تكتيك حكومي كويتي في إدارة المعركة مع البرلمان: قبضة القانون ضد سيف الاستجوابات

الكويت - قطعت العلاقة المتوتّرة بين الحكومة الكويتية المشكّلة حديثا ومجلس الأمّة (البرلمان) خطوة جديدة نحو التصعيد وذلك بقرار وزارة الداخلية إحالة نواب تتّهمهم بمخالفة الإجراءات الاحترازية المتّخذة للحدّ من انتشار فايروس كورونا إلى النيابة العامّة للتحقيق معهم، بينما قرّرت النيابة حجز نواب شاركوا في ندوة نظمها النائب السابق بدر الداهوم لاستكمال التحقيق معهم بشأن ارتكابهم المخالفة ذاتها.
ومن بين النواب المحالين على النيابة ممّن لا ينتمون للمعارضة رئيس المجلس مرزوق الغانم، لكن نوابا اعتبروا أنّ الهدف من القرار إضفاء المشروعية على مساءلة المشاركين في الندوة المذكورة ونفي تهمة الانتقائية في تطبيق القانون التي وُجّهت على الفور إلى الحكومة.
وقال الغانم في مؤتمر صحافي ” تم إبلاغي بتحويلي إلى النيابة العامة على خلفية بعض التجمعات والاحتفالات التي تمت بعد إعلان نتائج الانتخابات. وسأكون أول من يمتثل”.
وأضاف “للأمانة كانت تجمعات خالفت الإجراءات الصحية وأؤكد امتثالي التام، وسأكون أول من يحضر إلى النيابة وأول من يطلب رفع الحصانة عنّي، لنؤكد أننا في دولة دستور وقانون وأنه لا كبير فوق القانون”.
وخلال الأيام الماضية شكّلت إحالة المشاركين في الندوة التي نظّمها الداهوم قبل أن تُسقط المحكمة الدستورية عضويته في البرلمان مادة خلاف حكومي برلماني جديد عندما قرّر الداهوم بالتعاون مع النائب محمد المطير تقديم استجواب لرئيس مجلس الوزراء من محور واحد وهو “الانتقائية في تطبيق القوانين”، في إشارة إلى أنّ المساءلة الصارمة بشأن مخالفة إجراءات مواجهة كورونا لم تطبّق على أشخاص آخرين خالفوا تلك الإجراءات بحسب مقدِّميْ الاستجواب.
وقالت صحيفة القبس الكويتية نقلا عن مصدر وصفته بالمطّلع إنّ النيابة العامة استلمت رسميا ملفا من وزارة الداخلية بإحالة جميع النواب الذين احتفلوا بفوزهم بالمقاعد النيابية وطالبت بالتحقيق معهم.
وأشار المصدر إلى أن التحقيق سيشمل 38 نائبا حاليا بمجلس الأمة، وأنّ النيابة ستطلب رفع الحصانة عنهم للتمكن من مثولهم أمام القضاء وأخذ الإجراءات بحقهم بتهمة مخالفتهم الاشتراطات الصحية وعدم التزامهم بالتباعد الاجتماعي مما يُعتقد أنّه ساهم في انتشار أكثر لفايروس كورونا.
ملامح حلقة جديدة من الصراع بين السلطتين تبدو الحكومة خلالها وقد عقدت العزم على المواجهة وعدم الاستسلام
وتظهر من خلال تلك الإجراءات القانونية والقضائية المتّخذة ضدّ نواب في البرلمان الكويتي والتي جاءت دفعة واحدة بعد تشكيل حكومة الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح ملامح أسلوب جديد في المواجهة مع مجلس الأمّة الذي تغلب المعارضة على تركيبته يقوم على مواجهة سيف الاستجوابات النيابية المسلّط على الحكومة بقبضة القانون والقضاء، حيث تبيّن أنّه بالإمكان دائما إيجاد نقاط ضعف ومخالفات للقوانين يمكن النفاذ منها لمحاسبة النواب وصولا إلى الإطاحة بهم على غرار ما حدث مع الداهوم.
وخلال الفترة القصيرة التي مضت من عُمر البرلمان الذي انتُخب في ديسمبر الماضي برز الداهوم كأحد أعلى الأصوات معارضة للحكومة وسياساتها، وكان مشاركا في الاستجواب الذي أدى إلى استقالة حكومة الشيخ صباح الخالد السابقة التي لم يمض آنذاك على تشكيلها أكثر من شهر واحد.
لكنّ مطعنا قانونيا في صحّة عضويته بالبرلمان أدّى إلى إبطالها من قبل المحكمة الدستورية بناء على طعن تقدّم به مواطنان واستندا فيه إلى صدور حكم قضائي سابق بحقّه في قضية إساءة للذات الأميرية وهو ما يمنعه من الترشّح للانتخابات البرلمانية.
وسرعان ما أخذت قضية الداهوم أبعادا سياسية تجاوزت إطارها القانوني في ظلّ حالة التضامن الواسعة مع النائب من قبل عدد كبير من نواب البرلمان والتيارات السياسية التي ينتمون إليها.
وأعلن فلاح بن جامع شيخ قبيلة العوازم التي ينتمي إليها الداهوم عن مقاطعة الانتخابات التكميلية التي ستجرى لسدّ شغور مقعد النائب المسقطة عضويته، بينما عبّر نواب في البرلمان عن امتعاضهم من قرار حجز النواب الذين حقّقت معهم النيابة بسبب مشاركتهم في الندوة، معتبرين أن ذلك يصبّ في اتجاه التصعيد. كما أعلن النائب صالح الشلاحي نيته استجواب وزير الداخلية الشيخ ثامر العلي في أول جلسة يعقدها البرلمان ما لم يسحب الدعوى ضد المشاركين في ندوة الداهوم.
وتؤشر الإجراءات الحكومية ضد النواب إلى انطلاق حلقة جديدة من الصراع بين السلطتين تبدو فيها الحكومة قد عقدت العزم على المواجهة وعدم الاستسلام واستخدام مختلف الأوراق المتاحة لتجنّب متوالية الاستقالة وإعادة التشكيل في ظل ظروف صحية واقتصادية معقّدة.
وكان أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح قد دعا مؤخرا بمناسبة أداء الوزراء لليمين الدستورية أمامه “السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى التعاون البنّاء”.
ويتمتع أعضاء البرلمان الكويتي الذي ينتخب أعضاؤه لولاية مدتها أربع سنوات بسلطات تشريعية واسعة ويشهد مناقشات حادة كثيرا ما كانت تتحوّل إلى أزمات سياسية تطيح بالحكومة والبرلمان ليعاد تشكيلهما من جديد.