الجزائر تسعى لسحب البساط من تحت أقدام فرنسا في منطقة الساحل

الجزائر - تدفع الجزائر باتجاه سحب البساط من تحت فرنسا في منطقة الساحل والصحراء، رغم التقارب الظاهر بين البلدين في مختلف العلاقات الثنائية، وهو ما يبرز حدة التجاذب الاستراتيجي القائم بينهما، والمعبّر عنه في موقف قيادة المؤسسة العسكرية تجاه الدور الفرنسي الذي بات يهدد العمق الاستراتيجي للجزائر.
وشكّلت دعوة رئيس دائرة التحضير في قيادة أركان الجيش الجزائري الجنرال محمد قايدي، خلال اجتماع لقادة أركان جيوش منطقة الساحل عقد بمالي الثلاثاء، دول الجنوب إلى الاعتماد على نفسها وعلى إمكانياتها في محاربة الإرهاب، رسالة واضحة على رفض بلاده للتواجد الفرنسي في المنطقة تحت ذريعة الحرب المذكورة.
وأفادت وزارة الدفاع الجزائرية في بيان الأربعاء، بأن الاجتماع حضره أيضا رؤساء أركان ثلاث دول أخرى بالمنطقة وهي مالي وموريتانيا والنيجر “لدراسة وتقييم الحالة الأمنية في المنطقة وتبادل التحاليل بشأنها”.
وتنسق جيوش الدول الأربع في جهود مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بالمنطقة في إطار لجنة الأركان العملياتية المشتركة التي تم تأسيسها عام 2010.
ونقل البيان عن قايدي دعوته خلال الاجتماع إلى “ضرورة تضافر الجهود في إطار تعاون واضح وصريح بين الدول الأعضاء، يرتكز خاصة على تبادل المعلومات وتنسيق الأعمال على طرفي الحدود، بالاعتماد أولا على الوسائل والقوى الذاتية”.
كما أكد حرص بلاده على المحافظة على التعاون في إطار هذه المجموعة “لتبادل التحاليل والآراء بكل حرية حول المواضيع المتعلقة بالمجال الأمني في منطقتنا”.
وفيما تفضّل فرنسا التدخل العسكري المباشر في دول الساحل، عبر قواعد عسكرية وطائرات مقاتلة وعمودية وأخرى دون طيار، بالإضافة إلى فرق عسكرية على الأرض، ترى الجزائر في المقابل أنه على كل دولة من دول الساحل أن تتولى قتال الجماعات الإرهابية داخل أراضيها مع تنسيق استخباراتي وعسكري بين هذه الدول على الحدود.
دعوة الجزائر دول الساحل إلى الاعتماد على إمكانياتها في محاربة الإرهاب، رسالة واضحة على رفضها للتواجد الفرنسي في المنطقة
ويبدو أن فرنسا التي تجاوزت كثيرا الدور الجزائري في المنطقة، باتت محل رفض جزائري صريح، بسبب انفرادها بالملف دون العودة إلى الجزائر على اعتبار أنها أكبر دول القارة، وتمتلك أعتى القوى العسكرية التي تراهن عليها القوى الإقليمية والدولية، لتكون مفتاح مطاردة التنظيمات الجهادية في الساحل والصحراء.
وكانت صفقة صوفي بترونين، التي أبرمتها باريس مع أكبر التنظيمات المسلحة في المنطقة لإطلاق عدد من الرهائن الغربيين، مقابل إطلاق سراح أكثر من 200 جهادي وفدية مالية قدرت بنحو 30 مليون دولار، قد فجّرت غضبا جزائريا عبر عنه كبار المسؤولين في المؤسسة العسكرية.
وشكلت الصفقة المذكورة عبئا عمليا واستراتيجيا للجانب الجزائري كون العشرات من الجهاديين الذين أطلق سراحهم باتوا يشكلون خطرا ميدانيا على الأمن الجزائري، وهو ما تأكد من خلال إفادات العناصر الثلاثة ذات الأصول الجزائرية والتي سلمت نفسها لوحدات الجيش على الحدود، وكشفت عن تفاصيل الصفقة.
واعتبرت الجزائر التي تعمل على تجريم الفدية، كونها أحد مصادر تمويل الجماعات الإرهابية، أن ما قامت به السلطات الفرنسية التي مازالت تنفي ما يتردد عن قيمة الـ30 مليون دولار، عمل يثبّط جهود الجزائر والمجموعة الدولية في مجال تجفيف منابع تمويل الإرهاب، وهو ما تأكد لديها من خلال العثور على مبلغ 80 ألف أرورو في “بيت مال” مجموعة إرهابية في محافظة جيجل خلال الأسابيع الماضية.
ولا تزال الجزائر ترفض الانخراط في القوة الأفريقية لمحاربة الإرهاب التي تقودها فرنسا في القارة الأفريقية، لشكوك لديها حول نوايا باريس في الانفراد بالوضع الأمني في المنطقة، دون العودة إليها على أنها تعتبر أكبر دول القارة وصاحبة القوة العسكرية الوحيدة التي تحوز على مقومات مواجهة التنظيمات الجهادية.
وتجلى ذلك من خلال تصفية القوات الفرنسية لقائد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبدالمالك درودكال (أبومصعب عبدالودود) في شهر يونيو من العام الماضي على الأراضي المالية دون أي تنسيق ميداني أو معلوماتي مع الطرف الجزائري، لاسيما وأن الرجل جزائري الجنسية ويكون قد تنقل على مسافة تقدر بنحو 2000 كلم على الأراضي الجزائرية قبل الدخول إلى التراب المالي.
ويعتقد مراقبون أن الجزائر تحاول الاستفادة من الفراغ الذي سيحدثه قرار باريس بخفض تواجدها العسكري في دول الساحل، إثر إخفاق جهودها في الحد من نشاط الجماعات المسلحة.
وتكبّدت قوة برخان الفرنسية المتمركزة في مالي لمواجهة الجهاديين في الساحل الأفريقي خسائر كبيرة منذ انتشارها هناك في العام 2013.
وكانت باريس قد أطلقت عملية “سرفال” العسكرية لمواجهة ما تسميه نشاط الجماعات الإرهابية في الساحل الأفريقي، واستبدلتها عام 2014 بعملية ثانية تسمى “برخان” وتضم قرابة 5000 جندي لتطهير المنطقة وهي متواصلة إلى اليوم.