أيرلنديات يستثمرن مخاوفهن الدفينة ليكتسحن عالم الأدب

على الرغم من الحصار النقدي الذي تواجهه فإن رواية الجريمة والرعب تعرف ازدهارا كبيرا، وقد حققت نجاحا منقطع النظير لدى القراء وخاصة منهم الشباب، حيث كان الإقبال عظيما على هذا النوع من الأدب، لكن يبقى من اللافت هو إقبال الأقلام النسائية الكبير على الكتابة فيه، وهو ما تعرفه أيرلندا التي تعتبر من أول البلدان التي ظهر فيها أدب الرعب والجريمة.
دبلن - بدأت النساء في نشر الخوف والرعب في مختلف أنحاء أيرلندا من خلال أعمالهن الأدبية التي لاقت انتشارا واسعا لدى القراء.
ومن الظواهر الجديدة التي تشهدها أيرلندا، التي تلقب “بالجزيرة الزمردية” نظرا إلى المساحات الخضراء اليانعة التي تكسوها، أن النساء أصبحن يتربعن على قمة قوائم مؤلفي أكثر الكتب مبيعا، بتأليف الروايات البوليسية الحافلة بالتشويق والإثارة، كما حظين بالشهرة خارج أيرلندا، خاصة في ألمانيا التي تشيع فيها ترجمات لهذه الروايات النسائية، حيث إنه من المعروف أنها دولة مولعة بروايات الجريمة.
وتطول قائمة المؤلفات الناجحات، وتأتي في مقدمتهن تانا فرنش بروايتها “شجرة الدردار الساحرة”، وكذلك سينيد كراولي بروايتها “هل يمكن أن يساعدني أحد؟”.
الأدب والتغيرات

الروائية كاثرين ريان هوارد: الخوف إحساس مألوف عندنا
دخول الأيرلنديات بقوة إلى مضمار أدب الجريمة والرعب تأخر قليلا رغم أن أيرلندا من البلدان الرائدة في هذا المجال ولها مؤلفون كبار فيه، لكن ربما وقفت الظروف الاجتماعية والدينية حاجزا بين الأقلام النسائية وهذا النمط الأدبي، علاوة على تغير الواقع وانتشار العنف ضد المرأة ما حفز الكثير من الأقلام النسائية إلى التعبير عن مخاوفهن من باب الجريمة والرعب.
يعد هذا التطور مثيرا للاهتمام، حيث إنه لفترة طويلة من الزمن كان تأليف الروايات في أيرلندا، مترادفا فقط مع أسماء من الرجال مثل أوسكار وايلد وجيمس جويس.
وأعربت الروائية كاثرين ريان هوارد عن اعتقادها بأن تزايد عدد النساء اللاتي يكتبن روايات الجريمة، يتعلق بالتجارب الخاصة بحياة المرأة، وتقول “لا يتعين علينا أن نخمّن ما هو كنه الإحساس بالخوف، فنحن – لسوء الحظ – نألف حقيقة هذا الإحساس، المنبعث من مجرّد ممارسة حياتنا اليومية”.
وقد تكون هوارد محقة في استنتاجها، حيث أشارت دراسة ميدانية أجرتها وكالة الحقوق الأساسية، إلى أن أيرلند تحتل المرتبة الثانية في الاتحاد الأوروبي، من حيث عدد النساء اللاتي يتجنبن أماكن أو مواقف يمكن أن يشعرن فيها بالخوف من التعرض لهجوم ما.
كما أعربت ليز نوجنت مؤلفة رواية “الأشياء القاسية الصغيرة لدينا”، عن اعتقادها بأن النساء لديهن شعور بالتهديد أعلى من الرجال، وعلى أية حال نجد أن النساء هن “اللاتي يحملن سلسلة مفاتيح ملفوفة في الأصابع لاستخدامها كسلاح دفاعي عندما يسرن بمفردهن ليلا، أو يتجنبن اختصار الطريق بعبور حديقة عامة وسط الظلام”.
وتقول الكاتبة “أعتقد أننا نكتب من زاوية مختلفة، فمن المرجح أن يكتب الرجال بشكل أكثر عن البطل الذي يتمتع بالقوة، بينما من المرجح أن تكتب النساء بدرجة أكبر من وجهة نظر الضحية المطاردة”.
بينما تقول فاليري بيستاني، مديرة مركز الكتّاب الأيرلنديين، إنها لاحظت ظهور اتجاه خلال العقد الماضي، زاد فيه عدد النساء اللاتي يؤلفن روايات الجريمة والتشويق، وتذكر أن من رواد هذا الاتجاه تانا فرنش بروايتها الأولى “في الأدغال” الصادرة عام 2007، والتي حظيت بشهرة عالمية.
كما ترتبط زيادة عدد كاتبات روايات الجريمة في أيرلندا، بالتغيرات التي طرأت على المجتمع الأيرلندي خلال العقود القليلة الماضية.
وتوضح نوجنت قائلة “بسبب هيمنة الكنيسة الكاثوليكية على المجتمع الأيرلندي، إلى جانب السيطرة الحكومية حتى أوائل منتصف التسعينات من القرن العشرين، لم تكن للنساء أية خيارات أو أصوات للتعبير عن مطالبهن، وكان الطلاق ووسائل منع الحمل والمثلية والإجهاض من الأمور غير المشروعة”.
نساء بارعات

