الإخوان يوظفون "الاختيار 2" لدعم خطاب المظلومية

تكثيف الأعمال الوطنية يضيّق الخناق على محاولات الإخوان توجيه الحالة الفنية لخلق حالة سياسية مضادة.
الجمعة 2021/02/12
"الاختيار 2" يزعج الإخوان قبل بدء عرضه

مثّل نجاح الجزء الأول من المسلسل المصري “الاختيار” ضربة قاصمة لجماعة الإخوان وخطاب المظلومية السياسية الذي يعتمدونه لتأليب الرأي العام ضد تضحيات عناصر الشرطة المصرية وبطولاتهم في مكافحة إرهابهم. وكان ظهور صور من كواليس تصوير الجزء الثاني من العمل، المنتظر عرضه في الموسم الرمضاني 2021، دليلا على أن الإخوان انطلقوا مبكرا في بث رسائل مظلوميتهم في وجه كل ما يفضح مشاريعهم الإرهابية.

القاهرة- حرّكت جماعة الإخوان أذرعها الإلكترونية مبكرا قبل عرض مسلسل “الاختيار 2” في شهر رمضان المقبل، مستغلة إحدى الصور التي انتشرت للفنان أحمد مكي وهو يرتدي زي الشرطة المصرية أثناء تصوير أحد مشاهد المسلسل، الذي يسلّط الضوء على جرائم التنظيم ضد قوات الجيش والشرطة والأعمال الإرهابية التي قام بها أتباعه عقب سقوط حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، منذ نحو سبع سنوات.

وأعاد التنظيم خطاب المظلومية السياسية عبر واجهة فنية هذه المرة، واستدعت عناصره صورا من حادث فضّ اعتصامي ميداني رابعة العدوية في القاهرة، والنهضة في الجيزة المجاورة لها، في 14 أغسطس 2013.

وتعمّد هؤلاء إثارة جدل بين المؤيّدين والمعارضين على مواقع التواصل الاجتماعي حول العمل، الأمر الذي يطرح جملة من الأسئلة حول كيفية حماية الأعمال الفنية الوطنية التي تناقش أوضاعا سياسية من تشويه أطراف معادية وتوظيفها لصالح استقطاب المشاهدين، وفرض حالة مسبقة من الاستنفار السلبي، بما يؤثّر على قيمة العمل، والسعي إلى تفريغه من مضمونه السياسي غير المباشر.

ضربات فنية

ماجدة موريس: السرية مطلوبة في تصوير الأعمال الوطنية لقطع الطريق على الخصوم
ماجدة موريس: السرية مطلوبة في تصوير الأعمال الوطنية لقطع الطريق على الخصوم

يركّز مسلسل “الاختيار 2” بشكل كبير على دور الشرطة المصرية في مكافحة الإرهاب، وصياغة هذا الدور بصورة فنية، وهو من بطولة أحمد مكي وكريم عبدالعزيز عن سيناريو وحوار لهاني سرحان وإخراج بيتر ميمي، ما يمثّل استثمارا للنجاح الذي حقّقه العمل في الجزء الأول منه الذي عرض في رمضان الماضي، وأبرز بطولات الجيش المصري في التصدّي للإرهابيين بمنطقة سيناء، وكذلك بطولة أمير كرارة الذي عرف بأدواره التي تتعرّض لتضحيات الجيش والشرطة، وبرع في تجسيد ذلك في مسلسل “كلبش”، وفيلم “حرب كرموز”.

وشدّدت الناقدة الفنية، ماجدة موريس، على ضرورة تحلّي الفنانين المشاركين في الأعمال الوطنية بالحيطة والحذر كي لا يتسببوا في إثارة الرأي العام وخدمة مصالح الخصوم، فخروج صورة لأحمد مكي، مثلا، جرى توظيفها لصالح استدعاء مظلومية فضّ اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وفي تلك الحالة من الأفضل أن يجري الإعداد لهذه الأعمال في أجواء تغلب عليها السرية إلى حين العرض في شكله النهائي.

