أطفال القمر في تونس: لامبالاة الدولة تزيد من معاناتهم اليومية

تمكّن صياغة قرار تتكفل بمقتضاه الدولة بأطفال القمر من تسهيل ممارسة حياتهم اليومية وأن تصبح حظوظهم متساوية مع الأطفال الطبيعيين، وهو ما يرسخ مبدأ تكافؤ الفرص في توفير الظروف الملائمة للدراسة والتواجد في الفضاءات العامة. كما أن صياغة مبادرة تشريعية خاصة بهؤلاء الأطفال تضمن حقوقهم المادية والمعنوية وتوفر لهم العيش بكرامة في المجتمع.
تونس- أثارت لجنة شؤون ذوي الإعاقة والفئات الهشة بمجلس نواب الشعب (البرلمان) وضعية أطفال القمر وما يواجهونه من عراقيل مختلفة تصعب عليهم ممارسة حياتهم اليومية.
ويعيش أكثر من 800 ألف شخص في تونس أغلبهم من الأطفال والشباب بعيدا عن الضوء والشمس، يحتمون من النور الذي يهدد حياتهم، وهم أطفال القمر أو مرضى متلازمة جفاف الجلد المصطبغ.
ويعاني هؤلاء من حساسية مفرطة من الأشعة فوق البنفسجية سواء المتأتّية من الشمس أو من أنواع معينة من الإضاءات، وعادة ما يولدون بصحة جيدة لكن بمجرد تعرّضهم لأشعة الشمس في الأشهر الأولى تظهر عليهم أعراض غير معتادة مثل احمرار الجلد وعدم القدرة على النظر إلى الضوء.
وأكد عبدالرزاق عويدات المقرر المساعد للجنة أنه سيتم التشاور بين أعضائها من أجل الاتفاق على عقد جلسة مع ممثلي وزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة لتدارس إمكانية صياغة قرار يسمح بتكفل الدولة تكفلا تاما بأطفال القمر.
وقال خلال جلسة استماع لعدد من أطفال القمر وأسرهم إن القرار في حال تمت صياغته سيسمح بالتكفل بهم في المؤسسات التربوية من خلال تهيئة قاعات التدريس بالتجهيزات اللازمة وفي وسائل النقل والتكفل بعلاجهم من طرف الصندوق الوطني للتأمين على المرض والاعتراف بمرضهم كمرض مزمن وغيرها من المرافق الحياتية.
واقترح أن تتم صياغة مبادرة تشريعية خاصة بأطفال القمر تضمن حقوقهم المادية والمعنوية في حال لم يتم التوصل إلى صياغة مقترح تكفل الدولة بهؤلاء.

عبدالرزاق الحسني: مراجعة التشريعات الخاصة بأطفال القمر باتت ضرورية
واعتبر أنه في حال تكفلت الدولة بأطفال القمر فإن حظوظهم ستصبح متساوية مع الأطفال الطبيعيين، وهو ما سيرسخ مبدأ تكافؤ الفرص في توفير الظروف الملائمة للدراسة والحصول على حقوقهم المادية والمعنوية والعيش بكرامة وبسلامة في المجتمع.
وطالب خالد القربي الكاتب العام السابق لجمعية مساعدة أطفال القمر وأحد الآباء الحاضرين في جلسة الاستماع بتكفل الصندوق الوطني للتأمين على المرض بالمرضى من أطفال القمر، خاصة في ظل غياب قرار مشترك من وزيري الصحة والشؤون الاجتماعية للتكفل بهم.
ودعا إلى ضرورة تفعيل الفصل 48 من الدستور التونسي القاضي بحماية الأشخاص ذوي الإعاقة من كل أشكال التمييز والانتفاع بالتدابير التي تضمن لهم الاندماج الكامل في المجتمع.
كما أشار حبيب جمعة والد أحد أطفال القمر إلى عدم تفهم واحترام المدرسين لوضعية أطفال القمر والظروف التي يجب توفيرها وإبعادهم عن مصادر الضوء، وفق وكالة تونس أفريقيا للأنباء. وأضاف أن الآباء يقومون بتجهيز قاعات الدراسة بالمكيفات والستائر والمصابيح الملائمة من مالهم الخاص وهو ما يزيد من أعبائهم المالية.
وقال أمان الله جمعة ذو الخمسة عشر عاما وهو أحد أطفال القمر ويزاول تعليمه بالسنة التاسعة من التعليم الأساسي بولاية المنستير في تصريح للوكالة، إن الكوادر التربوية لا يتفهمون ظرفه الخاص وضرورة إبعاده عن مصادر الضوء. وطالب باهتمام الدولة بهم وتوفير التجهيزات الضرورية الملائمة التي تسمح بحسن سير الدروس بالمدرسة الإعدادية التي يدرس بها.
