيونية يشرحون فيها أسباب اعتزالهم مبكرا.

وتعتبر ميرفت العايدي أحد نماذج ذلك الجيل الموهوب، فالطفلة الصغيرة التي خطفت القلوب وحملت لقب “فاتن حمامة الصغيرة” اختفت في عمر 12 عاما بعد مسلسل “إلاّ الدمعة الحزينة” مع الفنان أحمد زكي، ولم يستطع الأخير وزوجته الفنانة هالة فؤاد ومعهما المخرج عاطف سالم ثني أسرتها عن القرار الذي كان هدفه الدراسة والابتعاد عن الأضواء فترة قبل أن تتزوّج وتتفرّغ لمنزلها.

وتغيّر الأمر حاليا مع اختلاف نظرة الأسر للتمثيل عن الماضي، فلم يعد التعليم هدفا في حد ذاته مع ارتفاع الأرباح التي يحصل عليها الفنانون الصغار من أعمالهم وموجات المقارنة المستمرة على مواقع التواصل الاجتماعي بين الدخل الشهري لمهن تقليدية مرموقة مثل الأطباء وما يجنيه مطربو المهرجانات من نشاطهم مع حصول بعضهم على شهادة محو الأمية فقط.

سيولة مستمرة

Thumbnail

تمثل الفنانة الصغيرة ريم عبدالقادر دليلا على ذلك بعدما أخضعتها أسرتها لنظام التعليم من المنزل دون الذهاب إلى المدرسة التي يقتصر حضورها على أوقات الامتحانات فقط، وهو نظام يوفّر لها مساحة جيدة للعمل بحرية دون ضغوط، والتركيز مع تعليمات المخرجين وجلسات التصوير، وهو ما دعّمه انتشار كورونا وتفضيل غالبية المدارس تقديم مناهجها الدراسية أونلاين.

ويعتبر وصول الأطفال لمرحلة البلوغ إحدى المشكلات الأساسية التي تقف في طريق استمرارهم مع التغيرات الكبيرة على مستوى الشكل والصوت، مثلما حدث مع المطربة فيروز التي رغم موهبتها في التمثيل والرقص والغناء وهي صغيرة اختفت وحاولت العودة في سن الشباب مجدّدا، لكن لم يتقبلها الجمهور.

ويؤمن قطاع من المخرجين والنقاد أن الجمهور في حالة تغيّر مستمر ويريد الجديد، وعندما يتعوّد على الفنان صغيرا ويضعه في قالب معيّن قد لا يتقبّله في عمر كبير ما يدفعهم للاختفاء، فطبيعة دورة حياة التمثيل ذاتها سريعة قد لا تتجاوز العشر سنوات بالنسبة إلى الممثل وعليه أن يصل خلالها للقمة ويكسر الارتداد الطبيعي للخلف.

ماجدة خيرالله: الأسرة عليها دور مهم في الحفاظ على مواهب أبنائها وصقلها بالدراسة

وأكّدت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله لـ”العرب” أن الإشكالية التي تواجه الأطفال بعد نجاحهم تنحصر في عدم عثورهم على أدوار جيدة تعادل ما قاموا بها، وتسمح لهم بالاستمرار في إظهار قدراتهم التمثيلية، خاصة طفلة موهوبة مثل ريم عبدالقادر التي أدّت دورا صعبا ومعقّدا في مسلسل “خلي بالك من زيزي” قد يجعل أسرتها تفكّر جيدا في العروض التي تتلقاها لاحقا، ويمكن أن تنزوي كغيرها مع تأثير العمر على الشكل.

ولا يمثل تغيّر الملامح الشكلية للطفل مشكلة في الدراما المحلية فقط، لكنها ظاهرة عالمية أبعدت من هم أقوى بكثير على المستوى التمثيلي من الساحة، مثل الأطفال الأميركيين هالي غويل أوسمنت، وداكوتا فايننغ، وماكولكي كولكين، الذين نجحوا في الحصول على جوائز عالمية في التمثيل في سن مبكرة، ومع ذلك لم يكملوا رحلة ناجحة في عالم البطولة.

وأضافت خيرالله أن الأسرة عليها عامل مهم جدا في الحفاظ على مواهب أبنائها وصقلها بالدراسة بالانضمام إلى معهد الفنون المسرحية لنقل قدراتهم إلى مرحلة أكثر تطوّرا، مثل ليلى وملك أحمد زاهر، وهما اللتان اختفتا نحو 13 عاما بعد ظهورهما في فيلم “عمر وسلمى” في مرحلة الطفولة، وعادتا كآنسات وبقدرات تمثيلية أكثر تطوّرا، ويوسف عثمان الذي أدّى دورا لا ينسى في فيلم “بحب السيما” واختفى سنوات قبل أن يعود مجدّدا في أعمال عدة وهو في مرحلة الشباب.

ويعاني الأطفال في مرحلة ما قبل البلوغ أيضا من وقوعهم في منافسة الأكبر سنا إذا كانت ملامحهم الشكلية تعطي سنا أصغر، مثل الشابين أحمد داش وأحمد مالك، فالمخرجون يبحثون عن الأكفأ على مستوى التمثيل، بصرف النظر عن العمر.

ويُعدّ المخرج عمر المشد الذي يؤمن بمواهب الأطفال لتجربة سينمائية عن المرحلة الجامعية بعنوان “روان ومروان” وقرّر الاستعانة بمن هم أكبر سنا أيضا لعدم وجود عناصر مدربة تؤدّي الدور المطلوب، وهو أمر منتشر في الكثير من الأعمال.

ودرج مخرجون مصريون على تقديم ممثلين وممثلات كبار في أدوار صغيرة بإجراء تغييرات شكلية على قصات الشعر والملابس، ولم يكن من المستغرب أن تؤدّي ماجدة الصباحي وهي تقترب من الثلاثين دور مراهقة في فيلم “المراهقات” الذي كان أول عمل يتطرّق لمشكلات تلك المرحلة العمرية.

وتُظهر التجارب الفنية آفة تواجه الممثلين الصغار ترتبط بالغرور في المقام الأول الذي يجعل بعضهم يشعر أنه حقّق غايته وأصبح محترفا فيتعامل باستخفاف، مثل منة عرفة، الفتاة الشقية التي ظهرت مع الفنان أحمد حلمي في فيلم “مطب صناعي” واختفت بالسرعة ذاتها بسبب البقاء في المنطقة نفسها دون تطوير أو تجويد.

ولا يملك الأطفال في المنظومة الفنية إلاّ استمرار الأداء فقط، فالبقاء مرهون بخيارات أسرهم المستقبلية، وتفضيلات المنتجين والجمهور التي تجعل البعض يكمل رحلة صعوده إلى القمة مثل الفنان كريم عبدالعزيز الذي بدأ طفلا بجوار سعاد حسني وعادل إمام في فيلم “المشبوه”، أو أن يصبح مصيره مثل مؤمن حسن الذي شارك في أعمال كثيرة في مرحلة الطفولة قبل أن يختفي فجأة.

كريم حسن جمع بمهارة بين الكوميديا والتراجيديا في "أحسن أب"
كريم حسن جمع بمهارة بين الكوميديا والتراجيديا في "أحسن أب"

 

15