تجارب صحافية رقمية لتغطية قصور الإعلام التقليدي في لبنان

انطلقت الكثير من التجارب الإعلامية الإلكترونية المستقلة في السنوات الأخيرة في لبنان، بهدف تقديم محتوى إعلامي بعيد عن التجاذبات السياسية في وسائل الإعلام التقليدية التابعة للأحزاب السياسية، لكن يبدو أن هذه التجارب ما تزال تفتقر إلى بعض العناصر على صعيد الشكل والمضمون لجذب الجمهور خصوصا أن غالبيته من الشباب.
بيروت – ظهر عدد كبير من المواقع الإلكترونية الإخبارية أنشأها صحافيون مستقلون وخريجون شباب، تعالج أوجه القصور العديدة القائمة في المشهد الإعلامي اللبناني التقليدي، لكن هذه المنصات الإلكترونية تواجه بدورها مشكلات عديدة وتحديات في جذب جمهور الشباب خصوصا.
واستفاد مؤسسو هذه المواقع من تكاليف التشغيل المنخفضة نسبيًا في لبنان من جهة، واتّساع نطاق وصول المنشورات عبر الإنترنت إلى عدد أكبر من القرّاء من جهة أخرى، خصوصا مع وجود الكثير من القيود على الصحافة والإنترنت في الجارة سوريا، ما يعني استقطاب جمهور واسع من البلدين.
وتقول الصحافية سارة عبدالله في تقرير على موقع شبكة الصحافيين الدوليين، أن الكثير من هذه التجارب الإعلاميّة تفتقر إلى العديد من العناصر الأساسية المرتبطة بالصحافة المستدامة، ومنها: ضمان الاستقلالية التحريريّة، والالتزام بالمعايير الأخلاقية للصحافة، التحقيق، التحليل والاستقصاء، التدقيق في الحقائق، توفير تجربة مبتكرة للمستخدم على صعيد الشكل والمظهر، واعتماد نماذج قائمة على الاستدامة المؤسسية، وفقًا لما ورد في دراسة لمؤسسة سمير قصير، بالتعاون مع مؤسسة فريدريش ناومان.
ورّغم حصول هذه المنصّات الإلكترونية على دعم كبير من العديد من المانحين الدوليين والمنظّمات المعنيّة بتطوير وسائل الإعلام، إلّا أن القيود الديموغرافية والمؤسسية لا تزال تُعيق هذه المنصّات عن تحقيق أهدافها والاستفادة من كامل إمكاناتها.
وعلى سبيل المثال، ثمة افتراض بأن محتوى وسائل الإعلام الإلكترونية المستقلّة يتم استهلاكه فقط من قبل شرائح محدودة من الجمهور، وهي الفئة الشابّة من الطبقة المتوسّطة والعليا، وذلك وسط التحوّلات القائمة على صعيد كيفية تلقّي القراء والمشاهدين الشباب للمعلومات المطلوبة وتتبّعهم لها، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.
لذلك أصبح من الضروري توجّه هذه الوسائل نحو اعتماد التأثيرات البصرية والمتحرّكة لعرض الحقائق والآراء بهدف جذب انتباه هذه الفئة.
الكثير من التجارب الإعلاميّة الجديدة تفتقر إلى عناصر الصحافة المستدامة مثل ضمان الاستقلالية التحريريّة
وتعمّقت الدراسة في تحليل منظور الشباب وطلّاب الجامعات إزاء مصادر المعلومات المختلفة، سعيًا إلى فهم تداعيات الأحداث والتصدّعات السياسية الكبرى التي شهدها لبنان منذ عام 2019، ومن أبرزها الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في 17 أكتوبر 2019، وجائحة فايروس كورونا وانفجار بيروت في 4 أغسطس 2020.
وخلصت إلى وجود نسبة مرتفعة من استهلاك الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويبدو أنّ معدّل استخدام إنستغرام وتويتر تجاوز معدّل استخدام فيسبوك.
وذكر المشاركون من مختلف المناطق والخلفيات ارتباط المنصات الإعلامية الرسمية بالأحزاب الطائفية، مشيرين إلى أنّ هذا العامل يمثّل عقبة تمنع إنتاج مخرجات جديرة بالثقة والتصديق، ومع ذلك لا يزال جزء كبير من المشاركين يعتمد على وسائل الإعلام الرئيسية للحصول على الأخبار الفوريّة، وذلك بسبب العلاقة الوثيقة والمقربة بين تلك الوسائل والسلطات الحاكمة.
