حالة يأس من جدوى الانتخابات تقرّب العراق من انتفاضة شعبية جديدة

خيار الشارع في مواجهة فوضى السلاح والإفلات من العقاب.
الثلاثاء 2021/05/25
المقتول يلاحق قاتله

الانتخابات البرلمانية المبكّرة التي أقرّت في العراق تحت ضغط الشارع لا تمثّل وسيلة مضمونة لإحداث التغيير الذي تتوق إليه شرائح واسعة من العراقيين، وذلك بسبب غياب المناخ الديمقراطي السليم بفعل سطوة السلاح المنفلت والمال السياسي المتأتي أغلبه من نهب مقدّرات الدولة ومواردها. ولذلك يظلّ الشارع خيارا مناسبا للقوى والفعاليات الشعبية اليائسة من التغيير عبر صناديق الاقتراع.

بغداد – لا يبدو العراق وهو يستعد لتنظيم انتخابات برلمانية بعد أقل من خمسة أشهر بصدد التقدّم نحو الاستقرار ومعالجة قضاياه المعقّدة وصراعاته الداخلية الحادّة سلميا وعن طريق الممارسة الديمقراطية، بقدر ما يبدو اللجوء مجدّدا إلى الشارع هو الخيار الأنسب للقوى الساعية للتغيير والإصلاح، في مواجهة خيار العنف الدموي الذي تلوّح به قوى مهيمنة على المشهد وساعية لمواصلة احتكارها لمقاليد السلطة حفاظا على مكاسبها السياسية والمادية الكبيرة.

وتشهد العاصمة العراقية بغداد بدءا من الثلاثاء انطلاق موجة جديدة من الاحتجاجات قرّرت فعاليات شبابية إطلاقها للتعبير عن الغضب من تواصل عمليات اغتيال النشطاء المعارضين على أيدي الميليشيات المسلّحة في ظل عجز السلطات عن توقيف القتلة وتقديمهم للقضاء.

ويترافق بروز خيار العودة إلى الشارع، مع تراجع واضح في اهتمام العديد من القوى السياسية الناشئة بالمشاركة في الانتخابات القادمة بدافع اليأس من إمكانية إحداث التغيير المنشود، حيث تتالى الإعلان عن مقاطعة الانتخابات على خلفية مناخ الخوف الذي أحدثته موجة الاغتيالات التي لم يحاسب حتى الآن أي من مرتكبيها.

لكنّ محللين سياسيين يشكّكون في أن تقف مقاطعة تلك القوى أمام إجراء الاقتراع نتيجة سيطرة الأحزاب التقليدية والميليشيات ذات الصلة بها على اللعبة السياسية من خلال الضغط وشراء الأصوات.

ويُعتبر فائق الشيخ علي النائب المستقيل أحد الدعاة البارزين لمقاطعة الانتخابات النيابية. وقد أعلن في تغريدة على تويتر انسحابه من الانتخابات داعيا “القوى المدنية وثوار تشرين إلى الانسحاب أيضا والاستعداد لإكمال الثورة في الشهور المقبلة ضد إيران وميليشياتها”، إذ لا خيار سوى “الإطاحة بنظام المجرمين”.

وجاء مثل هذه المواقف احتجاجا على اغتيال إيهاب الوزني منسق الاحتجاجات المناهضة للسلطة في كربلاء والذي كان لسنوات عدة ينبّه من هيمنة الفصائل المسلحة الموالية لإيران، والذي قتل قبل نحو أسبوعين على أيدي مسلّحين مجهولين وهو في طريقه إلى منزله في المدينة الواقعة جنوبي العراق.

وفي اليوم التالي لمقتل الوزني استهدف الصحافي أحمد الحسن في الديوانية بجنوب العراق بالرصاص، ليصاب في رأسه ولا يزال يتلقى العلاج في مستشفى ببغداد.

Thumbnail

ونهاية الأسبوع الماضي نجا عماد العقيلي الناشط البارز في احتجاجات مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق، من محاولة اغتيال بعبوة ناسفة.

