ملامح تحالفات جديدة في العراق تدور حول "مشروع الدولة"

بغداد - تسعى أطراف عراقية وازنة بينها الرئيس برهم صالح ورئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وزعيم تحالف “عراقيون” عمار الحكيم إلى بناء تحالف وطني أوسع على قاعدة البحث عن عقد سياسي جديد يتمركز حول مشروع الدولة الوطنية بعد فشل المشاريع الطائفية.
ودعت الشخصيات الثلاث إلى الخروج من الوضع الحالي القائم على الصراعات الطائفية ورهن العراق منذ 2003 إلى الفساد والولاءات الخارجية، وهو ما يستدعي تحالفات أكثر تماسكا على قاعدة الهوية الوطنية بدل عملية سياسية قائمة على المحاصصة.
ودعا الرئيس العراقي، السبت، إلى مراجعة العملية السياسية في البلاد، مؤكدا الحاجة إلى تأسيس عقد سياسي جديد.
جاء ذلك خلال مشاركته في الفعالية السنوية لـ”يوم الشهيد”، نظّمها بالعاصمة بغداد، تيار “الحكمة الوطني” (19 مقعدا من أصل 329 بالبرلمان).
و”يوم الشهيد”، هو الذكرى السنوية لاغتيال زعيم المجلس الأعلى الإسلامي (تيار الحكمة الوطني الحالي) محمد باقر الحكيم، بسيارة مفخخة في محافظة النجف (جنوب) عام 2003.
وقال صالح “نحن في حاجة إلى مراجعة مجمل العملية السياسية، وتأسيس عقد سياسي جديد يضمن تصحيح المسارات ويلبي طموحات الشعب”.
وأضاف “نحن أمام مفترق طرق، أمام العودة إلى التقاطعات، وأمام التقدم لمشروع الدولة”، مردفا “يجب عدم السماح بجعل العراق ساحة للتصفيات الإقليمية”.
وقال “الانتخابات المبكرة، مطلب أفرزه الحراك الشعبي، ويجب عدم التهاون في تحقيقه”.
ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة بالعراق، في الـ10 من أكتوبر المقبل وسط توقعات ببناء تحالف عابر للطائفية يجمع بين نواب شيعة وسنة وأكراد لدعم الكاظمي في مواجهة ضغوط الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران. ويستفيد هذا التحالف من الزخم الذي وفرته انتفاضة أكتوبر 2019 والغضب الشعبي الواسع على الأحزاب الطائفية.
من جهته، قال رئيس الوزراء العراقي في كلمة خلال نفس الفعالية “عملت منذ اليوم الأول لبناء الدولة، وليس لديّ غرض لإضعاف القوى السياسية”.
وذكر الكاظمي، أن “المناكفات السياسية استمرت بعد استلامي المنصب، بسبب عدم وجود الثقة، والتزمت عدم الرد على الكثير من الأكاذيب التي طالت الحكومة”.
وتعهد بمواصلة محاربة الفساد، مؤكدا أن “لجنة مكافحة الفساد ستواصل عملها رغم كل ما يثار عنها من أكاذيب”.
وفي أغسطس الماضي، شكل الكاظمي، لجنة خاصة للتحقيق في ملفات الفساد الكبرى، وأوكل مهام تنفيذ أوامر الاعتقالات إلى قوة خاصة برئاسة الوزراء.
وتعد محاربة الفساد على رأس مطالب احتجاجات عارمة شهدها العراق منذ أكتوبر 2019، ولا زالت مستمرة على نحو محدود في مختلف مناطق العراق.
ويترقب العراقيون تحقيق وعود الكاظمي بكشف حقائق الفساد الكبرى وخاصة أخذ مسافة بينه وبين الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران والتي قادت العراق منذ 2003 وأوصلته إلى الوضع الصعب الذي يعيشه.
ويرى مراقبون محليون أن قضية الفساد ستكون مقياسا لمستقبل الكاظمي، وهل يقدر فعلا على مواجهة “الحيتان الكبيرة” المرتبطة بشخصيات نافذة أو بالميليشيات، محذرين من أن انشغال أجهزة الرقابة بملاحقة الموظفين غير الحزبيين أو المنتمين إلى أحزاب ضعيفة أو لا تشارك في السلطة، هو مجرد عملية تخدير للعراقيين، الذين أصبح الحديث عن مكافحة الفساد يستفزهم كثيرا.
وتساءل المراقبون هل يمكن فعلا بناء تحالف عراقي على قاعدة الهوية الوطنية العابرة للطوائف، وأيّ جهة يمكن أن تغامر بهويتها الطائفية لأجل المشروع الوطني، خاصة أن هناك من يركب هذه الموجة لاستعادة الأضواء التي فقدها مثل رئيس تحالف “عراقيون”.
وقال عمار الحكيم، في مناسبة “يوم الشهيد” إن “المسلمين الشيعة في العراق وفي المنطقة العربية وفي كل مكان سيتمسّكون بخيار الدولة والمواطنة وسيستوفون حقوقهم في ظل دولهم لا بمعزل عنها، كما هو الحال في بقية الطوائف والمكونات، فهم جزء رئيس وأصيل من أوطانهم”.
وحذر من أن “استمرار الأزمات والتقاطعات، والفوضى وتضارب المصالح والرؤى، ومحاولات إضعاف الدولة ومؤسساتها، وضعف التخطيط والخدمات، كلها عوامل ضاغطة على الوطن والمواطن”.
وأكد “آن الأوان لنتفق على هوية وطنية جامعة، ودولة عصرية عادلة يحكمها عقد اجتماعي وسياسي جديد، يعالج تراكمات الماضي ويواكب تطورات الحاضر ويتطلع إلى مستقبل مستقل ومستقر ومزدهر”.
ويقول المراقبون إن الحكيم، الذي فقد نفوذه داخل البيت الشيعي لفائدة الأحزاب والشخصيات الأكثر ولاء لإيران، يحاول استعادة المبادرة من خلال ركوب المشروع الوطني، والحديث عن “مصالح الشيعة خارج نفوذ إيران”، وإنه يسعى لتطويق خسارة الرهان على تحالفاته مع حزب الدعوة والتيار الصدري.
وحذروا من أنه قد يعود إلى مربعه الطائفي بمجرد تلقيه إشارة رضا من إيران، تماما مثل ما يفعل مقتدى الصدر، وأنه حتى لو كان جادا في الانخراط بمسار التحالف العابر للطائفية، فسيكون تحت ضغوط كثيرة تجعل من دوره في هذا التحالف هشا ومحدود التأثير.