الأزمة الصحية تسرع زخم فرض ضريبة على الثروات الكبرى

خطوة لدعم خزائن الدول وتقليص التفاوتات الاجتماعية الواسعة.
الثلاثاء 2021/04/20
الفقراء في دوامة الصعوبات

سرعت جائحة كورونا زخم التفكير في فرض ضريبة على الثروات الكبرى لدعم خزائن الدول المتضررة من فاتورة الوباء الباهظة وتقليص الفجوات الاجتماعية، حيث يجمع مانحون وخبراء على أن هذه الخطوة مهمة لتعبئة موارد للدول.

باريس - يقترح خبراء اقتصاديون بارزون ومؤسسات مثل صندوق النقد الدولي فرض ضريبة على الثروات الكبرى لدعم خزائن الدول والتقليص قليلا في التفاوتات الواسعة.

ويبدو أن هذا التوجه سيكون بطيئا بعد أربعة عقود من تضاؤل معدلات الضريبة على المداخيل العالية في كلّ القارات، فقد تراجعت في كوريا الجنوبية مثلا بنسبة قياسية بلغت 53 في المئة بين 1979 و2002.

ودعا الاقتصادي المتخصص في دراسة التفاوتات الاقتصادية توما بيكيتي عبر صحيفة “لوموند” منتصف أبريل إلى وضع “ضريبة عالمية بقيمة 2 في المئة على الثروات التي تتجاوز عشرة مليارات يورو”.

وأوضح بيكيتي في تصريحات صحافية أن هذه الضريبة ستجمع ألف مليار يورو سنويا.

ويعتبر الخبير أنها وسيلة لتخفيف التفاوتات بين دول شمال العالم وجنوبه لأنه “يمكن توزيع المبالغ على كلّ الدول بما يتناسب مع عدد سكانها”.

وتقدم الأستاذان في جامعة بيركلي بكاليفورنيا إيمانويل سايز وغابرييل زوكمان بمقترح آخر.

توما بيكيتي: وضع ضريبة على الثروات التي تتجاوز عشرة مليارات يورو

وكتبا في مقالة موجهة إلى الإدارة الأميركية الجديدة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” أنه “يجب عدم انتظار أن يبيع المليارديرات أسهمهم” لفرض ضرائب عليهم.

وقال الاقتصاديان إن أثرى 400 مواطن أميركي يملكون ثروة تساوي 18 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للولايات المتحدة، وقد تضاعفت ثروتهم منذ 2010، إلاّ أن أمثال جيف بيزوس صاحب شركة “أمازون” وإلون ماسك صاحب “تيسلا” ولاري بايج صاحب “غوغل” ومارك زوكربيرغ مدير “فيسبوك” يقدمون “مساهمة ضعيفة في ملء خزائن الدولة”.

ما سبب ذلك؟ يشرح الخبيران أنهم “ينظّمون مشاريعهم بطريقة تجعل دخلهم الخاضع للضريبة منخفضا”. هؤلاء مثلا لا يحصلون على مرتبات كبيرة ولا يبيعون أسهمهم حتى لا يضطروا إلى دفع ضرائب.

لمكافحة التهرّب الضريبي يقترح الاقتصاديان إخضاع “القيمة المضافة غير المحققة” لهؤلاء المليارديرات، وهم “أقل من ألف شخص”، على شكل ضريبة استثنائية من شأنها أن تجمع ألف مليار دولار.

من جهته يقدّر المتحدث باسم “أوكسفام فرنسا” كوينتين بارينيلو أن “فرض ضريبة استثنائية على من كوّنوا ثروات خلال الأزمة يبدو أمرا بديهيا الآن. بعيدا عن الانقسامات السياسية، هذا إجراء شعبيّ بصدد اكتساب زخم حول العالم”.

ويعتمد تقدير هذه المنظمة غير الحكومية على استطلاع رأي أجرته شركة “غلوكاليتيز” يظهر أن 63 في المئة من الفرنسيين يدعمون فرض ضريبة بقيمة 1 في المئة على المداخيل التي تتجاوز 8 مليارات يورو من أجل تمويل الانتعاش الاقتصادي.

