بنوك لبنان تكافح لزيادة رأس مالها مع اقتراب ساعة الحسم

الإفراط في الانكشاف على الدين العام يجفف منابع التحويلات المالية.
الثلاثاء 2021/02/16
بيع الأصول سيفيد بنك عودة في الوفاء بالمستهدف

تقترب البنوك اللبنانية من ساعة الحسم أواخر فبراير الجاري للإيفاء بالتزامها وزيادة رأس مالها، حيث تتعسر أمامها مهمة تحقيق المستهدف بسبب إفراطها في إقراض الدولة، ما تسبب في تجفيف نبع التحويلات المالية وهدد بتصفية عدد منها، الأمر الذي يحرم النظام المالي من مصادر التمويل في ظل أجواء من الغموض بسبب تحقيق جنائي يمس محافظ المصرف المركزي. 

بيروت - تكافح بنوك لبنانية أصابتها الأزمة المالية بالشلل وصدعتها المخاطر السياسية للوفاء بالهدف الذي وضعه لها مصرف لبنان المركزي لتعزيز دفاعاتها بزيادة رأس المال 20 في المئة نهاية هذا الشهر.

وتقول أربعة مصادر مصرفية مطلعة على الوضع إن من المتوقع أن يفي أقل من نصف البنوك الكبرى التي يبلغ عددها حوالي 12 بنكا بالشرط المستهدف الذي حدده المصرف المركزي في أغسطس الماضي لتدعيم القطاع.

والبنوك التي يتوقع أن تفي بأهداف المصرف المركزي هي تلك التي استغلت إلى حد كبير فرصة الاستفادة من حملة الأسهم أو المودعين الحاليين وحولت الودائع الدولارية المحلية إلى أدوات ملكية أو باعت أنشطة تابعة لها في الخارج.

ويؤكد الوضع حجم المشكلة التي تواجه بنوك لبنان التي أفرطت في إقراض دولة من أكبر دول العالم مديونية ولم تعد تملك سيولة مالية. وجمدت هذه البنوك إلى حد كبير الودائع الدولارية لزبائنها ومنعتهم من تحويل المال إلى الخارج منذ أواخر 2019.

ويقول بعض المستثمرين والاقتصاديين إن هذه الخطوات بسيطة لا تكاد تذكر وجاءت بعد فوات الأوان في ضوء ضخامة الخسائر التي تواجه القطاع.

وأكد رياض سلامة حاكم المصرف المركزي في تصريحات صحافية أن “نسبة العشرين في المئة المستهدفة التي حددها تعادل حوالي أربعة مليارات دولار. ويقل هذا المبلغ كثيرا عن العجز في القوائم المالية للبنوك والبالغ 83 مليار دولار وفقا لتقدير الحكومة المستقيلة العام الماضي في إطار خطة رسمتها للإنقاذ المالي”.

وقال مايك عازار مستشار تمويل الديون والمحاضر السابق في الاقتصاد الدولي بكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز “كلها (البنوك) عاجزة عن الوفاء بالالتزامات”.

وأضاف “لا يوجد احتمال للتعافي في الظروف الحالية إلى أن يظهر حل وتحدث إعادة هيكلة على مستوى القطاع بالكامل ثم زيادة جديدة لرأس المال في نهاية المطاف”.

رياض سلامة: من السابق لأوانه تقييم استجابة البنوك لزيادة رأس المال
رياض سلامة: من السابق لأوانه تقييم استجابة البنوك لزيادة رأس المال

وتقول المصادر المصرفية الأربعة إن الأمر الذي أصدره المصرف المركزي للبنوك بأن تطلب من أكبر مودعيها إعادة 30 في المئة من ودائعهم إلى البلاد لم يسفر فيما يبدو عن شيء يذكر.

وقال سليم صفير رئيس جمعية مصارف لبنان والرئيس التنفيذي لبنك بيروت إن “معظم البنوك ستلتزم بتوجيهات المصرف المركزي”.

وقال “لو أننا اعتقدنا أنه لا أمل في التعافي لكنا أوقفنا نشاطنا الآن. التحديات صعبة لكن لنا تاريخ في المرونة والابتكار وسنتكيف مع الوضع الجديد”.

وقال المصرف المركزي إن “من السابق لأوانه تقييم استجابة البنوك لزيادة رأس المال المستهدفة ولطلب آخر منه بزيادة السيولة لدى بنوك المراسلة التي تتعامل معها ثلاثة في المئة”.

وقال سلامة في رده بالبريد الإلكتروني “مع ذلك تقدمت كل البنوك تقريبا بطلبات لزيادة رأس المال وتم بذل جهد كبير لزيادة السيولة”.

وسلم بأن البنوك قد تتطلب زيادة أكبر في رأس المال وقال في رسالته إن “المصرف المركزي سيعمل مع البنوك لمعالجة هذه المسألة كل على حدة”.

ومع اقتراب انتهاء المهلة في آخر فبراير الجاري تزايدت التكهنات على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن البنوك التي قد تتم تصفيتها. وفي الأسبوع الماضي أصدر المصرف المركزي بيانا قال فيه إن هذا الجدل لا يمت للحقيقة بصلة.

وقد حذر حاكم المصرف من أن البنوك التي تعجز عن الوفاء بالمستهدف ستضطر إلى إنهاء نشاطها، غير أن بعض المصرفيين قالوا إنهم يتوقعون تمديد المهلة لأنه لا أمل يذكر في جذب استثمارات جديدة.