وأكّدت موريس لـ”العرب”، أن للفنان ذاته دورا مهمّا لنجاح العمل، فلا بد أن يتحلى بالحكمة بعيدا عن الأساليب الدعائية المتبعة في الأعمال الدرامية أو الكوميدية، فالمشاركة في أعمال وطنية تتطلّب حسا سياسيا من الفنان، بحيث لا ينساق وراء جدل يستهدف التقليل من شأن العمل الفني وأحداثه الدرامية.

ويقول خبراء، إن العمل الفني الجديد مهما كانت الانتقادات التي يوجّهها إلى الجماعة، فقد يمنحها ميزة نسبية، حيث يعيدها إلى دائرة الضوء من زاوية جماهيرية، وفقا لقاعدة إعلامية تؤكد على “أن تذكر بشكل سلبي خير من ألّا تذكر أبدا”، وعلى ذلك لن يتوقّف استغلال الإخوان لمسلسل “الاختيار 2” فهو مناسبة ليعيد الجماعة إلى المشهد، ولو من الباب الفني.

"الاختيار 2" يركّز على دور الشرطة المصرية في مكافحة الإرهاب، ما يخوّل للمواطنين معرفة تفاصيل ما يجري على الأرض
"الاختيار 2" يركّز على دور الشرطة المصرية في مكافحة الإرهاب، ما يخوّل للمواطنين معرفة تفاصيل ما يجري

ويحاول التنظيم استعادة الجدل الذي صاحب خروج مسلسل “الجماعة 1 و2” إلى النور، حيث ركّز على نشأة التنظيم ومؤسّسه حسن البنا، وخاضت الجماعة حروبا إعلامية مع مؤلفه الراحل وحيد حامد، ووظّفت ثورة يناير 2011 التي اندلعت بعد أشهر قليلة من عرض الجزء الأول من المسلسل لتبرهن على عدم جدواه.

واعترف منشقّون عن الجماعة لاحقا، أن الإخوان خرجوا رابحين من هذا العمل في المجمل، لأنه كشف عن مناطق كانت غامضة على الجيل الجديد، ففي مقابل الانتقادات التي حملها كانت هناك نقاط بدت إيجابية فرضها السياق الدرامي الحقيقي للأحداث، مثل تأييد الجماعة لثورة 23 يوليو 1952 في مصر، التي قادها الرئيس جمال عبدالناصر وعدد من ضباط الجيش المصري ضد النظام الملكي في ذلك الوقت.

ويشكّل غياب الدراما والسينما عن الأعمال الوطنية التي تغذّي جوانب التوعية والتثقيف لدى المواطنين فرصة لتنظيم الإخوان لتوجيه الضربات إلى الأعمال القليلة التي ترى النور وتركّز على الجرائم التي ترتكبها الجماعة، ما يبرهن على أن هناك أزمة وعي يعاني منها المجتمع الذي هو بحاجة إلى تكثيف تلك الأعمال بشكل احترافي، بما يضيّق الخناق على محاولات توجيه الحالة الفنية لخلق حالة سياسية مضادة.

ويحتاج الأمر أيضا إلى معالجات درامية تبدّد فكرة المظلومية التي يجيدها الإخوان، وتقنع بعض المواطنين في المناطق التي تزايد فيها نفوذ الجماعات المتشدّدة، واستخدام أدوات مختلفة لتشكيل الوعي، كي لا تصبح الدراما جزيرة منعزلة عن المجالات الثقافية والدينية والتعليمية، وهو أمر لا يتوفّر حاليا بدرجة كبيرة ما يمنح التنظيم قدرة على توجيه العمل الدرامي عبر التشكيك في الوقائع التي يرصدها المسلسل.

