الحكومة العراقية تستبق انهيارا جديدا للوضع الأمني في الموصل

رئيس الحكومة يستخدم قوّته الأمنية الموسّعة وعلاقاته المتينة داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية للجم الصراعات على نينوى وتجنب خروج المحافظة عن سيطرة الدولة.
الخميس 2021/04/01
"تحرير" الموصل تحوّل إلى استباحة لها

محافظة نينوى بأهمية موقعها في شمال العراق وثقلها السكاني وتنوّع ثوراتها أصبحت موضعا لتقاطع مصالح العديد من القوى المحلّية والأجنبية. وتحوّلت نتيجة لذلك إلى مدار لصراعات شرسة تهدّد استقرارها الهش. وهذا الأمر يحتّم على حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الإسراع بتدارك الوضع قبل أن تفقد الدولة زمام السيطرة على الوضع في المحافظة ويؤول الأمر إلى وضع شبيه بذلك الذي سبق احتلال تنظيم داعش للموصل أواسط سنة 2014.

بغداد- سلّطت عملية استبدال القيادة العسكرية في محافظة نينوى في شمال العراق الضوء مجدّدا على مدى حساسية الوضع في المحافظة واشتداد الصراعات داخلها وتعدّد الأطراف المنخرطة في تلك الصراعات، سعيا وراء مكاسب مادية توفّرها المحافظة بفعل ثقلها السكاني وتنوّع ثرواتها، وتحقيقا لأهداف سياسية وأمنية أبعد مدى تتجاوز العراق بحدّ ذاته إلى القوى المتصارعة على النفوذ داخله.

وأعلن الأربعاء عن قرار القيادة العامّة للقوات المسلّحة العراقية إقالة قائد العمليات في نينوى اللّواء الركن إسماعيل المحلاوي وتعيين اللواء الركن محمود الفلاحي بديلا عنه.

ولم يفض حسم الحرب العسكرية ضدّ تنظيم داعش، والتي دارت أكثر حلقاتها دموية في مناطق نينوى وداخل مركزها مدينة الموصل، إلى مرحلة جديدة من الاستقرار في المحافظة بقدر ما أوجد وصفة للصراع قابلة للانفجار في أيّ لحظة.

وبينما يواصل التنظيم المتشدّد تربصه بنينوى، التي تمثّل أجزاؤها الغربية منطقة ربط بين الأراضي العراقية والسورية متّخذا من بعض مناطقها الوعرة ملاذا لفلوله من الحملات الأمنية للقوات العراقية، تتشبّث الميليشيات الشيعية التي شاركت بفعالية في الحرب ضدّ التنظيم بين سنتي 2014 و2017 بالمناطق التي دخلتها أثناء الحرب بما في ذلك أجزاء من الموصل محوّلة اهتمامها نحو أنشطة “تجارية” ومالية وعمليات نهب واستيلاء على الممتلكات وجبي للضرائب باستخدام السلاح.

أطراف متصارعة في نينوى

● ميليشيات الحشد الشعبي ومن خلْفها إيران.

● العشائر المحلية الغاضبة من تصرّفات الميليشيات.

● تركيا الطامعة في أجزاء من المحافظة والمتذرعة بوجود عناصر حزب العمال في بعض مناطقها.

● أكراد العراق الذين يطالبون بحقوق تاريخية لهم في نينوى ويعتبرونها غلافا أمنيا لإقليمهم.

● تنظيم داعش الذي تتخذ فلوله من مناطق المحافظة ملاذا لها.

ويثير ذلك الوضع غضب العشائر المحلّية التي لا تنقطع عن مطالبة الحكومة بكف يد الميليشيات ملوّحة باللّجوء إلى السلاح في حال عجزت الدولة عن ذلك.

وما يزيد الوضع حساسية في نينوى دخول قوى أجنبية على خط الصراع في المحافظة. فبينما تدعم إيران الميليشيات الشيعية وتشجّعها على التشبّث بمواقعها هناك لتضمن عن طريقها موطئ قدم في شمال العراق وغربه، تتذرّع تركيا بوجود عناصر حزب العمال الكردستاني في بعض مناطق المحافظة للتدخّل عسكريا على أرضها وتركيز قواعد عسكرية متقدّمة لها هناك.

