هل ينقذ التعديل الوزاري المرتقب شعبية أردوغان المتآكلة

فرضت أزمة تراجع الليرة المتواصلة أمام الدولار على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خيار إجراء تعديل وزاري عاجل رفضه في وقت سابق بعد إقالة صهره وزير المالية بيرات البيرق. وفي وقت سيكون فيه المؤشر الاقتصادي حاسما في نتائج انتخابات 2023 يبحث أردوغان عن وصفة ترمم شعبيته المتراجعة.
إسطنبول- يعتزم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إجراء تعديل وزاري على الإدارة التي تشكلت عام 2018، بعد أدائه اليمين الدستورية رئيسا بسلطات تنفيذية واسعة، يسعى من خلاله وفق ما هو معلن إلى تحفيز الوضع الاقتصادي المتراجع، إلا أن مراقبين يعتبرون الخطوة انتخابية بالأساس بعد تراجع شعبيته على وقع هزات اقتصادية متتالية غذّتها أجنداته الخارجية.
ونقل تلفزيون “أن.تي.في” عن ماهر أونال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا قوله الثلاثاء، إن أردوغان سيجري تعديلا وزاريا خلال الأيام القليلة المقبلة بعد تكهنات إعلامية في الفترة الأخيرة عن الخطوة تلك.
وقال أونال ردا على سؤال عن التعديل الوزاري “عندما يبدأ الحديث عن التغيير، وحتما عندما يتغير جزء تكون هناك حركة في النظام بأكمله”. ولمح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 2023. وأضاف “بالنظر إلى 2023، سيكون هناك تعديل جديد في الفريق وليس في الحزب فقط. سنرى ذلك في الأيام القليلة المقبلة”.

ماهر أونال: بالنظر إلى 2023، سيكون هناك تعديل جديد في الفريق
وجاءت تصريحات أونال وسط أزمة في أسواق المال بعد أن عزل أردوغان محافظ البنك المركزي ناجي إقبال السبت، بعد يومين من رفعه أسعار الفائدة لاحتواء التضخم. وعين أردوغان منتقدا لتشديد السياسة النقدية بدلا منه وهو شهاب كافجي أوغلو.
وكافجي أوغلو عضو غير معروف في حزب العدالة والتنمية، وهو ما دفع بمراقبين إلى القول بأن أردوغان لم يتعض بعد من تعيين غير الأكفاء في المناصب الحساسة، مذكرين بفشل خطط صهره وزير المالية السابق بيرات البيرق في تعافي الاقتصاد التركي. وراهن أردوغان على البيرق لتحفيز الاقتصاد المتراجع، إلا أن فشل خيارات الأخير دفعت بأردوغان في نهاية المطاف إلى إقالته.
وأدت إقالة الرئيس التركي لإقبال إلى إضعاف الآمال في إجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية، لأنه يمثل خروجا عن التفكير الاقتصادي التقليدي الذي كان يعارض بشدة رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، فيما يصر أردوغان على أن أسعار الفائدة المرتفعة هي سبب التضخم وليس العكس وهو رأي غالبية الاقتصاديين على مستوى العالم.
وفي مذكرة بحثية نشرتها “مجموعة أوراسيا الاستشارية” للمخاطر الجيوسياسية، تم التحذير من أن تعيين كافجي كان علامة تنذر بالسوء على عملية صنع سياسات أكثر فوضوية. وتؤكد مجموعة أوراسيا أن هذا لن يخفف الألم في الاقتصاد التركي.
وجاء في المذكرة “إن إقالة أردوغان المفاجئة لمحافظ البنك المركزي ناجي إقبال تمثل عودة إلى السياسات غير التقليدية، التي ستغذي الشكوك وتدمر ثقة المستثمرين وتؤدي في النهاية إلى فرض ضوابط على رأس المال”.
ولا يزال من السابق لأوانه أن نرى كيف ردت الأسواق على إقالة إقبال، لكن الليرة التركية كان يتم تداولها بالفعل بسعر 8.3575 للدولار عندما بدأت الأسواق في آسيا الافتتاح الاثنين. ويمثل هذا انخفاضا في قيمة العملة يقترب من 13 في المئة، ضمن النطاق الذي يتوقعه المحللون ردا على قرار أردوغان.
