جمود القوانين يعرقل العملات الرقمية في تونس

غياب الوسيط يثير مخاطر تبييض الأموال.
الأربعاء 2021/05/26
سوء الاستخدام ينحرف بالتقنية عن مسارها

يتزايد الجدل التقني والحقوقي داخل الأوساط التونسية حول استخدامات العملة الرقمية بعد تكرر ملاحقات شباب بتهمة حيازة هذه العملات في ظل الدفع التكنولوجي القوي الذي تخطوه هذه التقنيات لتأمين المبادلات المالية دون الحاجة إلى وسيط والمخاطر المترتبة عن ذلك.

تونس - يلف الغموض مجال العملات المشفرة بالتزامن مع ارتفاع المطالب بتقنين استخداماتها لتحديد الضوابط  حيث يفرض جمود القوانين ضبابية بشأن هذا المجال الذي لا يزال محظورا في تونس رغم موجة الدفع التكنولوجي التي أحدثها في العالم ما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذا المجال ومكاسبه وضوابطه ومخاطره.

ورغم زخم الدفع التكنولوجي للعملات المشفرة لا يزال المستخدمون في تونس يواجهون عراقيل تشريعية لاسيما بعد تكرر ملاحقات أمنية وتضييقات مالية من البنك المركزي لشباب استخدموا هذه العملات في ظل منع القانون التونسي لأي مبادلات مالية خارج القنوات المصرفية الرسمية نظرا لما يثيره ذلك من مخاطر حول صعوبة تتبع مصادر هذه الأموال ما يطرحه من شكوك حول توجيهها نحو تبييض الأموال ودعم الإرهاب.

ويقول البنك المركزي إن هذه العمليات دقيقة جدا وتتطلب تأطيرا في حال السماح باعتمادها في تونس.

وتابع “لكن لا بد من الانتباه جيدا لمخاطر توظيف البعض لهذه الآلية لتبييض الأموال وغيرها من المخاطر التي تعرقل اعتماد هذه المنظومة والسماح باستخدامها من شباب طموح وأصحاب مشاريع ناشئة”.

ويرى خبراء القانون أن “بيتكوين” لا تصنّف ضمن أصناف العملة في القانون التونسي، طالما لم يتم البتّ في أمرها وإعطائها إطارا قانونيا جديدا.

باسم برقاوي: تونس جاهزة تقنيا لاعتماد البلوكتشين التي لا تحتاج سوى الإنترنت
باسم برقاوي: تونس جاهزة تقنيا لاعتماد البلوكتشين التي لا تحتاج سوى الإنترنت

وأفاد رابح الخرايفي المحامي وأستاذ القانون في تصريح لـ”العرب”، أنه “من حيث القانون هي ليست عملة لذلك يتم إلقاء القبض أحيانا على من يتداولها من الشباب بمقتضى قانون المقامرة، وتحتاج صبغة قانونية جديدة”.

وحول إسناد ترخيص بشأن تداول التعامل بالعملات الافتراضية في عهد حكومة يوسف الشاهد في وقت سابق، علق الخرايفي بأن “الترخيص لا يتم بأمر حكومي أو رئاسي، وقانون مسك العملة وترويجها وتداولها ينبغي أن يكون منظّما.”

وتابع “هذه جرائم جديدة ونادرة وليست مطروحة في المحاكم التونسية، الشباب فهم الوضعية ومتقدّم في مواكبته للتطورات، لكن الطبقة السياسية الحالية تجهل هذه الأمور، كما تجهل وجود مجالات جديدة وأننا سنمرّ من العملة الحقيقة إلى التعامل بالعملات الافتراضية.”

ودعا أستاذ القانون إلى ضرورة “تدخّل المشرّع لتنظيم التعامل بهذه العملة ويتوجّب أن يقدّم القانون من طرف الحكومة أو رئاسة الجمهورية أو كتلة برلمانية للمصادقة عليه”.

وأوضح باسم برقاوي الخبير في برمجيات البلوكتشين وصاحب شركة متخصصة في المجال “سكوين” في تصريح لـ”العرب” أن “العملة الرقمية ألغت دور الوسيط في المبادلات المالية بين الأشخاص إذا كان هذا الوسيط بنكا أو أي وسيلة أخرى حيث صارت هذه المعاملات تعتمد على آلية التشفير لضمان حق المستخدمين في سرية”.

وبيّن أن “آلية التشفير تعتبر ضامنا لإتمام مبادلة الأموال وتطورت لتشمل مجالات عديدة بفضل سرعتها وتسهيلها حتى للمعاملات المعقدة التي تتطلب توافق أشخاص على مبادلة ما، واختصرت الزمن والوقت والمسافات كما أنها يمكن أن تتم دون أن يعرف المستخدمون بعضهم البعض من خلال تقنية البلوكشين”.