وتحتفظ تركيا حاليا بقاعدة عسكرية صغيرة أقامتها من دون تنسيق مع السلطات العراقية في منطقة بعشيقة شرقي الموصل، في وقت يهدّد فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتحويل العمليات العسكرية الخاطفة التي ينفّذها الجيش التركي في قضاء سنجار غربي الموصل إلى غزو أوسع نطاقا بذريعة اقتلاع حزب العمال من القضاء.

أما أكراد العراق فيأخُذُون من الصراعات حول نينوى بطرف حيث يعتبرون أنّ لهم حقوقا تاريخية في أجزاء من المحافظة التي يعتبرونها أيضا غلافا أمنيا لإقليمهم ويتوجّسون من وقوع مناطق منها تحت سيطرة الميليشيات الشيعية التي تبدي عداء صريحا للإقليم ولا تتوانى في رشقه بالصواريخ بين حين وآخر.

وفي ظلّ مختلف تلك الصراعات تحاول الحكومة العراقية الإمساك بالوضع في نينوى تفاديا لحالة انهيار وارتخاء قبضة الدولة على غرار تلك التي حدثت سنة 2014 وفتحت الباب لداعش لاحتلال الموصل واتخاذها مركزا ومنطلقا لاحتلال مناطق شاسعة من العراق.

ويستخدم الكاظمي في محاولة لجم الصراعات على نينوى نقطة قوّته الأساسية المتمثّلة في درايته الموسّعة بالشأن الأمني وعلاقاته المتينة داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية التي يثق في عدد من قياداتها.

وتوصف التغييرات التي أحدثها رئيس الوزراء على رأس عدد من الأجهزة الأمنية بأنّها عملية “تطهير” لتلك الأجهزة من القيادات ذات الولاءات الحزبية وحتى الخارجية.

ولا يبدو تعيين الفلاحي بديلا عن المحلاوي على رأس قيادة عمليات نينوى منفصلا عن عملية التطهير تلك، حيث يُعرف الأولّ بخلافاته الحادّة مع الميليشيات الشيعية التي سبق لها أن اتهمته بالتخابر مع الخارج ونجحت في إقالته من منصب قائد عمليات الأنبار وإحالته إلى منصب شكلي في وزارة الدفاع، بينما يتّهم الثاني بالتساهل مع الميليشيات وإطلاق يدها في نينوى ما رفع من منسوب التوتّر بين سكّانها ودفع عشائرها إلى التململ والتلويح بالثورة والعصيان.

ولم يمض على تولّي المحلاوي منصب قائد عمليات نينوى أكثر من ثمانية أشهر. ورجّح مصدر أمني نقلت عنه وكالة الأناضول أنّ إقالته جاءت بسبب “عدم إدارته للأوضاع الأمنية في المحافظة بالشكل المطلوب “.

وأوضح ذات المصدر أنّ “نينوى شهدت خلال الأشهر الماضية خروقات أمنية منها عودة نشاط مسلحي تنظيم داعش وعدم ضبط الوضع الأمني في قضاء سنجار إلى جانب عدم السيطرة التامة على حركة بعض فصائل الحشد الشعبي المنتشرة في المحافظة”.

القيادة العامّة للقوات المسلّحة العراقية تقيل قائد العمليات في نينوى اللّواء الركن إسماعيل المحلاوي وتعيين اللواء الركن محمود الفلاحي بديلا عنه

وخلال الشهور الأخيرة زادت وتيرة هجمات فلول داعش، لاسيما في المنطقة بين محافظات كركوك وصلاح وديالى المعروفة باسم مثلث الموت.

واستشعارا لخطورة الوضع في نينوى نفّذت القوات العراقية مؤخّرا عملية عسكرية واسعة النطاق في منطقة جبال مخمور الوعرة جنوب شرق مدينة الموصل تحت مسمّى “الأسد المتأهب” أفضت بحسب اللواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة إلى مقتل العشرات من عناصر داعش وأسر البعض الآخر، من بينهم قياديون في التنظيم.

3