روسيا تستغل الغياب الأميركي لحشد الدعم لنهجها في سوريا

تحركات دبلوماسية روسية مكثفة حيال الملف السوري لاستغلال الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة.
الأربعاء 2021/03/24
الروس على الخط

دمشق – تكثف روسيا من تحركاتها الدبلوماسية في مساع لحشد الدعم لنهجها في سوريا، في وقت تدرس الإدارة الأميركية، تخفيف تدخلاتها في صراعات الشرق الأوسط الطويلة.

وليس من الواضح بعد خطط الإدارة الأميركية في التعاطي مع سوريا، التي تحولت أراضيها إلى كانتونات مقسمة بين مختلف الجيوش، بما في ذلك القوات الأميركية.

وينظر كثيرون إلى تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع سوريا على أنه مقياس لمدى تصميمها فعليا على تغيير السياسة الأميركية التي ظلت لعقود تركز على الشرق الأوسط.

وإذا قللت الولايات المتحدة من وجودها في المنطقة، فإن قوى مثل روسيا ستكون موجودة لملء الفراغات وتعزيز وجودها هناك.

جيمس جيفري: إذا كان هذا هو مستقبل الشرق الأوسط فنحن في ورطة
جيمس جيفري: إذا كان هذا هو مستقبل الشرق الأوسط فنحن في ورطة

وقد أبدت الدبلوماسية الروسية فعلا استعدادا لتكثيف هذا الحضور، وهو ما ترجم في جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الشرق الأوسط الشهر الجاري.

وشملت جولة لافروف الإمارات العربية المتحدة حليفة الولايات المتحدة، التي وجهت رسالة تتماشى مع موقف موسكو مفادها أن العقوبات الأميركية على دمشق تعرقل الجهود الدولية لإعادة بناء سوريا. وقال وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان إن الوقت قد حان لعودة دمشق إلى محيطها العربي.

وحسب فريدريك هوف، الذي شغل منصب المستشار الخاص حول الانتقال السياسي في سوريا خلال فترة إدارة الرئيس باراك أوباما، فإن روسيا تريد بعبارة أخرى، من تحركاتها إيصال رسالة مفادها أن الحرب السورية انتهت، وأن الرئيس بشار الأسد قد انتصر، وسيبقى في السلطة طالما أنه يتنفس.

يقول هوف إن هناك جزءا غير معلن من تلك الرسالة وهو أن روسيا تخطط لأن تكون قريبة ومستعدة لمرحلة إعادة إعمار سوريا للاستفادة من أي موارد دولية في هذا السياق، وذلك بطرح نفسها وسيطا لإدارة التهديدات الأمنية التي تشكلها سوريا على المنطقة.

ويرى هوف كما جيمس جيفري، المبعوث الأميركي السابق لسوريا، بوجوب أن يبقى للولايات المتحدة وجود كبير في البلاد، محذرين من طموحات روسيا. ويلفت جيفري إلى أنه “إذا كان هذا هو مستقبل الشرق الأوسط الأمني فنحن جميعا في ورطة”. وأضاف أن “هذا ما يدفع إليه بوتين ولافروف”.

ولم يبد الرئيس الأميركي في معرض تطرقه للأولويات الملحة في الشرق الأوسط على غرار الأزمة اليمنية وملف النووي الإيراني اهتماما بالمسألة السورية، الأمر الذي يثير قلق أوساط عدة.

وفي الكونغرس، يحوم النقاش الذي شمل سوريا حول ما إذا كان ينبغي تقليص أو إنهاء السلطات التي مُنحت للرؤساء، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، لتوجيه ضربات عسكرية. وقال النائب خواكين كاسترو وهو ديمقراطي من تكساس وعضو في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إن الحرب السورية هي التي أشعلت ذلك النقاش، عندما درس الرئيس باراك أوباما لأول مرة توجيه ضربات عسكرية هناك.