وباستثناء الأرجنتين وبوليفيا اللتين فرضتا “ضريبة كوفيد” استثنائية على الثروات الكبرى، وهي رمزية في حالة لاباز، لم يتخذ سوى عدد قليل من الدول إجراء مماثلا حتى بصيغة ضريبة لمرة واحدة.

الموضوع ليس مطروحا للنقاش في أستراليا وألمانيا وبريطانيا، وإن كان 54 في المئة من البريطانيين يدعمون الفكرة وفق ما أظهر استطلاع حديث.

أما فرنسا التي ألغت العام 2018 الضريبة على الثروة بعد إقرارها العام 1989، فهي تستبعد أي زيادة في الضرائب. ورفض وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير فرض أي ضريبة استثنائية، وعلّل ذلك بأنه يوجد بالفعل تشديد ضريبي على المداخيل المرتفعة سارٍ منذ العام 2012.

وعلّق لومير على الفكرة ساخرا “نحن نحب المؤقت الذي يدوم”.

وفي تصريح لوكالة “بلومبيرغ” قال الخبير الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد أنغوس ديتون الذي يرأس لجنة خبراء حول التفاوتات في بريطانيا إن ضريبة كهذه “سيكون من الصعب اعتمادها” وسوف تقود إلى “تعزيز التهرّب الضريبي”.

ورغم ذلك يرغب الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن في زيارة الضريبة على الشركات إلى 28 في المئة لتمويل خطة إنعاش تبلغ قيمتها ألفي مليار دولار، ما يعكس وعيا بأن السباق نحو خفض الضرائب لم يعد قابلا للاستدامة لا على مستوى الموازنة ولا على الصعيد السياسي.

وصندوق النقد الدولي نفسه الذي لطالما دافع عن توجّه ليبرالي صار يرى السياق الحالي “فرصة لعكس” النزعة إلى تقلص الإيرادات الضريبية، وهو يوصي بفرض ضريبة مؤقتة على المداخيل المرتفعة.

ولا تفضّل إدارة بايدن هذا الخيار حاليا، لكن الارتفاع المتوقع في نسبة الفائدة في الولايات المتحدة سيعقّد حسابات الموازنة ويمكن أن تدفعها لإعادة النظر في المسألة.

خبراء في الاقتصاد وصندوق النقد الدولي يتقدمون بإقتراح يتضمن فرض ضريبة على الثروات الكبرى لدعم خزائن الدول والتقليص في التفاوتات

وتجمع تقارير دولية أن جائحة كورونا أججت اختلالات الأنظمة الاجتماعية وكشفت الفجوة بين الطبقات من خلال تكيفها مع الوباء، حيث كان الفقر والتفاوت في الرواتب وحتى الاختلاف العرقي ضربا من ضروب المأساة، جراء تشديد هذه الفوارق للمخاطر الاقتصادية.

وتقول الأبحاث إن الفجوة بين الأغنياء والفقراء صارت تعريفا للقرن الثاني قبل الميلاد، أي منذ فترة طويلة من تسليط فايروس كورونا المستجد الضوء على التفاوتات العرقية وكفاح العمال من ذوي الرواتب المنخفضة من أجل العيش.

وخلال الأزمة الصحية ظهرت مناطق فقيرة وخاصة بالأقليات وذات كثافات سكانية عالية كبؤر لتفشي الوباء، وعانت من تسجيل نسب غير متناسبة من الوفيات في الدول الأكثر تضررا والتي تتضمن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبرازيل.

وبينما كان الكثيرون من ميسوري الحال يعملون من المنزل أو يستمتعون بقضاء العطلات، استمر أفراد الأطقم الطبية وأطقم التمريض وغيرهم من العاملين الأساسيين في مختلف القطاعات، في المخاطرة بحياتهم في الخطوط الأمامية.

وتضرر العمال من ذوي الرواتب المنخفضة بشدة وعلى نحو غير متناسب من شطب الوظائف، وفي الولايات المتحدة وصلت البطالة إلى أعلى مستوياتها منذ فترة الكساد الكبير.

وارتفعت بالفعل أسعار الكثير من السلع إثر تفشي فايروس كورونا المستجد، إذ أشارت تقارير إلى أن عبوة كمامات الوجه تجاوزت قيمتها 100 دولار على مواقع التسوق الإلكتروني مثل “إيباي”.

10