كما نقلت خلود قربي ذات الـ27 ربيعا وهي تجتاز بصفة فردية مناظرة الباكالوريا كل سنة معاناتها طيلة مسارها الدراسي من عدم توفير الحماية لها والسلامة الصحية، مما عرّضها إلى مضاعفات صحية بقيت تعاني آثارها إلى اليوم وتطلبت في كثير من الأحيان تدخلا جراحيا.
ويجاهد أطفال القمر ومن ورائهم عائلاتهم لعيش حياة طبيعية، حيث يدرسون ويعملون رغم صعوبة ظروفهم التي تضطرهم للخروج إلى الأماكن العامة بلباس خاص وقناع واق من أشعة الشمس يلازمهم مدى الحياة.
وقال الدكتور محمد الزغل أخصائي الأمراض الجلدية والفوتوبيولوجيا ورئيس جمعية مساعدة أطفال القمر إنه “لا مجال لإيقاف تطور المرض النادر إلا بالعيش في مكان خال من الأشعة فوق البنفسجية، وحماية حامله عبر ارتداء ملابس وأقنعة ونظارات واقية، فضلا عن استعمال دهانات جلدية على كامل الجسد”.
وأشار لسكاي نيوز إلى أن هناك 8 أصناف من هذا المرض تختلف خطورتها بحسب نوعية التصبغات، وأخطرها المجموعة “أس” التي يوجد مرضاها أساسا في ولايات سيدي بوزيد والقصرين وجهة الساحل حيث تنتشر الزيجات ببين الأقارب. وبحسب الزغل تتأثر خطورة المرض بظروف المناخ، فعند التعرض إلى أشعة الشمس تظهر الأورام وتتكاثر، فيما تتسبب إزالتها في تغير شكل المريض.
وتوفر الجمعية لأطفال القمر لباسا خاصا منسوجا من 3 أنواع من الألياف التي لا تسمح بمرور الضوء، وهي قابلة للغسل 25 مرة، فضلا عن أقنعة خاصة تغطي الوجه بالكامل مع بلورة أمامية مجهزة بمروحة للتبريد وشاحن. وتسمح هذه الأقنعة لمرتديها بالتجول في الخارج تحت أشعة الشمس، دون أن تطالهم أضرارها بفضل الحماية التي توفرها.
كما توفر لهم الجمعية الدهانات الواقية من الشمس والأشرطة القاتمة لتغليف نوافذ غرفهم المعرضة مباشرة للشمس أو سياراتهم، وتعمل على تجهيز قاعات الدروس في بعض المدارس التي يتعلمون فيها بالألواح الواقية والأضواء الخاصة لتمنحهم الفرصة في التعلم كغيرهم من الطلاب.
وأكد الزغل أنه في الماضي القريب كان أطفال القمر يغادرون الحياة في سن صغيرة، ولكن مع تطور أساليب الحماية أصبحت معدلات العيش لحاملي هذا المرض تقترب من الطبيعية في بعض الحالات.
الآباء يقومون بتجهيز قاعات الدراسة بالمكيفات والمصابيح الملائمة من مالهم الخاص وهو ما يزيد من أعبائهم المالية
وتجتهد جمعية مساعدة أطفال القمر التي تأسست بمبادرة من عدد من أسر هؤلاء الأطفال وعدد من الأطباء في التعريف بالمرض النادر وبالوضعية الخاصة لحامليه، حتى بات بإمكانهم الحصول على قاعات دراسة خاصة بهم لا تصلها الأشعة فوق البنفسجية، مع ألواح واقية من هذه الأشعة لنوافذ المنزل والسيارات مع توفير إضاءة خاصة بهم.
وقال الزغل إن حاملي المرض بدأوا يعيشون حياة معتادة بمجرد تطور درجات حمايتهم من الشمس والضوء، حتى أصبح الكثيرون يعيشون حياة طبيعية ومنهم من هو بصدد الاستعداد لنيل شهادة الدكتوراة.
بدوره اعتبر عبدالرزاق الحسني رئيس لجنة شؤون ذوي الإعاقة والفئات الهشة بالبرلمان التونسي أنه بات من الضروري اليوم مراجعة التشريعات الخاصة بأطفال القمر وتفعيل الإرادة السياسية الضامنة لحقوقهم، إلى جانب توعية الكوادر التربوية من خلال بث ومضات تحسيسية حول وجوب تمتع أطفال القمر بجميع حقوقهم.