الرياض تبلور خطط التحول إلى مركز أعمال إقليمي

دخلت خطط السعودية الاستراتيجية لتحويل العاصمة الرياض إلى مركز أعمال إقليمي مرحلة جديدة الأربعاء، بعد إبرامها حزمة من الشراكات مع مجموعة من الشركات العالمية تعمل في قطاعات متنوعة لإنشاء مكاتب إقليمية بالبلد الخليجي، في مسعى من الحكومة لمنافسة مدن خليجية باتت تفرض نفسها على خارطة التجارة والاستثمار.
الرياض - وضعت السعودية قدما أخرى في سياسة الإصلاح الاقتصادي ومواصلة تجسيد خطط رؤية 2030 على الأرض من خلال التركيز على جذب أكبر الشركات العالمية للاستثمار في البلاد، استعدادا لتحويل العاصمة الرياض إلى مركز إقليمي للأعمال.
ورغم أن الخطوة تأتي من أجل توفير الوظائف للسعوديين، وتحقيق عوائد أكبر لخزينة البلد الخليجي في إطار سياسة تنويع الاقتصاد في ظل عصر النفط الرخيص، إلا أنها تعكس اهتمام الحكومة بأن تكون على خارطة العالم من حيث التجارة والاستثمار أسوة بمدن خليجية أخرى مثل دبي والعاصمة البحرينية المنامة.
وجذبت سياسات الانفتاح، التي يتبناها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال السنوات القليلة الماضية، الكثير من الشركات ورواد الأعمال للعمل في أكبر اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي خطوة تعكس هذا التمشي، أبرمت 24 شركة عالمية عملاقة تعمل في مجالات مختلفة، في مقدمتها بيبسيكو وشلمبرجيه وديلويت وبي.دبليو.سي وتيم هورتينز وبيكتيل وبوش، اتفاقيات مع الهيئة الملكية لمدينة الرياض الأربعاء تهدف إلى إنشاء مكاتب إقليمية رئيسة لها في العاصمة السعودية.
وقالت الهيئة إنه من المتوقع أن يُسهم جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية، في الاقتصاد بما يتراوح بين 61 و70 مليار ريال (ما بين 16.2 و18.65 مليار دولار) بحلول 2030 من خلال الرواتب والمصروفات التشغيلية والرأسمالية لتلك الشركات ما ينتج عنه نمو في المحتوى المحلي عبر العديد من القطاعات المهمة.
ونسبت وكالة الأنباء السعودية إلى فهد بن عبدالمحسن الرشيد رئيس الهيئة قوله، إن “الهيئة ستعمل مع الشركات العالمية على برامج ومبادرات لتأهيل القيادات السعودية الشابة للعمل في تلك المقرات”.
وأوضح أنه سينتج عن جذب المقرات الإقليمية 35 ألف وظيفة للمواطنين السعوديين، إضافة إلى أن كل وظيفة تُستحدث في المقر الإقليمي تُنتج وظيفتين أو ثلاث تقريبا.
وستعمل الحكومة على تقديم العديد من الحوافز والمزايا التي ترفع من تنافسيتها إقليمياً وعالمياً لاستقطاب تلك المقرات ومنحها الوقت الكافي للانتقال والتشغيل دون أن تتأثر أعمالها، مبينة أن الحوافز المقدمة ستقتصر على المقرات الإقليمية فقط دون عملياتها القائمة خارج المقر الإقليمي.
وتأتي جهود جذب المقرات الإقليمية للشركات العالمية كعنصر من عناصر استراتيجية مدينة الرياض، التي تهدف إلى مضاعفة حجم الاقتصاد وتحقيق قفزات كبرى في توليد الوظائف وتحسين جودة الحياة وجذب وتوسعة الاستثمارات لتكون الرياض ضمن أكبر عشرة اقتصادات للمدن في العالم بحلول 2030.
ويهدف برنامج جذب المقرات إلى زيادة نسبة المحتوى المحلي، والحد من أي تسرب اقتصادي، وتنمية قطاعات جديدة، بالإضافة إلى إيجاد عشرات الآلاف من الوظائف النوعية الجديدة لأفضل الكفاءات.