ويبدو أن الرئيس التركي يحاول التخفيف من الضغوط الداخلية التي تمارس عليه، عبر لفت الانتباه والهروب إلى الأمام بالقيام بتغيرات في الحكومة، خاصة وأن ملف أزمة الليرة أصبح الشغل الشاغل للأتراك الذين يشعرون بحجم التداعيات السلبية لسياساته الخاطئة على الوضع المالي والاقتصادي.
ويشير مراقبون إلى أن ما تعيشه تركيا من أزمة مالية مرده دور سياسات أردوغان في عزل تركيا وإحداث مشكلات مع قوى كانت شريكة فعالة للاقتصاد التركي على غرار الاتحاد الأوروبي والدول الخليجية وكذلك الولايات المتحدة، فيما عمقت أزمة كورونا من مشكلات الاقتصاد التركي المتعثر أصلا والذي يشهد أزمات بنيوية متعددة.
وأدى ارتفاع نسبة التضخم في تركيا في السنوات الأخيرة بموازاة تراجع قيمة الليرة التركية إلى تدني شعبية أردوغان، حيث بلغت نسبة التضخم في فبراير 15.6 في المئة بمعدل سنوي.
ويشير محللون اقتصاديون إلى أن التعديلات المرتقبة على الكابينة الحكومية للتحكم في نسبة التضخم إجراء قد يساهم على المدى المنظور في ارتفاع نسبة الليرة، إلا أن تأثيراته على المدى المتوسط والبعيد ستكون كارثية.
وقد تساعد الانتعاشة النسبية لقيمة الليرة أردوغان في ترميم شعبيته المتآكلة والبلاد تستعد لانتخابات رئاسية وبرلمانية في 2023 ستكون المؤشرات الاقتصادية أهم محدد لنتائجها.
ويدرك أردوغان أن تركيا تعاني من مشكلات اقتصادية ومشكلة سيادة القانون خطيرة وتحتاج إلى معالجة، لكنه في الوقت نفسه يشعر بالقلق أيضا بشأن البقاء في السلطة.
ومع العجز عن توفير الوظائف وتهديد الأحزاب السياسية المعارضة وحتى الناشئة حديثا لقاعدة أردوغان وطموحاته ومع التورط في العديد من الصراعات من سوريا إلى ليبيا إلى العراق والأزمة التي لا تزال جاثمة مع واشنطن، يبدو أنّه ليست لدى أردوغان خيارات جيدة سوى التخفيف من الألم الاقتصادي ولو بصفة مؤقتة.
وقالت الخبيرة السياسية في جامعة بارد كوليدج في برلين أيسودا كولمن، إن “القاعدة الناخبة للائتلاف الحاكم في طور الذوبان”، مضيفة أنه “لم يعد من المضمون بالنسبة لأردوغان أن ينال أكثر من 50 في المئة من الأصوات التي يحتاجها لكي ينتخب من الدورة الأولى في عام 2023، ولا حتى أن يتم انتخابه في الدورة الثانية”.
أردوغان راهن على البيرق لتحفيز الاقتصاد المتراجع، إلا أن فشل خيارات الأخير دفعت بأردوغان في نهاية المطاف إلى إقالته
وبعد الخسائر المحرجة في الانتخابات المحلية في العام 2019، ليس مرة واحدة بل مرتين في إسطنبول، أدرك أردوغان هذه المرة أن الوقت ليس في صفه وأصبح إحساسه بحرج الموقف أكثر وضوحا.
وأظهر استطلاعان للرأي أخيرا أن تحالف الأمة التركي المعارض يتقدم على التحالف الحاكم لأردوغان بأكثر من 8 في المئة.
ووجدت استطلاعات الرأي في شركة متروبول ومقرها أنقرة، أنّ أصوات تحالف الأمة ارتفعت إلى 48.3 في المئة، بينما بلغت أصوات تحالف الشعب، الذي يتألف أساسا من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه اليميني المتطرف حزب الحركة القومية نسبة 39.6 في المئة.