الدكاكين والعيادات المتنقلة تتزايد لدعم المصريين

انتشرت الخدمات التي تقدم في مصر من خلال السيارات المتنقلة، فلم تقتصر على بيع الأغذية، بل شملت خدمات صحية وإرشادات للمواطنين. ودخل على خطها الجيش والشرطة وأحزاب سياسية لتثير الجدل بين من يعتبرونها وسائل لتخفيف الأعباء عن المواطنين، ومن يرونها وسيلة لتحسين صورة الحكومة.
قطعت السيدة الخمسينية عبير محمود عدة كيلومترات من مقر إقامتها في منطقة الأهرامات إلى ميدان الجيزة غرب القاهرة، حيث تتراص عدة سيارات تابعة للجيش ووزارة الداخلية، تبيع سلعا مدعمة للمواطنين.
تقول السيدة فيما تترك بمنزلها 6 أفواه أخرى، بينهم زوج يعالج من السرطان، إنها بفضل تلك السيارات التي تقدم بضاعتها بأسعار مخفضة بنسبة تصل إلى 50 في المئة من أسعار السوق لسلع مثل اللحوم والأسماك المجمدة والدجاج، وقد كانت لا تستطيع أن تُدخل تلك اللحوم إلى منزلها.
تشعر عبير بالامتنان إلى الجهات التي تقدم تلك السلع المدعومة، ولا يهمها لمن تتبع، فهي تراها منحة ودعما من الحكومة.

السلع والخدمات المقدمة نجحت في ترك انطباع إيجابي لدى المستفيدين، غير أنها تخفق في أحيان أخرى
وتضيف متحسسة كلماتها كي لا تصيب أي رأي سياسي، أنها “لا تتحدث في السياسة ولا تفهم فيها”، لكنها تشعر ببعض الأسى صوب بعض الموظفين الذين حرموها من معاش تكافلي، فيما هي العائل الوحيد لأسرتها، وتريد الحصول عليه أسوة بأخريات كثيرات.
بخلاف الطعام الذي قد تكون تلك الخدمات المتنقلة ساعدتها في الحصول عليه بأسعار في متناولها، فإن السيدة تتحمل مسؤولية مصاريف مدارس أبنائها، وسداد إيجار المنزل، بينما تعمل عاملة نظافة، أي ضمن فئة العمالة غير المنتظمة، علما بأنها تحمل شهادة دبلوم تجارة، وهي شهادة متوسطة.
حال أسرة عبير ليس مختلفا عن حال أسر عديدة تنتمي إلى نفس الشريحة الاجتماعية، فقد وجهت تلك الخدمات المتنقلة مستهدفة بالأساس محدودي الدخل، للقيام بدور كانت تقوم به قديما جمعيات استهلاكية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي.
لا تحمل المركبات الثابتة والمتنقلة لافتات تفيد أنها مخصصة لفئات معينة، غير أن الصورة الذهنية عنها لدى الكثيرين هي أن السلع التي تقدم من أي جمعية استهلاكية قديما أو حديثا أقل في جودتها مما يقدم على ظهر السيارات الجديدة، خصوصا اللحوم، لذا فعادة لا يقبل على شرائها سوى من هم في حالة عبير، ممن لا تعدّ الجودة عندهم أو المذاق شيئا يمكن التدقيق فيه أو الوقوف عنده، في ظل ارتفاع أسعار السلع أو الخدمات، كالنقل والصحة.
خلف سيارة “أمان” التابعة لوزارة الداخلية، تقف سيارات “تحيا مصر” التابعة للقوات المسلحة، و”100 مليون صحة” و”حلّل واطّمن” التابعة لوزارة الصحة، وتلك ما قصدتها سيدة خمسينية فضلت عدم ذكر اسمها، وهي تعمل مدرسة لغة عربية، أي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة.

السيارات المتنقلة تقدم الخدمة إلى الجماهير في الميادين العامة، وبدأ تقديمها منذ حوالي خمسة أعوام
تقول المدرسة لـ”العرب”، إنها تستهلك تلك السلع باستمرار لكنها ضمن خطة معينة، حيث تستخدم اللحوم المجمدة لوجبات معينة، مع شراء اللحوم الطازجة من الجزار لإعدادها ضمن وجبات أخرى، “ميزانية المنزل لن تسير دون ذلك”.
وسدّ التردد على الفحوصات عبر العيادات المتنقلة فجوة لدى أسرتها، خاصة أنها تقدم خدماتها الصحية بصورة مجانية.
على الرغم من الخدمة التي تقدمها تلك المنافذ المتنقلة للبعض، فإنها بحسب مراقبين لا تخلو من الشبهات السياسية، فهناك من يربطون بين خدماتها وبين الرغبة في تحسين صورة الحكومة، من وزارات ليس ضمن اختصاصاتها المباشرة تقديم الخدمات المدعومة للمواطنين، وهو الدور المنوط بوزارة التضامن، أو لأحزاب سياسية أضحت فاعلا رئيسيا في تقديم تلك الخدمات، مثل حزب “مستقبل وطن” الموالي للحكومة، والذي فُهم تقديمه للدعم على أنه “رشوة سياسية” مرتبطة بموسم الانتخابات.
نجحت السلع والخدمات المقدمة في ترك انطباع إيجابي لدى المستفيدين، غير أنها تخفق في أحيان أخرى، مثلا أستاذة اللغة العربية التي شكرت منتجات “تحيا مصر”، وشككت في منتجات “أمان” التي تقدمها الشرطة.
وقالت المعلمة، “جربتها في البداية، لكنها لم ترُق لي، ووزنها لم يكن مضبوطا، وتركت عندي انطباعا سلبيا”، ورغم أن المنافسة لم ترد بذهن من يحركون المركبات، إلا أن انطباع المدرسة هو نفسه عند البعض الآخر من المواطنين.