وجاءت واحدة من الإشارات العلنية القليلة التي ذكرها بايدن عن سوريا منذ توليه منصبه الأسبوع الماضي، عندما أدرجها ضمن المشاكل الدولية التي ينبغي على مجلس الأمن الدولي بذل المزيد من الجهد بشأنها. وفي الذكرى العاشرة لبدء النزاع السوري الأسبوع الماضي، شدد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في بيان مع نظرائه الأوروبيين على الحاجة إلى تقديم مساعدات إنسانية للمدنيين السوريين ومحاسبة نظام الأسد.

وتساعد القوات الأميركية في حماية جيب للقوات الكردية في شمال شرق سوريا، الغني بالنفط والغاز الطبيعي. وخلال حملة بايدن الانتخابية خلال العام الماضي، حدد بلينكن الدور العسكري على أنه “نقطة للتأثير” في المفاوضات حول التعامل الدولي مع سوريا، بدلا من كونه قوة مستمرة.

المجال مفتوح أمام روسيا لتعزيز النفوذ
المجال مفتوح أمام روسيا لتعزيز النفوذ

ورفض متحدثون باسم مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية الإجابة على أسئلة محددة حول سياسة بايدن تجاه سوريا، بما في ذلك ما إذا كانت الإدارة الأميركية تعتبر الصراع السوري تهديدا رئيسيا للأمن القومي أو تخطط لتعيين مبعوث جديد.

ويتبع بايدن أوباما وترامب في سعيهما إلى التقليل من دور الولايات المتحدة العسكري في الشرق الأوسط وتحويل تركيز السياسة الخارجية إلى آسيا، حيث أصبحت الصين عدوانية بشكل متزايد، ولكن صراعات الشرق الأوسط ومخططات الولايات المتحدة الاستراتيجية تسحب الأميركيين إلى الوراء.

وأصبح بايدن في الشهر الماضي سادس رئيس أميركي على التوالي يقصف هدفا في الشرق الأوسط، حيث استهدف الميليشيات المتحالفة مع إيران في سوريا، لكن هذا التحرك لم يكن يستهدف إعادة رسم للسياسة الأميركية في سوريا، وإنما في سياق رد على الهجمات التي تتعرض لها القوات الأميركية في العراق.

وقال بعض الدبلوماسيين الأميركيين الحاليين والسابقين في الشرق الأوسط إن سوريا لا تشكل تهديدا أمنيا كبيرا للولايات المتحدة. وقد خلص روبرت فورد، سفير إدارة أوباما في سوريا الذي يتمتع بسنوات من الخبرة الدبلوماسية في المنطقة، في مقال في مجلة فورين أفيرز العام الماضي إلى أن على واشنطن أن تتحرك نحو سحب قواتها من شمال شرق سوريا، وأن ترتب مع روسيا وغيرها للتعامل مع التنظيمات الجهادية في ذلك البلد.

في المقابل فإن هوف وجيفري، اللذان تعاملا مع سوريا، يرفضان الانسحاب، ويقول هوف “لو كنت أحد قادة تنظيم داعش الذي يحاول الآن العودة في سوريا، لكنت أدعو من أجل اعتماد هذه النصيحة”.

وتشير الخبيرة منى يعقوبيان، وهي مستشارة المعهد الأميركي للسلام في واشنطن، إلى أن اختبارا لنوايا إدارة بايدن يلوح في الأفق، في الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى استغلال موقعها في مجلس الأمن الدولي لإغلاق طريق المساعدات الإنسانية إلى جزء من سوريا لا يخضع لسيطرة الحكومة التي تدعمها موسكو.

وتقول يعقوبيان إن الحفاظ على الوجود الأميركي في سوريا أو تعزيزه سيكون أمرا مهما كوسيلة ضغط في المفاوضات السياسية، ولتشكيل قواعد لوجود روسيا في الشرق الأوسط، بينما تبقى أهداف المجتمع الدولي الملحة حائمة حول جعل الحياة “أكثر سهولة وأقل بؤسا للسوريين”.

2