تمّ التصويت في أيرلندا لصالح حق المثليين في الزواج عام 2015 فقط، ولصالح الحق في الإجهاض عام 2017، وفي هذا الصدد تقول نوجنت “وبالتالي حصلنا على حقنا في الإفصاح عن مطالبنا”.
وتتفق سام بليك مع الرأي القائل بتأثير التغيرات الاجتماعية في الأدب، ويلاحظ أن رواياتها، التي تشمل “الغرفة المظلمة” و”لا تبتعد بأنظارك عني”، تحتوي دائما على شخصيات نسائية قوية.
وتوضح بليك قائلة “ثمة تراث طويل من الكتّاب الأيرلنديين الذين خاضوا في مجال تأليف الروايات المليئة بقصص الرعب والمجرمين، وربما قبل أن يكتب برام ستوكر روايته الشهيرة “دراكولا”، كما أن كونان دويل الشهير برواياته عن مغامرات مفتش الشرطة شرلوك هولمز ينحدر من أيرلندا، وأمضى فترات طويلة فيها.
الزيادة في عدد كاتبات الرواية البوليسية يمكن أن تكون مرتبطة بالتطورات التكنولوجية وأيضا بظهور جيل جديد
وتعرب بليك عن اعتقادها بأن هذه الزيادة في عدد كاتبات الرواية البوليسية، يمكن أن تكون مرتبطة بالتطورات التكنولوجية وأيضا بظهور جيل جديد من المبدعين، وتقول “نحن نخلق الفرص الخاصة بنا من خلال العمل الجاد، وأحيانا نكتب في أوقات مسروقة بينما نعمل ونعتني بأطفالنا وندير شؤون البيت”.
وتلاحظ أليكس ميهان التي تعمل بصحيفة “أيريش أندبندنت”، هذا الاتجاه بالفعل عام 2018، حيث تمّ ترشيح ثلاث نساء يكتبن روايات الجريمة من بين ستة كتّاب، لنيل جائزة “آن بوست للكتاب” الأيرلندية في ذلك العام، والتي ترعاها هيئة البريد بالبلاد.
وكتبت الصحفية ميهان تقول “بينما تروق روايات الجريمة لكل من الرجال والنساء، فمن المؤكد أن هناك كثيرا من الكاتبات الناجحات يدلين بدلوهن في هذه النوعية الروائية”.
ورغم أنه ليس من السهل على المبدع أن يتخذ قضية من قضايا الحق العامّ مادة روائية، لأنها عادة ما تكون معروفة لدى الناس، بدوافعها وجرائرها وأسماء أبطالها وصفاتهم، بعد أن تتلقفها وسائل الإعلام الباحثة عن الإثارة، أو الراغبة في إشباع فضول قراء تواقين إلى أحداث تنأى بهم عن رتابة المعيش اليومي، وغالبا ما تمعن في التنقيب عن أدق تفاصيلها، بشكل لا يترك أدنى جزئية خارج مدار الضوء وهو ما برعت فيه الكثير من الروائيات الأيرلنديات.
تقول جو سبين مؤلفة رواية “الجميلات النائمات”، “لا أعتقد أن أحدا من الجنسين أفضل من الآخر في الكتابة، فالكتاب الجيّد هو الكتاب الجيّد”. وهي تقرّ بأنه غالبا ما يكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى النساء أن يجدن ناشرا لأعمالهن، ولكن لا تنطبق هذه الحال على أيرلندا فقط على الأقل، وتقول “يبدو أن النساء أصبحن يبرعن في كتابة روايات الجريمة الآن ويتحمسن لها”.