مزارعو مصر يكثفون جهودهم للتأقلم مع تقنيات الري الحديثة

نظام لقيس رطوبة التربة لزيادة الإنتاج وتوفير المياه.
الثلاثاء 2021/02/16
خطة استراتيجية لمعالجة نقص المياه

يحاول المزارعون المصريون التأقلم مع تقنيات في مجالات الري لتوفير المياه وزيادة الإنتاج، حيث يستخدم نظام الري الجديد حساسات لتتبع مستويات الرطوبة في التربة ما يمكّن من قياس الكمية الكافية ضمن مخطط مشروع مصر لمعالجة نقص المياه على مدى 20 عاما.

سمالوط (مصر) – بدأ المزارعون المصريون باستخدام نظام الري الجديد الذي يعتمد على حساسات لقياس مستويات الرطوبة وجهاز لإرسال البيانات إلى المستخدم لتجنب إهدار المياه والتمكن من تحديد المقدار الكافي بسهولة ضمن خطة مشروع مصر لمعالجة نقص المياه وزيادة الإنتاج الزراعي.

ويروي بعض المزارعين قصص تأقلمهم مع التقنيات الجديدة حيث تقول إيمان عيسى “عندما توفي زوجي وتويلت إدارة مزرعته في جنوب مصر، وجدت نفسي أتساءل متى يحتاج محصول القمح إلى الري؟”.

وقالت عيسى (36 عاما) إنها “ستلجأ إما لاستخدام الكثير من المياه في قطعة أرض مساحتها فدانان خارج مدينة سمالوط أو أنها ستوظّف مزارعا آخر لتولي مهمة الري”.

وفي ديسمبر الماضي انضمت عيسى وهي أم لأربعة أطفال إلى مشروع حكومي جديد يستخدم حساسات تسمح برؤية متى تكون التربة جافة بالضبط وكمية المياه التي تحتاجها، كل ذلك من خلال تطبيق على هاتفها.

وتقول عيسى “عندما سمعت لأول مرة عن النظام الجديد، لم أكن أعرف بالضبط كيف سيفيدني. ولكن عندما علّمني الناس كيف يعمل وجدت أنه مفيد حقًا وسيوفر لي الكثير من الجهد والمال”.

وفي الأسابيع القليلة التي انقضت منذ أن تعلّمت النظام الجديد، استخدمت عيسى مياهًا أقل بنسبة 20 في المئة وانخفضت تكاليف العمالة لديها بمقدار الثلث تقريبًا.

ويستخدم النظام الذي طورته وزارة الموارد المائية والري وجامعة العلوم الحديثة والآداب بالقاهرة حساساً مدفونًا في التربة لقياس مستويات الرطوبة وجهازا لإرسال البيانات إلى المستخدم الذي يستطيع الحصول عليها من خلال تطبيق يتم تحميله على الجوال.

وحتى لو كانوا بعيدين عن حقولهم يمكن للمزارعين معرفة ما إذا كانت محاصيلهم بحاجة إلى المزيد من المياه أم أنها مكتفية.

محمد غانم: المشروع جزء من خطة لتشجيع طرق الري الحديثة
محمد غانم: المشروع جزء من خطة لتشجيع طرق الري الحديثة

وتعد عيسى واحدة من عشرات المزارعين الذين بدأوا في استخدام النظام الجديد الذي تم إطلاقه في ديسمبر في محافظة المنيا في صعيد مصر وفي محافظة الوادي الجديد في الجنوب الغربي.

وقال محمد غانم المتحدث باسم وزارة الري إن “المشروع في مرحلته التجريبية يعتبر جزءاً من إستراتيجية وطنية لتشجيع استخدام طرق الري الحديثة”.

وأوضح أن “الهدف هو تقليل استخدام المياه وزيادة إنتاجية المحاصيل وخفض تكاليف الإنتاج حيث تواجه مصر ضغوطًا متزايدة على المياه”.

وقال عبر الهاتف إن “النتائج الأولية تشير إلى النجاح في توفير كميات كبيرة من المياه وتقليل تكاليف الإنتاج”، مضيفا أن “الحكومة لا تزال في طور جمع البيانات عن تأثير المشروع”.

وأضاف غانم أن الوزارة قدمت حتى الآن 200 جهاز مجانيا للمزارعين، لكن بعد انتهاء الفترة التجريبية ستبدأ في بيعها في جميع أنحاء البلاد ولم يتم تحديد السعر حتى الآن.