وتتصور خطة الإنقاذ المالي التي وضعتها الحكومة المستقيلة شطب رؤوس أموال، غير أن معارضة المصرفيين والساسة نسفت الخطة الأمر الذي ساهم في انهيار المحادثات الخاصة بالتمويل مع صندوق النقد الدولي.

وقال خالد عبدالمجيد مدير صناديق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى أس.إيه.أم كابيتال بارتنرز للاستشارات الاستثمارية في لندن “زيادة رأسمالها (البنوك) بنسبة 20 في المئة مفيدة لكنها غير كافية”.

وأضاف “لا يمكن أن أمس أسهم البنوك اللبنانية بأي سعر، فالأمور ستتدهور بشدة في لبنان قبل أن تتحسن”.

وقد أثار استخدام سلامة ما وصفه بـ”الهندسة المالية” في سبيل الحفاظ على قدرة لبنان على تمويل احتياجاته انتقادات. ويواجه سلامة تدقيقا جديدا يقول مصرفيون إنه يثير تساؤلات بشأن مستقبله.

فقد قال المدعي العام السويسري الشهر الماضي إنه يحقق في احتمال حدوث اختلاس يمس مصرف لبنان المركزي. ونفى سلامة ارتكاب أي مخالفات ولم يرد على طلب للتعليق على الكيفية التي قد يؤثر بها التحقيق على وضعه وعلى القطاع المصرفي عموما.

وقد باع بنك عودة وبنك بلوم، أكبر بنكين في البلاد من حيث حجم الأصول، أنشطة تابعة لهما في الخارج للمساعدة على تحسين وضعهما المالي.

وقالت إدارة بنك عودة في بيان لرويترز “حصيلة بيع العمليات الخارجية ستتيح لنا الوفاء بالشروط التنظيمية المعنية وفي الوقت نفسه تؤهل بنك عودة بين البنوك اللبنانية القادرة على الاستمرار برأسمال كاف ومستويات سيولة كافية”.

Thumbnail

ولم يرد بنك بلوم بشكل فوري على طلب من رويترز للتعليق على ما حققه من تقدم في زيادة رأس المال ومستويات السيولة. وكان البنك قال الشهر الماضي إن بيع وحدته العاملة في مصر سيسمح له بالالتزام بالهدف الذي رسمه المصرف المركزي.

وعلى مدى سنوات ظلت بنوك لبنان بين أكبر بنوك العالم ربحية مستعينة بتحويل أموال اللبنانيين المنتشرين في المهجر لدعم الحكومة مقابل عائدات مرتفعة.

غير أن الانكشاف على الدين العام كان في نهاية الأمر سبب الأزمة التي حلت بالبنوك إذ جف نبع التحويلات المالية من الخارج وتفجرت الاحتجاجات المناهضة للفساد ما حرم النظام المالي من مصادر التمويل.

وخلال العامين الأخيرين فقدت البنوك التجارية ودائع قيمتها نحو 49 تريليون ليرة لبنانية أي ما يعادل حوالي 22 في المئة من أصولها الإجمالية الحالية ومن المرجح أن يكون كبار المودعين في صدارة المتضررين من أي حل للأزمة المصرفية.

ولأن السندات الحكومية تمثل أغلب أصول البنوك فقد أصبحت هذه البنوك أكبر ضحية لعجز الحكومة عن الوفاء بسندات دولية مستحقة بقيمة 1.2 مليار دولار في مارس الماضي.

ويتمثل جانب كبير من باقي أصول البنوك في العقارات التي انخفضت تقييماتها وسط الركود الاقتصادي.

وقال الاقتصادي نافذ ذوق إنه “إذا قدرت قيمة هذه الأصول بقيمتها السوقية واقترنت بشطب حصص في رأس المال ترتبط بالانكشاف على الدين الحكومي فإن الخسائر ستطغى على قاعدة رأس المال في القطاع المصرفي”.

وطلب المصرف المركزي من البنوك في أغسطس تجنيب مخصصات لخسائر تعادل 1.89 في المئة عن ودائعها بالعملة الصعبة لدى المصرف المركزي وخسائر تبلغ 45 في المئة عما بحوزتها من سندات الدين الحكومي، وهي مستويات قال بعض الاقتصاديين إنها تستهين بحجم المشكلة.

وقد انخفضت الليرة اللبنانية بنسبة 80 في المئة منذ أواخر عام 2019، وقدرت مؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية أن نسبة الخسائر عن محافظ السندات الدولية تتجاوز 65 في المئة.

ويتفق الكثير من المصرفيين في لبنان بصفة غير رسمية على أن من الضروري تقليص القطاع المصرفي الحالي بشدة. ويضم القطاع ما لا يقل عن 40 بنكا وقد تضخمت أصوله لتصل إلى ما يعادل 167 في المئة من الناتج الاقتصادي للبلاد في ذروتها الأخيرة عام 2015.

ويسلم البعض بأن الحل سيفرض على حملة الأسهم والسندات وزبائن البنوك تحمّل خسائر.غير أنه لا يوجد إجماع على عدد البنوك التي ستضطر إلى تصفية نشاطها وعلى حجم الخسائر.

وفي ظل غياب حكومة جديدة وبقاء حكومة تصريف الأعمال الحالية منذ استقالتها في أغسطس الماضي وسط سخط شعبي على الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت يسلم المصرفيون بأن الحل مستبعد على المدى المنظور.

10