وقلّل الخبير من فرص تحقيق الأرباح عبر العملات الرقمية مشيرا إلى أن “الظاهرة الإعلامية ضخمت ذلك حيث لا يعلن سوى عن الرابحين وهم قلة في حين لا أحد يسمع بالخاسرين”، لافتا إلى أن ما يقال حول تحقيق الأرباح العالية هو اعتقاد خاطئ.

وبيّن البرقاوي أنه “بإمكان تونس تقنيا اعتماد العملة الرقمية فهي لا تحتاج شيئا سوى الإنترنت وهي موجودة”.

Thumbnail

ورغم سهولة اعتماد هذه التقنيات تبقى القوانين في تونس تمنع هذه المعاملات حيث تخضع لرقابة البنك المركزي.

وفسر الخبير شروط نجاح هذه التقنية مبينا أنها تحتاج إلى جهاز رقابي قوي لمتابعة المخالفات لمنع الاستخدامات السلبية لها، مشددا على أن تطوير تقنيات المراقبة يمكّن من تقليل مخاطر هذه التقنية.

وأكد أنه في ظل التحولات الرقمية صار من الضروري لتونس تجاوز كبوتها التكنولوجية ومواكبة موجة الدفع عبر حث الخطى للحاق بركب هذه التطورات.

وقال الخبير في السلامة المعلوماتية إدريس حاجي في تصريح لـ”العرب” إن “العملات الرقمية المشفرة تقطع الطريق على الاحتيال فهي تعمل على قواعد دفتر عالمي لامركزي لكل معاملة بيتكوين يتم إجراؤها على الإطلاق. بسبب الطبيعة اللامركزية للعملة الرقمية، بحيث لا يمكن للمزوّر تزييفها أو عكسها بشكل عشوائي”.

وأكد “تقنيا العملة موجودة في تونس كما في كل مكان يمكنك فيه الاتصال بالإنترنت أي أن الأمر لا يحتاج إلى بنية تحتية رقمية بل الأمر يحتاج إلى قوانين لتنظيم استخدام العملات الرقمية وتداولها في السوق”.

وأشار إلى أنه “يمكن للعملات الرقمية أن تنعكس إيجابا على الاقتصاد التونسي من خلال فتح باب الاستثمار في المشاريع الصغرى لتعدين العملة الرقمية وهو ما قد يفتح أبواب توريد العملة الصعبة ليستفيد أصحاب المشاريع والدولة من خلال الضرائب التي يمكن جنيها عبر بيع هؤلاء المستثمرين للعملة الرقمية مقابل العملة الصعبة ( دولار واليورو)”.

إدريس حاجي: يمكن أن تُستغل العملات في تبييض الأموال وتمويل الإرهاب
إدريس حاجي: يمكن أن تُستغل العملات في تبييض الأموال وتمويل الإرهاب

ولم ينف الخبير في السلامة المعلوماتية مخاطر العملات الرقمية الأمنية مبينا أنها “يمكن أن تكون منفذا لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب”، لافتا إلى أن “ما قامت به الصين مؤخرّا من منع استخدام هذه العملات في المعاملات المالية قد ضرب مصداقية هذه العملات وتسبب في تراجع قيمتها بنسبة وصلت نحو 40 في المئة في بعض الحالات وهو ما يحيلنا على الكثير من المخاطر التي تحوم حول استخدامات هذه العملات”.

واستنكرت شخصيات سياسية غياب الإطار القانوني المنظّم للتعامل بالعملات الإلكترونية في ظلّ الإقبال الشبابي على التعامل بها، رافضة التتبعات الأمنية التي يتعرّض لها الشباب.

وأفاد هشام العجبوني نائب رئيس لجنة المالية والتخطيط والتنمية بالبرلمان “أنه يوجد فراغ تشريعي وقانوني بخصوص المسألة، وتفتقر البلاد إلى قانون ينظّم التعامل بالعملات الإلكترونية، ولا بدّ من تقديم مقترح قانون في الغرض”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “تم الترخيص للتعامل بهذه العملة في عهد حكومة يوسف الشاهد، وشخصيا أرسلت مراسلة لوزير المالية بخصوص تتبّع عدد من الشباب بعد رفض مطالبهم، وإلى حدّ الآن لم تُجبني الوزارة”.

وتساءل العجبوني “لماذا تم رفض مشاريع قدمها شباب تونسي؟”، وأضاف “المشكلة هو أن الإطار القانوني غائب والشباب الذي يتم توقيفه بتهمة تبييض الأموال بقطع النظر عن وجود الظاهرة عالميا، مجالات استعماله للعملة بسيطة، وعلى القاضي أن يقدّر ذلك”.

ويأتي هذا الزخم التكنولوجي في ظل تزايد الرهانات على العملات الرقمية التي صارت جزءا من صناعة جديدة سريعة التطور؛ لكنها تخضع لدرجة عالية من عدم اليقين. وبالنظر إلى محدودية نطاق استخدام العملات الرقمية في أسواق البيع بالتجزئة، أنشأت المنصات عبر الإنترنت أنشطة تجارية موجهة للمضاربين، الذين يتطلعون إلى الربح قصير المدى.

12