رهان تركي على إذكاء التوتّر العرقي في كركوك لإضعاف موقف الأكراد فيها

تحريض العرب والتركمان ضدّ إعادة قوات البيشمركة إلى المحافظة.
الخميس 2021/02/04
الراية الزرقاء التي تَطرب تركيا لرؤيتها ترفرف فوق مباني كركوك

تركيا، التي تظهر عداء قوميا لأكراد المنطقة تغلّفه عادة بمحاربة الإرهاب الذي تنسبه إليهم سواء رفعوا السلاح في وجهها أو لم يفعلوا، لا تجد بدّا من التعامل مع قيادة إقليم كردستان العراق كأمر واقع والعمل معها تحقيقا لمصالح اقتصادية وأهداف أمنية، وذلك بالتوازي مع العمل ضدّ الأكراد العراقيين منعا لتحقيقهم أيّ مكاسب كبيرة تقوّي شوكتهم وتذكي نوازع الانفصال لديهم.

كركوك (العراق) - تعمل تركيا على تأليب تركمان محافظة كركوك وعربها ضدّ سلطات إقليم كردستان العراق، وذلك بهدف ترجيح كفّة الصراع على المحافظة المتنازع عليها والغنيّة بالنفط لغير مصلحة أكراد البلاد الذين تقيم أنقرة علاقات سياسية طبيعية مع قيادتهم، لكنّها تساوي في نظرتها إليهم، بينهم وبين أكراد سوريا الذين تعاملهم معاملة الأعداء وتحتلّ أجزاء من مناطقهم بذريعة مواجهة الإرهاب.

وتقول مصادر في المحافظة إنّ الأتراك يركّزون جهودهم من خلال اتّصالات يجرونها باستمرار مع فعاليات سياسية وعشائرية عربية، وقيادات تركمانية، على قطع الطريق على عودة قوات البيشمركة الكردية إلى كركوك بعد أن كانت قد طردت منها من قبل القوات العراقية إثر تنظيم سلطات إقليم كردستان العراق استفتاء على استقلاله، وشاركت أنقرة كلاّ من بغداد وطهران في منع تنفيذ ما تمخّض عنه.

وبتحريض من تركيا يعترض تركمان كركوك على نحو خاص على إبرام أي اتّفاق قد يتمّ عقده بين أربيل وبغداد على إعادة البيشمركة للمحافظة دعما لجهود التصدّي لتنظيم داعش الذي صعّد من عملياته في عدد من مناطق العراق على رأسها ما يعرف بمثلّث الموت الممتدّ بين محافظات ديالى وصلاح الدين وكركوك.

وكانت بغداد وأربيل قد شكّلتا العام الماضي أربعة مراكز أمنية للتنسيق المشترك في ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك مهمتها تنسيق العمل لمحاربة فلول تنظيم داعش.

وتحذّر المصادر من أنّ رهان تركيا على إذكاء النعرات القومية في كركوك يصعّد التوتّر بين سكّانها، خصوصا في ظل حالة عدم الثّقة التي تحكم المكوّنات التي ينتمون إليها.

وحذّر نواب عن المحافظة في مجلس النواب العراقي، الثلاثاء، مما سمّوه محاولات سلطات إقليم كردستان إعادة البيشمركة إلى الحدود الإدارية لكركوك.

وجاء في بيان مشترك للنواب التركمان والعرب عن المحافظة أنّ “سلطات الإقليم تحاول التمدد إلى الحدود الإدارية لمحافظة كركوك وإرسال قوات البيشمركة لمناطق قضاء دبس حيث الآبار النفطية التابعة لشركة نفط الشمال”، الحكومية.

وأضاف النواب الستّة “نرفض رفضا قاطعا عودة قوات البيشمركة إلى داخل الحدود الإدارية لمحافظة كركوك”، مطالبين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالتدخل وبسط سيطرة القوات الاتحادية على كامل الحدود الإدارية لمحافظة كركوك.