ودعا حسين الغرابي مؤسس “الحركة الوطنية للبيت العراقي” أحد التيارات السياسية المنبثقة عن الحركة الاحتجاجية إلى مقاطعة الانتخابات. وأكّد لوكالة فرانس برس “قرّرنا تبنّي معارضة النظام السياسي وممانعة إجراء الانتخابات”، إلى حين معرفة “قتلة شهداء تشرين وبالأخص إيهاب الوزني”.

ودعا إلى حدّ الآن سبعة عشر تيارا ومنظمة منبثقة عن الحركة الاحتجاجية رسميا إلى مقاطعة الانتخابات المبكرة التي وعدت بها حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إثر توليه السلطة بعد أشهر من الاحتجاجات ضد الفساد والطبقة السياسية.

رائد فهمي: إغلاق أبواب الديمقراطية يؤدي إلى العنف

وأعلنت تلك التيارات في 17 مايو الجاري في بيان مشترك من كربلاء، رفضها “للسلطة القمعية” وعدم السماح “بإجراء انتخابات ما دام السلاح منفلتا والاغتيالات مستمرة”، والتي ينسبها ناشطون إلى ميليشيات شيعية وسط تعاظم نفوذ فصائل مسلحة تحظى بدعم إيران على المشهد السياسي.

وفي ظل دوامة الخوف هذه دعا ناشطون إلى تظاهرة في 25 مايو ببغداد للضغط على الحكومة لاستكمال التحقيق في عمليات القتل التي وعدت السلطة بمحاكمة مرتكبيها لكن الوعود لم تترجم إلى أفعال على أرض الواقع.

وأغرق نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي بالأسئلة عن قتلة زملائهم، مطلقين على تويتر وسم “من قتلني”. ونشروا أيضا على نطاق واسع صورة تضم مجموعة من أبرز الناشطين بينهم هشام الهاشمي وريهام يعقوب التي اغتيلت بالبصرة جنوبا.

وهؤلاء من بين أكثر من 70 ناشطا تعرضوا للقتل أو محاولة الاغتيال، فيما تعرض العشرات للخطف منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العام 2019.

ويدفع هذا المناخ المتوتر إلى التشكيك في شفافية الانتخابات التي كان يفترض أن تقام أصلا في يونيو القادم قبل أن تؤجل إلى العاشر من شهر أكتوبر المقبل.

ويعتبر المحلل السياسي علي البيدر أنه من الأفضل “تأجيل الانتخابات إلى حين توفير مناخ انتخابي آمن، فالأوضاع اليوم أشبه بالفوضى”.

ويرى أيضا أن تأثير مقاطعة الانتخابات قد يكون محدودا أصلا. ويوضح “ربما سيكون لتلك الخطوة تأثير إعلامي لأن الأحزاب الكبيرة تملك قوة ونفوذا كبيرين”.

وتدرك التيارات المنبثقة عن احتجاجات أكتوبر يقينا أنّ “الأحزاب التقليدية المدعومة من دول أجنبية، ولاسيما إيران، هي التي تسيطر على الدولة والسلطة والمال والسلاح”، كما أوضح المحلل إحسان الشمري الذي يعتبر أنّه “من الصعب جدا على القوى السياسية الصاعدة اختراق الساحة السياسية، ولهذا تفضّل الانسحاب ومقاطعة الاقتراع”.

وتنذر تلك الأوضاع بالخطر حسب رأي رئيس الحزب الشيوعي رائد فهمي الذي يعتبر أنّ “البلاد تمرّ بأزمة سياسية خطرة. فالسكان محبطون وإذا تم إغلاق أبواب الديمقراطية والانتخابات الحرة والشفافة فقد يؤدي ذلك إلى موجة جديدة من العنف”، بينما يرى جاسم الحلفي العضو في الحزب أن قرار مقاطعة الانتخابات يبقى “موقفا ينطلق من رفض الواقع الحالي لبيئة لا توفر عدالة وإنصافا ولا تضمن تكافؤ الفرص”.

3