وفي مزرعة أخرى بالقرب من مزرعة عيسى بمحافظة المنيا، قال جرجس شكري إن “الجمع بين تطبيق الجوال الجديد ونظام الري بالتنقيط الذي قام بتركيبه هو وزوجته في أوائل العام الماضي كان بمثابة دفعة كبيرة”.

وقال شكري (32 عامًا) إنه يستخدم الآن مياهًا أقل بنسبة 15 في المئة، بينما تحسنت جودة محاصيل الخضر وقفز الإنتاج بنحو 30 في المئة. وقال “يجب أن نكون مستعدين في حالة حدوث أي نقص في المياه من خلال اتباع طرق ري وزراعة جديدة”.

وأشار تقرير صدر عام 2019 عن المركز المصري للدراسات الإستراتيجية إلى أن “الزراعة تستهلك كل عام أكثر من 85 في المئة من حصة البلاد من نهر النيل الذي يوفر الجزء الأكبر من إمدادات المياه في مصر”.

ويقول المسؤولون إن مصر لديها حاليا حوالي 570 مترا مكعبا (150 ألف غالون) من المياه للفرد سنويا. ويعتبر الخبراء الدولة “فقيرة مائيا” إذا كانت إمداداتها السنوية أقل من 1000 متر مكعب للفرد.

وفي عام 2017 شرعت مصر في وضع إستراتيجية مدتها 20 عامًا للتصدي لتحديات المياه التي تواجهها والتي يقول الخبراء إنها “أصبحت ملحة بشكل متزايد في مواجهة تزايد عدد السكان والجفاف المرتبط بتغير المناخ والمخاوف من حرمانها من الوصول إلى مياه نهر النيل”.

الزراعة تستهلك كل عام أكثر من 85 في المئة من حصة البلاد من نهر النيل
الزراعة تستهلك كل عام أكثر من 85 في المئة من حصة البلاد من نهر النيل

وبحسب وكالة الإحصاء المصرية فإن حوالي 70 في المئة من مياه البلاد تأتي من نهر النيل، أي ما يعادل 55.5 مليار متر مكعب سنويًا بناءً على اتفاق عقد عام 1959 مع السودان.

لكن الاتفاق لم تعترف به إثيوبيا التي بدأت الآن في ملء الخزان خلف سد النهضة الضخم الجديد.

ويشك بعض الخبراء الزراعيين في فعالية نظام الري المتنقل الجديد، مشيرين إلى التكلفة وحقيقة أن العديد من المزارعين لن يكونوا على دراية بهذه التكنولوجيا.

وقال عباس شراكي الأستاذ المشارك في الجيولوجيا الاقتصادية بجامعة القاهرة إن “النظام يمكن أن يفيد كبار المزارعين التجاريين، لكنه لن يكون مفيدًا لكثير من صغار المزارعين”.

وتابع “بدأت بعض الشركات في مصر بالفعل في تطبيق تكنولوجيا الري المتنقلة في الزراعة لتحسين الجودة والإدارة. لكن تطبيقها على الأفراد سيكون صعبًا لأنهم سيحتاجون إلى التدريب والموارد الكافية”.

وأفاد يوسف البهواشي وهو مهندس زراعي لديه مزرعة في مدينة الجيزة ولم يقم بتركيب النظام الجديد إن “العديد من المزارعين لا يستخدمون الهواتف المحمولة”.

وأضاف “مع خبرتهم الطويلة في مجال الري والزراعة لا يمكن إقناعهم بسهولة باستخدام جهاز جديد سيكلفهم المال وربما لن يكونوا قادرين على التعامل معه”.

وأفادت صفاء عبدالحكيم المشرفة على المشروع بمدينة المنيا أن “المزارعين الذين يتلقون الأجهزة يتدربون على كيفية استخدامها”. وقالت إنها ليست خبيرةً في التكنولوجيا وكان من الصعب جدًا مواكبة جميع التغييرات. 

لكنها تعتقد أن تبني اتجاهات الري الجديدة والمتطورة حول استهلاك المياه سيساعد المزارعين في مصر على التعامل مع كل ما يحدث في المستقبل. وقالت “إن التعرف على التقنيات الجديدة لن يساعدني فقط في إدارة أرضي بشكل أفضل، ولكن أيضًا في التكيف مع أي تغييرات في المستقبل”.

11