السيارات المتنقلة تقدم الخدمة إلى الجماهير في الميادين العامة، وبدأ تقديمها منذ حوالي خمسة أعوام
مصطفى حسين، وهو أحد بائعي شركة “أمان” يقف أمام السلع التي تكشف عنها السيارة المتنقلة، شدد على أن الميزان مضبوط، وحين سأله أحد المواطنين عن سعر اللحم المجمد، أجابه أنه بـ50 جنيها (أقل من 4 دولارات) ووزنه كيلوغرام إلا 100 غرام تقريبا.
وأشار البائع الشاب لـ”العرب” إلى أن السيارات المتنقلة تقدم الخدمة إلى الجماهير في الميادين العامة، وبدأ تقديمها منذ حوالي خمسة أعوام، ومع الإقبال الجماهيري عليها تزايد عددها.
على خلاف ما يعتبره مصطفى انتصارا، فإن البعض يراه مؤشرا على رجة اقتصادية أصابت بعض الطبقات، لظروف جائحة كورونا أو أوضاع الاقتصاد على نحو عام.
وضمن الجدل أيضا، يربط البعض بين شراء الرضا الجماهيري بالسلع المدعومة وبين نهج سابق سيء السمعة تغلغلت فيه جماعة الإخوان بين المصريين، وكونت جزءا من قواعدها والمتعاطفين معها عبره، حيث اشتهرت الجماعة بتقديم السلع، مثل الزيت والسكر خلال مواسم الانتخابات لكسب الولاء.
تساءلت إحدى الناشطات في المجتمع المدني، عن الفارق بين أسلوب الإخوان وأسلوب بعض الجهات الرسمية حاليا، خاصة الأحزاب السياسية التي ارتبطت صورتها بالحاويات الكرتونية خلال انتخابات ماضية.
وأكدت لـ”العرب”، “التخصص يحتم عدم التداخل بين الجهات، ومن يجب أن يقوم بذلك الدور الداعم في الحكومة وزارة التضامن الاجتماعي التي أغلقت الكثير من منافذها، ومنها منفذ قريب من منزلي في ضاحية السيدة، لصالح بروز منافذ لجهات أخرى، تابعة للجيش والشرطة”.
ولا تعد الدكاكين المتنقلة الظاهرة الوحيدة، بل سيارات الجيش والشرطة تعدّ المبادرة الجديدة بالمقارنة بالخدمات التي تقدمها وزارة الصحة منذ عقود طويلة، في القرى البعيدة التي لا تحتوي على مستشفيات أو عيادات، فتنظم الوزارة قوافل طبية فيها.
البعض يربط بين شراء رضا الجماهير بالسلع المدعمة وبين نهج تغلغل به الإخوان بين المصريين
وخلال فترات اللقاحات والتطعيمات الموسمية، كانت تنتشر سيارات الصحة المتنقلة في أرجاء مصر، ويعمل أفرادها كخلية نحل لاستقبال الأطفال وتطعيمهم، لكن أخيرا باتت تلك الخدمات تتسع وترتبط دائما في تقديمها بتنفيذ توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، أو تلتحق بزيارة له إلى منطقة عشوائية ما، ما يجعلها في نظر البعض لا تخلو من أدوار سياسية، على الرغم من أهميتها على المستوى الصحي، فقد تمكنت مركبات “100 مليون صحة” من توفير العلاجات للكثير من المصابين بأمراض مبكرا، وأسهمت في القضاء على أحد أشهر الأمراض المزمنة، وهو فايروس “سي”.
وأعلنت وزارة الصحة عن تنظيم قافلة صحية إلى عزبة الهجانة في وقت سابق، وهي إحدى المناطق العشوائية التي يشملها التطوير في مصر، وضمت القافلة 17 عيادة متنقلة، واستمرت لمدة 3 أيام، وقدمت الخدمة بالمجان إلى الجماهير.
ولا تضم عزبة الهجانة مستشفيات حكومية شاملة، لذا فإن وجود تلك القافلة مثّل انفراجة لقاطني المنطقة، غير أن قدومها بعد أيام من زيارة تفقدية للرئيس السيسي حمل إشارات سلبية لدى البعض من أن الخدمات الحكومية لا تقدم إلا في سياق معين، مع أنها موجودة في أماكن أخرى دون سياقات سياسية محددة.
ودخلت الخدمات المتنقلة ضمن خطة وزارة الصحة لمواجهة تفشي جائحة كورونا. وقالت وزيرة الصحة هالة زايد، قبل أيام، إن الوزارة اتجهت إلى زيادة وتيرة العمل في “المبادرة الرئاسية” لمتابعة حالات العزل المنزلي.
بعيدا عن الجدل الدائر حول تلك الظاهرة وتوظيفها، فإنها تظل وسيلة سهلة في الوصول إلى بؤر مستهدفة في أسرع وقت وأقل تكلفة، وهي أمور مهمة بالنسبة إلى مجتمع آخذ في الزيادة، فيما كانت تعاني بنيته الصحية والتعليمية والخدمية من قصور واضح.