وتطالب سلطات إقليم كردستان العراق بشكل مستمرّ بعودة البيشمركة إلى كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها لأجل إدارتها بصورة مشتركة.‎

أكراد العراق مضطرون إلى التعامل مع تركيا حفاظا على مصالح سياسية واقتصادية وتجنبا لمواجهة مصير أكراد سوريا

ورغم العداء التركي المضمر لأكراد العراق، إلاّ أنّ أنقرة تواصل إقامة علاقات طبيعية، بل جيّدة في أغلب الأحيان، مع قيادة إقليم كردستان العراق وذلك على أسس منفعية مباشرة.

وعلى مضض تسلّم تركيا بوجود إقليم للأكراد في شمال العراق يتمّتع بسلطات واسعة في إدارة شؤونه المحلّية تجعله في وضع قريب من الاستقلال عن الدولة الاتّحادية العراقية.

لكن أنقرة التي لا تريد حتى مجرّد الاعتراف بتسمية “إقليم كردستان العراق”، ويستخدم إعلامها تسمية بديلة هي “إقليم شمال العراق”، تعرف كيف تستخدم العلاقة مع القيادة الكردية العراقية لمصلحتها، بينما لا تجد تلك القيادة بدّا من التعامل مع أنقرة حفاظا على بعض المكاسب السياسية والاقتصادية، وأيضا لتجنّب التعرّض للأذى التركي على غرار ما يتعرّض له أكراد سوريا.

وتنسّق سلطات إقليم كردستان العراق بشكل مستمر مع تركيا في المجالات الأمنية وتساعدها على ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني المصنّف تنظيما إرهابيا من قبل أنقرة داخل الأراضي العراقية. كما تستطيع تركيا عن طريق أكراد العراق الوصول إلى النفط العراقي والاستفادة منه.

ورغم أنّ تركيا كثيرا ما تواطأت مع أكراد العراق في موضوع النفط الذي يستخرج من إقليمهم وساعدتهم على تسويقه بشكل مستقل خارج سلطة الدولة العراقية، إلاّ أنها لا تريد مع ذلك أن ترى نفط كركوك يقع تحت سيطرتهم بالكامل، الأمر الذي سيعني امتلاكهم موردا كبيرا ومقوّما من مقوّمات دولتهم التي لم يتخلّوا عن فكرة السعي لإنشائها في الإقليم وتحيّن الظرف المناسب لذلك، على غرار ما قاموا به سنة 2017 عندما استغلوا سيطرة تنظيم داعش على ما يقارب ثلث مساحة العراق ومشاركة قواتهم بفعالية في الحرب ضدّه وأجروا استفتاء شعبيا على استقلال إقليمهم، لكن مسعاهم أحبط بتعاون سريع وفعّال بين كلّ من بغداد وأنقرة وطهران.

ولمعادلة نفوذ الأكراد في كركوك، تعمل تركيا على التمكين لأبناء القومية التركمانية بهدف اتخاذهم جسرا ومدخلا لاختراق المحافظة، في ظلّ ما يبديه قادة هذا المكوّن من ولاء لأنقرة يفوق في الكثير من الأحيان ولاءهم للدولة العراقية.

ولم تتردّد تركيا في إشعال صراعات بين المكوّنات العرقية في كركوك تحت عنوان أنّ قوات البيشمركة الكردية عائدة بتواطؤ بين بغداد وأربيل إلى المحافظة التي طُردت منها.

ومنذ طرد قوات البيشمركة من كركوك لا تكفّ حكومة كردستان العراق عن المطالبة بإعادة تلك القوات إلى المحافظة، ملوّحة في أغلب الأحيان بالورقة الأمنية وأهمية التنسيق والتعاون في مواجهة تنظيم داعش، غير أن تركمان المحافظة يقولون إنّ “كركوك لن تعود إلى ما قبل 16 أكتوبر 2017 مرة أخرى”، مثلما ورد في وقت سابق على لسان أرشد الصالحي زعيم الجبهة التركمانية العراقية الذي لا يوفّر مناسبة لشكر تركيا لأنّها “لم تترك الشعب العراقي وتركمان العراق لوحدهم أبدا”.

3