حرفية درامية

أحمد مكي مع المخرج بيتر ميمي في كواليس مسلسل "الاختيار 2"
أحمد مكي مع المخرج بيتر ميمي في كواليس مسلسل "الاختيار 2"

قال الناقد الفني، سمير الجمل، إن قدرة الأعمال الوطنية على الوصول إلى المواطنين ترتبط بعدم إتاحة الفرصة لجماعات الإسلام السياسي بالدخول في معارك جدلية حول العمل وأهدافه، على أن ينصبّ تركيز العمل الفني على كشف الممارسات التي تضرّر منها المجتمع طيلة السنوات الماضية، فالسلاح الأقوى يبقى بيد شركات الإنتاج وأجهزة الدولة التي تستطيع تقديم الكثير من الأعمال لفضح مؤامرات تلك الجماعات.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، أن المشكلة تكمن في عدم قناعة الكثيرين بضرورة تغيير أهداف الدراما لتأتي التوعية على رأس أولوياتها بدلا من الترفيه الذي أضحى متاحا أمام الجمهور عبر الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي، وميزانيات الإنتاج الدرامي والسينمائي لا بد أن توجه نحو الإبداع التثقيفي، ما يخلق رأيا عاما داعما للقضايا التي تطرحها الأعمال الفنية الوطنية.

وطالب الجمل بأن يكون هناك تعاون فني عربي يرصد جرائم الإخوان في البلدان العربية، يهتم بأوجه التشابه بين جرائم التنظيم في كل دولة على حدة، ليكون له مردود إيجابي في إقناع المواطنين بخطورته، واستغلال نجاح مسلسل “الاختيار” في جزئه الأول نحو دفع هذا النوع من الأعمال التي تلقى نسب مشاهدة مرتفعة لرغبة المواطنين في معرفة تفاصيل ما يجري على الأرض من خلال الدراما.

غياب الدراما والسينما عن الأعمال الوطنية التي تغذّي جوانب التوعية والتثقيف لدى المواطنين يشكّل فرصة لتنظيم الإخوان لتوجيه الضربات إلى الأعمال القليلة

ومن المقرّر أن يشهد موسم رمضان المقبل عرض ثلاثة أعمال وطنية، إلى جانب “الاختيار 2″، الذي انتهى مخرجه بيتر ميمي من تصوير أكثر من 70 في المئة من مشاهده، وسوف تعرض الفضائيات المصرية مسلسل “هجمة مرتدة” الذي يتناول قصة من قصص المخابرات المصرية، وهو بطولة هند صبري، نضال الشافعي، صلاح عبدالله، هشام سليم، ماجدة زكي، محمود البزاوي، ومن تأليف باهر دويدار وإخراج أحمد علاء.

وكان من المقرّر عرض العمل في رمضان الماضي، إلا أنه تعرّض لمشكلات في التصوير الخارجي، بسبب توقف حركة الطيران، بعد انتشار فايروس كورونا.

ويعرض مسلسل “القاهرة – كابول” الذي لم يلتحق بموسم رمضان الماضي بسبب الأوضاع التي فرضها انتشار كورونا أيضا، ويتناول قصة ثلاث شخصيات، وهي: إعلامي يجسّد شخصيته فتحي عبدالوهاب، وضابط شرطة ويجسّد شخصيته خالد الصاوي، وإرهابي يؤدي دوره طارق لطفي، ويناقش العمل كيف يحصل الثلاثي على نفس القدر من التعليم والنشأة، إلا أن كلا منهم يمضي في اتجاه مختلف، وهو من تأليف عبدالرحيم كمال وإخراج حسام علي.

ويبدو انفتاح الدراما المصرية على الأعمال التي تجسّد القيم الوطنية أمرا إيجابيا، غير أن ذلك سيكون بحاجة إلى حرفية تقنع المشاهدين الذين عايشوا هذه الأحداث ومرت أمام أعينهم، بما لا يترك ثغرات ينفذ منها تنظيم الإخوان الذي ينتظر أي خطأ في السياق التاريخي لتشويه العمل وضربه فنيا.

16