الأردنية ناديا الخطيب تستعيد شهرزاد الحكايات في لوحات حداثية

التشكيلية الأردنية ناديا الخطيب تعبّر في لوحاتها عن جمال المرأة عبر وضعيات مختلفة ومشاعر متغيّرة ومواقف متجدّدة.
الأربعاء 2021/03/24
إغراء محتشم

عمّان - تحتفي أعمال التشكيلية الأردنية ناديا الخطيب بالمرأة التي ترمز إلى الخصب والربيع والأرض والوطن.

وتشكّل الفنانة ذلك من خلال لوحات تعتمد الجسد كفكرة تعبّر عن الأنوثة بمعناها الواسع، لذا تغيب التفاصيل الدقيقة التي تقدّم الجسد وتتجلى أكثر التشكيلات التجريدية الإيحائية.

هذا الغياب لتفاصيل الجسد يُتيح للمتلقّي التماهي مع لوحات الفنانة الأردنية ونسائها بشكل حميميّ رمزي، لكنه مُغر أساسه التفاعل مع الحركات الأنثوية في يومياتها الحياتية المُعاصرة.

ومن هناك تظهر في إحدى لوحاتها يدان كبيرتان تحتضنان مجموعة من الأطفال كرمز لأمومة طاغية، وفي أخرى فتاة تمسك قفصا بباب مفتوح بينما العصفور يحطّ بين يديها كرمز لمطلب الحرية الذي سعت المرأة على مستوى العالم ولا تزال تسعى لتحقيقه خاصة في الوطن العربي المنتصر للذكورية، وفي ثالثة تظهر سيدة وهي تربّت على ظهر جواد عربيّ أصيل وما يرمز إليه المشهد من جموح نحو الخيال والسفر، وفي رابعة وهي تتأمّل لوحة معلقة على الجدار رُسمت عليها مزهرية ورود تُنافس في بهائها جمال الأنثى التي قُبالتها.

وتتّسم ألوان الخطيب بالهدوء، فهي ليست صارخة أو حارة، وفي الوقت نفسه ليست معتمة أو كئيبة، وغالبيتها تنتمي إلى البنّي وتدرجاته بين أصفر ترابي وأبيض جيري ورمادي منتش ببياضه أكثر من سواده، مع استخدام مزج لوني قادر على حمل رسالة اللوحة ومعانيها، كاعتماد ألوان أكثر حدة لإبراز المرأة التي تضع زهرة حمراء على شَعرها، أو تمسك باقة ورد من عجينة قزحية الألوان، أو تجلس على كرسي أحمر، أو تحمل حقيبة يد، وفي جميعها تغدو المرأة سيّدة اللوحة ونجمتها.

أنثى الخطيب حكاية ألوان ومعان لجمال المرأة في وضعيات مختلفة تسرد يومياتها حينا وتطلعاتها دائما. أنثى بكامل جمالها ودلالها، أنثى التناقضات والمفارقات، بين انتصارها وانكسارها، آمالها وآلامها، هدوئها وصخبها، خضوعها وتمرّدها، وهي في كل هذا امرأة واثقة من نفسها وممّا تُريد فعله أو تحقيقه في يومها المديد، ليستحيل يومها لحظات عابرة لكنّها معبّرة، وبقوّة، عمّا تستطيع إتيانه امرأة واحدة من أشغال متعدّدة ومشاعر متغيّرة ومواقف متجدّدة في يوم واحد.

وهذه الأفعال المجتمعة، وإن تفرّقت في أكثر من لوحة لم تأت لغايات تجميلية أو تزويقية، فهناك وظيفة تؤدّيها هي التعبير عن الحضور الاجتماعي والثقافي للمرأة، والتأكيد على دورها كشريك فاعل للرجل يكتنز بمعاني الأمومة والبذل والاجتهاد. وهو ما يفسّر التركيز على إظهار اليدين في غالبية لوحات الخطيب، كأنما الأم التي تحمل الطفل بين ذراعيها هي الأقدر على حمل مجتمع بأكمله نحو آفاق التغيّر والانعتاق والتحرّر.