وتجدر الإشارة إلى أن إيجاد بيئة استثمارية حاضنة للشركات العالمية يرافقه العديد من البرامج التكميلية المصاحبة، مثل جذب مدارس عالمية جديدة وزيادة الطلب الذي من شأنه أن يرتقي بمستوى الخدمات في المدينة.
ولا يعد جذب المقرات الإقليمية غاية، بل هو أحد ممكنات النمو الاقتصادي الذي تطمح مدينة الرياض إلى تحقيقه، ولابد من الإشارة إلى أن المملكة تعمل على العديد من التعديلات النظامية حاليًا بهدف تطوير بيئة استثمارية حاضنة للاستثمارات العالمية.
ويوجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مقرات إقليمية لما يقارب 346 شركة عالمية، نصيب السعودية منها لا يتناسب إطلاقًا مع الإيرادات والأرباح التي تحققها تلك الشركات من السوق السعودي بنسب تتراوح من 40 في المئة إلى 80 في المئة من إجمالي مبيعاتها الإقليمية.
برنامج جذب المقرات يهدف لزيادة نسبة النمو وتنمية قطاعات جديدة وتوفير 35 ألف وظيفة للسعوديين
ولذلك يأتي انتقال مقرات تلك الشركات إلى الرياض بفوائد كثيرة، وسيُسهم في تسهيل الإجراءات واتخاذ القرارات وفهم حاجات السوق بشكل أكبر وتوسعة الاستثمار في السوق السعودي.
وكشفت السعودية الشهر الماضي، عن مخطط استثمارات واعد خلال السنوات العشر المقبلة عبر مشاريع جديدة، في إطار رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد والاستفادة من قدرات المملكة غير المستغلة وتأسيس قطاعات نمو جديدة وواعدة.
وقال ولي العهد السعودي حينها إن “الفرص الاستثمارية الكبرى في المملكة ستصل قيمتها إلى 6 تريليونات دولار خلال السنوات العشر القادمة، منها 3 تريليونات دولار استثمارات في مشاريع جديدة، في إطار ما توفره رؤية 2030 من فرص لإطلاق قدرات المملكة غير المستغلة وتأسيس قطاعات نمو جديدة وواعدة”.
وتسعى السعودية إلى تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط في إطار رؤية برنامج إصلاح اقتصادي بعد معاناتها من تراجع أسعار الخام عن مستويات منتصف 2014، ولاحقا بسبب جائحة كورونا.
وتواجه أكبر اقتصادات الخليج ضغوطا اقتصادية على عدة مستويات، حيث أفادت بيانات حكومية بأن التضخم في السعودية ارتفع إلى 3.4 في المئة في 2020، مدفوعا بزيادة ضريبة القيمة المضافة إلى ثلاثة أمثالها في العام الماضي، إذ كانت المملكة تسعى إلى دعم إيرادات الدولة التي تضررت من أزمة فايروس كورونا وانخفاض أسعار النفط.
ومن المرجح أن ينمو الناتج الإجمالي للسعودية، أكبر اقتصادات المنطقة، بـ2.8 في المئة في العام الجاري انخفاضا من 3.1 في المئة في توقعات ما قبل ثلاثة أشهر.
وقالت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس في مذكرة بحثية “سيستمر تعافي الاقتصاد السعودي على مدار العام الجاري. لكن في ظل زيادة تدريجية لإنتاج النفط واستمرار تشديد السياسة المالية، فإن التعافي سيكون أبطأ على الأرجح مقارنة مع بقية دول الخليج”.
وكانت مصادر مطلعة قد كشفت الثلاثاء الماضي أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي قد يجمع 10 مليارات دولار أو أكثر من خلال قرض متجدد، وهو ما يزيد على ما كان يستهدفه في البداية، إذ يسعى صندوق الثروة السيادي لتدبير سيولة إضافية لتمويل ما يخطط له.