المغربي عبدالرفيع جواهري: هناك أزمة في طرق إيصال الشعر إلى الناس

الرباط – قال بيت الشعر بالمغرب، في كلمته بمناسبة اليوم العالمي للشعر، إن “أيام السنة كلها للشعر، لصوته الوجودي العميق أن يحلق كفراشة في كافة الشهور والفصول، وله أن يعلمنا في كل وقت وحين كيف نكون، وكيف نتمثل ذواتنا في علاقاتها بالآخر وبالعالم”.
وورد ضمن الكلمة ذاتها أن بيت الشعر في المغرب إذ يحتفل، كما جرت العادة كل سنة، باليوم العالمي للشعر، فليس بهدف تقييد حركة الشعر أو الشعراء وسجنها في طقوس موسمية أو يومية عابرة، بل بهدف إثارة الانتباه، كل مرة، لحاجتنا إلى هذا الفن النبيل الذي عايش الإنسان ورافقه منذ اكتشاف هذا الأخير للشعر، إذ وجد فيه ما يتيحه له من قدرة على الحلم وترويض الخيال بهدف صوغ معنى جديد للحياة، يخفف به معاني الابتذال والتفاهة والتسطيح، التي ما فتئت مظاهرها تتزايد وتتقوى في حياتنا المعاصرة.
وعلى خطى بيت الشعر في الرباط، احتفت دار الشعر بمراكش باليوم العالمي للشعر ضمن تقليدها الثقافي الجديد “ملتقيات شعرية جهوية”، بأن تطلب من شاعر(ة) مغربي(ة) كتابة كلمة خاصة احتفاء باليوم العالمي للشعر.
وأكد الشاعر عبدالحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش، أن الملتقى “يرسخ لثقافة القرب، في احتفاء متجدد ومستمر بالشعر المغربي وبالشعراء المغاربة، بالمزيد من الانفتاح على حساسيات وتجارب القصيدة المغربية الحديثة، وعلى مختلف أنماط الكتابة الشعرية، وبانفتاح بليغ على مختلف التجارب الشعرية وأجيالها المشكلة لشجرة الشعر المغربي. هي برمجة جديدة تراعي أسئلة التحولات التي مست راهن القصيدة، وأسئلتها، ولحظات معرفية للتفكير في وظيفة الشاعر اليوم وفي حضور الشعر ضمن المنظومة المجتمعية”.
وأضاف أن “ملتقيات الشعر الجهوية، مبادرة ثقافية تسعى إلى الاحتفاء بالتنوع الثقافي المغربي، وتشجيع وتحفيز الأصوات الشعرية الجديدة، وتوسيع قاعدة الفعل الثقافي في اعتماده على القرب، ومد إشعاع الدار إلى مختلف الجهات الترابية التابعة لها”.

عبدالرفيع جواهري: الشعر المسجون في الدواوين الورقية لم يعد يغري بالمتابعة
وخصت الدار الشاعر المغربي عبدالرفيع جواهري أحد رواد القصيدة المغربية الحديثة، بشهادة عميقة تنتصر لحق الإنسان في الحياة والعيش المشترك.
وأكد عبدالرفيع جواهري أن “مع انبثاق الوردة الأولى للربيع في الواحد والعشرين من مارس، تحتفل البشرية كل سنة باليوم العالمي للشعر الذي هو في ذات الوقت، احتفال أيضا بالشعراء رجالا ونساء، والذين كرسوا إبداعهم للدفاع عن قيم الجمال والحب والسلم والحرية، وكل القيم النبيلة التي تجعل الحياة ممكنة”.
ودعا الشاعر المغربي الشعراءَ إلى نسج علائق بين القصيدة والموسيقى والغناء، مذكّرا بمقولة ابن خلدون عن العرب بأنهم “أنشدوا الشعر وغنّوه بالملكة”، وكذلك بمقولة الفارابي “الموسيقى المقرونة بالقول الشعري، هي الطبيعية على الإطلاق، وتعد من حيث التأثير والتخيل في المكانة الأولى”.
وتساءل جواهري في الكلمة التي كتبها بطلبٍ من دار الشعر بمراكش احتفاء باليوم العالمي للشعر “ألم يعد الشعر ديوان العرب؟ هل ولّى زمن الشعر؟”، ذاهبا إلى أن “الأزمة ليست في الشعر، بل في طرق وأشكال إيصاله إلى العموم”.
وأضاف في هذا السياق “إني أرى أنّ الشعر المسجون في أقفاص الدواوين الورقية لم يعد يغري بالمتابعة، ولعل هذا ما جعل منظمة اليونيسكو تدعو إلى إحياء التقاليد الشفوية للشعر بإنشاده في الفضاء العمومي عن طريق الأمسيات”، داعيا إلى تحرير الشعر من “التقليدانية الورقية” وتقديمه فوق خشبة المسرح والساحات العمومية.
وتابع جواهري في كلمته “لقد كانت الشهور الأخيرة لنهاية القرن العشرين فرصة لمنظمة اليونسكو لاعتماد تاريخ 21 مارس، يوما عالميا للشعر، وكأنها بذلك تودّع قرنا شهد ويلات ومآسي الحرب. ولعل اليونيسكو استشعرت بسبب ذلك خطورة التفريط وعدم إعطاء العناية اللازمة لمنظومة الفنون والآداب، وما نشأ عن ذلك من فراغ روحي، فراهنت على الشعر ليكون في مفتتح القرن الحادي والعشرين منارة تبدد ما زرعته النزعات الظلامية من وحشية وخراب، وتبعث الأمل في الحق في الحياة والإبداع والعيش المشترك”.
وقال جواهري ردّا على من يشكك في أهمية الشعر ويرى أن لا حاجة له “هذه النزعة العدمية المتوحشة ليست وليدة اليوم، بل ترجع إلى أزمنة بعيدة. ولعل أفلاطون يعدّ المثال المعبّر عن هذا الاتجاه. ولم يكتف بالهجوم على الشعراء، بل تعدى ذلك ليسفّه فن الرسم وفن الموسيقى. ومن حسن حظ الشعر والشعراء أن أرسطو كان يرى عكس ما سار عليه أستاذه أفلاطون، فقد كان يرى أن للشعر وظائف اجتماعية وروحية، وأن الشعر أقرب إلى روح الواقع وأقرب إلى روح الحق”.
وأكد جواهري أن تخصيص يوم عالمي للشعر، من شأنه أن يدعم التنوع اللغوي، ويكرم الشعراء، ويحيي التقليد الشفهي للأمسيات الشعرية.