عصفور الحرية يحطّ على كتف متحرّر
عصفور الحرية يحطّ على كتف متحرّر

وكأن اليد، أيضا، وهي تحتضن باقة من الورود أو ترتّب على ظهر الجواد أو تمنح زهرة لعشيقين مُنفردين في خلوتهما، هي الأقدر على زرع الجمال في هذا العالم المليء بالقسوة المدمّرة لكل جميل وأصيل.

لا يحضر الرجل في لوحات الفنانة الأردنية، إلاّ لماما، كلوحة الحبيبين، وما حضوره إلاّ مكملا لسطوة المرأة على اللوحة/ الفكرة، فهي هنا المحفّزة على الحب بين العشيقين بمنحها الزهرة لهما، وهي أيضا في موضع آخر المتحكّمة في هذا الغرام، بإشارة من يد الرجل/ العشيق إلى محبوبته كي تمدّ يدها لتقطف زهرة حبهما، أو ربما بعبارة أدق زهرة تنعمّها عليه بهذا الحب، وكأنّ الخطيب تقول عبر هذه اللوحة/ الرمز لرجلها المنتقى “أيها المخدوع في غطرستك وما شبّ في ذاكرتك من ذكورية متوارثة، لولاي لما كنت حبيبا، ولما سموت إلى مرتبة العشّاق أصلا. فأنت ملك يديّ وإن فرضت مُلكك عليّ”.

هو غياب وتغييب مُتعمّد للرجل، تغييب له مبرّره الموضوعي في لوحات الخطيب وهي الرسامة الأنثى التي تكرّس بفكرها قبل ريشتها لحضور نسويّ طاغ وفاعل في المشهد المجتمعي العربي، يقلب الأدوار رأسا على عقب، فيستحيل الرجل بغيابه هو المُشتهى والمُنتظر، وتغدو المرأة بحضورها التام في كل اللوحات وبكل الوضعيات هي الحاكم والمتحكّم بأمره، تستدعيه متى تشاء وتغيّبه كيفما تشاء.

تظهر لوحات الخطيب مشحونة بالأحاسيس والانفعالات باستخدام الخطوط الحادة والهندسية في بعض المواقع، كما في لوحاتها التي تعبّر عن جلوس المرأة في وضعيات تشير إلى الانكسار أو الانعزال والوحدة، حيث التركيز على استقامة الخطوط عند الظهر أو الذراعين أو الساقين، مع تحديد بالأسود لتلك الخطوط، ومزج لوني ينحو باتجاه القتامة ليعبّر عن وضعية الجسد الذي يعاني التهميش والإقصاء.

بينما يرى المُشاهد في خلفية غالبية هذه اللوحات نوافذ بلون أزرق في إشارة إلى بقاء الباب مشرّعا على التغيير ومفتوحا على نوافذ الأمل، وهو ما عبّر عنه بوضوح التضاد اللوني بين الأزرق المشرق للنافذة واللون القاتم للجسد ووضعيته في حالة من التأمّل والتفكير.

ويبدو أن الخطيب تعبُر عبر هذه النوافذ كما تُعبّر من خلالها عن ضرورة الارتقاء بالمرأة من تصويرها كجسد يعاني بصمت إلى إنسان يفكّر ويتأمّل ويتوق إلى التخلّص من واقعه الضاغط، وهي في ذلك تحرص على إبراز التوازنات اللونية في لوحاتها، كما تترك النوافذ مفتوحة كدعوة للمرأة إلى التفاعل مع الواقع وتجاوز توتراته والانطلاق نحو الحرية.

لوحات الخطيب تعبير جمالي وموضوعي عن المرأة في أكثر من وضعية وحركة وشعور، هي بعبارة أدق شهرزاد الحكايات المُعاصرة التي تسرد يومياتها وأمنياتها بعجينة ألوان حداثية بدل الكلمات التقليدية. فاللون عندها كما الموسيقى لغة عابرة للحدود والخيال.

16