الأمهات يعانين ولا يتحدثن عن الجانب القبيح للأمومة

حرص الأمهات على أسرهن مرتبط بدورهن الاجتماعي المحدد منذ الصغر.
الأحد 2021/04/25
حب الأم لأبنائها لا يحكى ولا يكتب

مهما اختلفت تجارب الأمومة باختلاف ظروف العيش والأطر المكانية والزمانية، فإن رغبة معظم النساء في الإنجاب تبقى ثابتة، وقد تجعلهم غريزة الأمومة يخفين ما يعانينه من تحديات وصعوبات ليظهرن على أنهن أمهات مثاليات.

لا تتقبل معظم النساء فكرة أن يكن متزوجات وليس لديهن أبناء، بسبب الصورة النمطية التي توحي بأن الحياة الأسرية لا تكتمل من دون وجود الأطفال، لكن أغلب من أصبحن أمهات يواجهن الكثير من المشاكل الصحية والنفسية اليومية جراء ضغوط الأمومة.

وبحثت عدة دراسات حديثة في الموضوعات المطروحة للنقاش بين الأمهات، فوجدت أن أكثر الأشياء غير المرغوب في التحدث عنها هي مشاكل الأمومة، فهي ما يتم تجنب الخوض فيه كثيرا مع الآخرين.

وفيما تتعامل البعض من النساء مع مشاكل الأمومة بمحاولة تهميشها، لأسباب شخصية أو دينية أو ثقافية، فإن البعض الآخر منهن يعملن على إقناع من حولهن على أنهن على ما يرام، ويتحدثن عن سعادتهن بالحمل وخصوصية لحظة الوضع ونمو الطفل، وهي بالتأكيد أمور صحيحة، لكن مشاكل رعاية الأطفال وقلة النوم وإهمال النفس، والضغوط النفسية التي يواجهنها من أجل أن يكن أمهات جيدات، لا تشعر الكثيرات بالراحة عند التحدث عنها مع غيرهن، لذلك يفضلن الصمت.

وفي الواقع، تعيش نسبة كبيرة من الأمهات “معاناة يومية” ليس فقط لأن حملهن لأجنة في أحشائهن، أمر مجهد ومزعج، ويستغرق وقتا طويلا، أو جراء حدة الألم الذي يعانينه أثناء فترة المخاض، بل لأن ظروف حياة الأم تتغير بشكل مفاجئ وكلي بعد الإنجاب.

تغير مفاجئ

مروة بن عرفي: الأم كائن يضحي من أجل إسعاد الآخرين ولا يطلب مقابلا

لا تنتهي المعاناة بمجرد خروج الأم من المستشفى وإنجابها طفلا بصحة جيدة، بل في تلك اللحظة يبدأ مشوار الأمومة الشاق والعمل المتواصل على رعاية الطفل والسهر عليه وقد يستمر هذا الأمر لأكثر من 20 عاما كاملة.

فعلى سبيل المثال، إذا ما تأخرت الأم في عملها خارج المنزل ولم تتمكن من إطعام أطفالها أو القيام بالمذاكرة لأبنائها، فإنه ينتابها شعور كبير بالذنب، وإذا ما قورنت مع زوجها فإنه قد لا يشغله أمر الطبخ، وقد يكون التأخير في العمل من الأمور المعتادة بالنسبة إليه، وفي بعض الأحيان لا يهتم بمسؤولية تربية الأبناء والإشراف على دراستهم التي توكل إلى الأم في الغالب.

وبسبب تحمل الأمهات العبء الأكبر في ما يتعلق بالقيام بالأنشطة المرتبطة برعاية الأطفال، فإنهن لا يحصلن على القدر الكافي من النوم، ويكن أكثر عرضة للإصابة بالقلق والأرق والاكتئاب، على عكس الآباء الذين لا تتأثر حياتهم بشكل كبير بسبب إنجاب الأطفال الذين تتولى مسؤولية تربيتهم ورعايتهم في الغالب الأمهات.

وكشفت دراسة أجرتها جامعة جورجيا الجنوبية أن “48 في المئة من الأمهات يحصلن على أقل من سبع ساعات من النوم، مقارنة مع 62 في المئة من النساء ليس لديهن أطفال”.

وقالت الباحثة كيلي سوليفان، أستاذة مساعدة في علم الأوبئة في كلية جيان بينغ هسو للصحة العامة “كل طفل في البيت زاد من احتمالات حرمان الأم من النوم بنسبة 50 في المئة”.

 وأضافت “أما بالنسبة إلى الرجال، فلقد قمنا بعمل التحليل نفسه، ولم يكن للأطفال تأثير على الإطلاق على عدم حصول الرجال على ما يكفيهم من النوم”.

ويمتد كابوس حرمان الأم من النوم لسنوات، وذلك لأن الطفل دوما ما يستيقظ ليلا لإصابته بالكوابيس بسبب نومه في حجرة مستقلة أو من أجل طلب المساعدة في دخول المرحاض، بينما يظل معدل خسارة الرجل من نومه ثابتا.

وعلقت الدكتورة ساكاري ليمولا التي أشرفت على إحدى الدراسات التي أجرتها جامعة وارويك البريطانية عن حرمان الأمهات من النوم بسبب رعاية أطفالهن بقولها “قبل إنجاب الأطفال، يكون المرء مسؤولا عن نفسه فقط ثم يصبح مسؤولا عن الطفل والأسرة، وعلى الرغم من أن إنجابهم يشكل مصدرا رئيسيا للفرح لمعظم الآباء، فقد يؤدي ذلك أيضا إلى جلب القلق والإجهاد والتوتر ما يزيد من صعوبة النوم ليلا”، مشيرة إلى أن الأم العاملة لديها المزيد من المسؤوليات والأعباء الأسرية مقارنة بالآباء.