وبالرغم من ذلك، شدّد معظم المشاركين على الحاجة إلى التحقق من صحة المصادر الرسمية بطرق عدّة، وذكروا مرات كثيرة أنّهم يلجأون إلى إجراء مقارنات بين وسائل الإعلام المختلفة لبناء الرواية الفعلية حول الحدث وكيف يجب فهمه وتحليله. كما أقرّوا أنّ تلك المقارنات ضاعفت أيضًا من قدرتهم على تحديد الانتماءات السياسية لوسائل الإعلام ووجهات نظرها التحريرية.
وبدا أنّ معظم الطلاب قد بقوا على علاقة وثيقة ومتينة مع وسائل الإعلام المستقلّة، حيث قال أحدهم “بينما أستعين بالوكالة الوطنية للإعلام – أي الوكالة الرسمية التابعة للدولة اللبنانية – كمصدر موثوق به للأحداث الفورية، يمكن العثور على تغطيات تحليلية مماثلة على بعض الصفحات مثل ميغافون والمفكرة القانونية فإنّهما تتبعان روايات موثوق بها”.
وبقي التلفزيون مصدرًا مهمًا للأخبار بالنسبة إلى أقليّة ملحوظة من المشاركين. فيما مال الطلاب الناطقون بالفرنسية أكثر إلى مشاهدة التلفزيون مقارنةً بالطلاب الناطقين باللغة الإنجليزية، حيث اعتمد هؤلاء بشكل حصريّ على مصادر بديلة.
وقالت الدراسة إنّ الثقة بالتحليلات التي تنشرها وسائل الإعلام المستقلة تنبع من أرضية أخلاقية معيارية مشتركة بين القراء. وتشمل عوامل الثقة مستوى التناسق والاحتراف في جودة التصميم والكتابة، إلى جانب مدى الاستشهاد بمراجع أصلية ومباشرة على أرض الواقع. واعتُبر هذا العامل مهمًا بشكل خاص للشباب المقيمين خارج بيروت لاسيما بسبب اعتمادهم على تلك المصادر ذات الصلة بمنطقتهم السكنية.

وأكد المشاركون من جميع الجامعات والمناطق، على فائدة العروض المرئية لاسيما من ناحية المحتوى السمعي والبصري المتحرك في الأخبار والتعليقات. وتجلّى ذلك في المقام الأول برغبة المستخدمين في مشاركة مقاطع الفيديو الإخبارية القصيرة بدلًا من مقالات يهيمن عليها الطابع النصّي.
وركزوا على عدد من العوامل كمستوى وضوح الصفحة الرئيسية وخيار الخط واللون والتناسق. وسلّطوا الضوء بشكل مباشر على أهمية هذه العوامل في الإشارة إلى مدى تكرار زياراتهم إلى المواقع الإخبارية.
وتباينت الآراء حول أهمية الصورة المرئية في البث الصوتي أو البودكاست، فقد اعتقد بعض الطلاب الناطقين بالفرنسية بشكل عام أنّ غياب المرئيات يجعل من البث الصوتي أداة تواصل ضعيفة نسبيًا، ومن ناحية أخرى اتجه الطلاب الناطقون بالإنجليزية نحو التأكيد على أهمية البودكاست بشرط استضافة شخصيات شعبية ومؤثرة.
وفضّل الطلاب والشباب أن يقرأوا ويشاركوا المواضيع التي تثير اهتمامهم والتي يملكون بعض المعلومات عنها ممّا يظهر اهتمامًا ضئيلًا أو معدومًا بالرغبة في تعلم موضوع جديد لم يعتادوا عليه مسبقًا. ولاحظ الباحثون ميولًا عاما لقراءة المواضيع الاجتماعية ومتابعتها بدلًا من المواضيع التقنية أو المتخصصة.
ووجد الباحثون أنّه من الضروري أن تهدف المنصات الإعلامية إلى إزالة الغموض عن المحتوى التقني والمتخصص من أجل تقديم معلومات سهلة ومتاحة للجميع. ومن الأفضل أن تدمج الوسائل الإعلامية لغتين على الأقل في منشوراتها لاسيما وأنّ عددًا كبيرًا من الشباب في لبنان يتكلّمون لغتين أو أكثر.
وخلصوا إلى أنّ أحد المعايير المهمة بالنسبة إلى الشباب هي العروض المرئية للمحتويات النصية، ولذا فإنّ استخدام الصور والنصوص البسيطة والمراجع الصوتية يعدّ أمرًا بالغ الأهمية.
كما أوصى الباحثون وسائل الإعلام المستقلّة أن تتّبع استراتيجية معينة لخلق توازن بين المواضيع المحلية والأجنبية التي تنشرها، وأن تنغمس في مشاريع لبناء المجتمع بالتزامن مع المنظمات غير الحكومية والجماعات الحقوقية المحلية وقد يسهّل هذا التعاون العلاقات والمفاهيم ووجهات النظر العالمية والتركيز القائم على المواطن لدى تلك المنصات الإعلامية.