ومع زيادة عدد الأطفال يقل عدد ساعات النوم لدى الأمهات إلى أدنى المستويات خاصة بعد الثلاثة أشهر الأولى من أعمار الأطفال.

ويؤدي الحرمان من النوم إلى الإنھاك الجسدي والتعب وضعف التركیز والصداع، بل وحتى الھلوسة، وتشیر الدراسات إلى أن نقص النوم المزمن مرتبط فعلا بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري والاكتئاب.

الضغوط الاجتماعية

Thumbnail

من جهة أخرى تواجه الأمهات كمّا من الضغوط الاجتماعية المسلطة عليهن، والتي تشعرهن بالإحباط وتأنيب الضمير عن فشلهن في القيام بدور “الأم المثالية”.

وقالت أم تونسية فضلت عدم ذكر اسمها إن “هناك أمورا شتى تحول حلم الإنجاب المرغوب فيه إلى شيء يشعر المرأة أحيانا بالإنهاك والضغط، فعندما كان أطفالي صغارا، كنت أضطر إلى السهر ليلا لرعايتهم وإيقاظهم من النوم أثناء النهار لإطعامهم وتحميمهم، وتغيير ملابسهم، إنها أعمال روتينية تستمر لسنوات”.

وأضافت “أعلم جيدا ما تشعر به الأمهات من معاناة وعن أسف الكثيرات منهن على إنجابهن أطفالا، مع ذلك فأنا أحب أولادي، وجميع أحفادي، وعلى استعداد لأقدم أي شيء من أجلهم”.

وقالت أم أخرى “إنجاب أطفالي منحني بعض السعادة في هذه الحياة، ولكن الكثير من الأمهات مثلي يرزحون تحت الضغوط لأن رغبتهن في أن يكن أمهات مثاليات لا يتناسب غالبا مع ظروف العمل خارجا، وهذا يتسبب لهن في إنهاك نفسي وجسدي كبيرين”.

تقييمات سلبية

وهناك أمثلة كثيرة عن أمهات يكافحن يوميا ليثبتن أنهن أمهات جيدات لكنهن يرفضن الحديث عن ثقل هذه المسؤوليات، لأنهن على ثقة بأن ذلك سيعرضهن لخطر الوقوع ضحايا لتقييمات سلبية تنطوي على الكثير من التمييز والإجحاف بحقهن.

وهذا يزيد من شعورهن بالذنب وعدم القدرة على السيطرة على الأفكار السلبية، فتكثر بداخلهن الوساوس والمخاوف ويتملكهن الشعور بالذنب، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى ضغط نفسي مزمن يقود إلى الاكتئاب.

ويعتبر الاعتراف بالحاجة إلى الدعم النفسي نقطة شائكة، بما أن معظم الأمهات لا يشعرن بالارتياح عند الحديث عن هذا الأمر نتيجة لمعتقدات لا تزال سائدة في عدة مجتمعات.

وشددت مروة بن عرفي، المختصة التونسية في علم النفس السريري على صحة مقولة إن “المرأة كائن يضحي من أجل إسعاد الآخرين”، منوهة إلى الدور الكبير الذي تقوم به في سبيل رعاية أسرتها والسهر على راحة جميع أفرادها.

وقالت بن عرفي لـ”العرب”، “الأمومة لقب وشرف تطمح إليه كل امرأة منذ سن البلوغ لكن بعد تجربة الأمومة، ترى المرأة الوجه الآخر للأمومة الذي يمكن اعتباره أحد الجوانب القاتمة بعد تجربة الإنجاب”.

قبل إنجاب الأطفال تكون المرأة مسؤولة عن نفسها فقط ثم تصبح مسؤولة عن أطفال وأسرة، ما قد يسبب لها القلق والإجهاد والتوتر

وأضافت “الكثير من التغيرات تطرأ على حياة المرأة بعد أن ترزق بالأطفال فتقلب نسق حياتها رأسا على عقب وتثقل كاهلها بالمسؤوليات الأسرية، وهي مسؤوليات تتصاعد وتتسع وتتعقد يوما بعد آخر”.

ولفتت بن عرفي إلى أن المرأة تواجه أثناء الحمل والرضاعة العديد من التغيرات الهرمونية التي قد تسبب لها القلق والعزلة وحتى الاكتئاب في بعض الأحيان ما يدفعها إلى التفكير في التخلص من ابنها لأنه قد سبب لها هذه التغيرات.

وأكدت أن نظرة المرأة لجسدها تتغير بشكل سلبي أيضا، بعد الولادة بسبب الزيادة في الوزن وآثار العملية القيصرية والرضاعة ما قد يفقدها الثقة في نفسها ويؤثر على علاقتها الحميمية مع زوجها.

وقالت بن عرفي إن “المرأة لا تتكلم عن هذا الجانب المسكوت عنه ولكنه يمثل مصدر ألم نفسي بالنسبة إليها”.

وحذرت المختصة التونسية في علم النفس الأمهات من البحث عن الكمال في كل شيء، مؤكدة على ضرورة الثقة بالنفس وعدم التأنيب المفرط للضمير لأن ذلك من شأنه أن يعرضهن إلى العديد من الأمراض الناتجة عن الإجهاد والقلق.

 وطالب بن عرفي بضرورة معالجة أسباب الإجهاد والضغوط النفسية التي تتعرض لها الكثير من الأمهات عن طريق توفير أسباب الراحة للمرأة، ومساندة ودعم الرجل لها في الأعمال المنزلية للتخفيف من عبء المسؤوليات الكثيرة التي تسبب لها الإجهاد.

21