هيئة الإعلام التونسية تحيل خلافها مع الحكومة إلى الرأي العام

الهيئة تتهم الحكومة بإفساح المجال لـ"النهضة" للسيطرة على القطاع.
الأربعاء 2021/02/03
إصلاح الإعلام التونسي مطلب شعبي

أصدرت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في تونس بيانا شديد اللهجة ضد الحكومة بعد أن فشلت مساعي التواصل معها لحل الملفات العالقة، واتهمت الحكومةَ بعرقلة إصلاح القطاع والسماح للأحزاب بوضع يدها على المؤسسات الصحافية لخدمة مصالح حزبية وحتى شخصية.

تونس - هاجمت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في تونس “الهايكا” حكومة هشام المشيشي، وحملتها مسؤولية عرقلة مسار إصلاح الإعلام العمومي وتعطيل معالجة ملفاته العالقة منذ سنوات، وفسح المجال للأحزاب لاستغلال وسائل الإعلام.

وشهدت الفترة الماضية خلافات بين الوسط الصحافي التونسي والهايكا من جهة، وحكومة المشيشي من جهة أخرى، وانتقادات متواصلة لتسيير القطاع وغرقه في الفوضى وسط استياء من الجمهور، لكن بيان الهايكا الذي أصدرته مساء الاثنين هو الأشد لهجة وغضبا تجاه ما أسمته “مؤشرات خطيرة تعكس استمرار الحكومة في إعاقة أي مبادرة لإصلاح الإعلام”.

واتهمت الهايكا الحكومة بالإصرار على “تطويع المشهد السمعي البصري وتوظيفه لفائدة أحزاب سياسية ولوبيات مالية استثمرت على غير وجه حق في الإعلام وتمكنت من التموقع في مؤسسات الدولة وتسيير دواليبها ورسم توجهاتها خدمة لأجندات خاصة”.

وأوضح عضو الهيئة هشام السنوسي خلفيات البيان، قائلا إن “الهيئة حاولت منذ البداية خلق قنوات تواصل مع الحكومة في إطار الاحترام المتبادل، لكن للأسف بالنسبة إلى الحكومة أيّ رأي أو تصور يخالفها، هي بالضرورة وحكما ضدّه”.

هشام السنوسي: الحكومة تناقش دعم مؤسسات إعلامية غير مرخّصة
هشام السنوسي: الحكومة تناقش دعم مؤسسات إعلامية غير مرخّصة

وأضاف في تصريحات إذاعية “تم قطع كل سبل التحاور والتعاون مع الحكومة، كما أننا نرى ممارسات فيها اعتداءات على مؤسسات الدولة، ونرى تطويعا ووضع يد على مؤسسات السلطة التنفيذية لصالح أحزاب بعينها مثل حزبي النهضة وقلب تونس. لقد أصبحوا يتصرفون وفق مصالحهم الشخصية وليس فقط مصالحهم الحزبية، لذلك جاء البيان ليضع النقاط على الحروف، ولم نجد سبيلا سوى إطلاع الرأي العام على الأوضاع التي نحن فيها اليوم”.

ووفق السنوسي، تطالب الهيئة “بتشريع القانون الذي يتعلق بالهيئة ومستقبلها لأن الحكومة سحبت قانون القطاع السمعي البصري عندما كان على وشك أن يعرض على مجلس النواب لإفساح المجال لمبادرة ائتلاف الكرامة، ووعدت بإعادته خلال أسبوع أو شهر، لكن حتى اليوم لم يتم إعادته إلى مجلس النواب”.

وواجه مشروع القانون الذي تقدم به ائتلاف الكرامة بدعم من النهضة معارضة من قبل العاملين في قطاع الإعلام والنقابات المهنية إضافة إلى الهيئة، الذين يعتبرون أن إفساح المجال للتمويل الأجنبي تحت غطاء الاستثمار في المؤسسات الإعلامية الوطنية الموجهة للجمهور التونسي، يجعل البلاد أمام نسخة جديدة من سيناريوهات التمكين في مجال الإعلام لإحداث تغييرات جذرية على مستوى المشهد السمعي البصري دون اعتبار لما يمكن أن يتضمنه ذلك من مخاطر ومنح المتشددين والمتطرفين منابر.

وتطرقت الهيئة أيضا إلى ملف المؤسسات الإعلامية المصادرة منذ سنوات والذي لم يتم حله حتى اليوم، واعتبرت الهيئة أن “نهج الحكومة في التعامل مع الملف يشكّل أحد المؤشرات الواضحة على تغليب المصالح الحزبية الضيّقة ومصالح لوبيات المال ومراكز الضغط على حساب الصالح العام”.

وقد صدر قرار بإلحاق إذاعة “الزيتونة للقرآن الكريم” بمؤسسة الإذاعة التونسية العمومية منذ سنة 2017، لكن الهيئة قالت إن “أحزابا متنفّذة ضغطت في سبيل عدم تنفيذه”.

كما أنه لم يتم تعيين مدير لمؤسسة الإذاعة التونسية رغم فراغ المنصب منذ أكثر من عام، وهو الملف الذي يطالب الوسط الإعلامي في تونس بسرعة حله. ونبهت الهيئة إلى خطورة تداعيات هذا الفراغ في التأثير على نجاعة الإعلام العمومي ومدى قدرته على أداء وظائفه والاضطلاع بدوره.

وأشار السنوسي إلى أن الحكومة تناقش تقديم دعم مالي لمؤسسات إعلامية غير مرخصة ومخالفة للقانون مثل “نسمة” و”الزيتونة” و”حنبعل”، محذرا من خطورة “تحول الدعم المالي إلى وسيلة لوضع اليد على المؤسسات الإعلامية”.

ونبهت الهيئة إلى أن خضوع الحكومة واصطفافها لصالح أصحاب المؤسسات الإعلامية المتحزبة الخارجة عن القانون يشكل خطرا على مؤسسات الدولة ومستقبل الانتقال الديمقراطي، وهو ما أكدته مؤخرا تقارير محكمة المحاسبات.

وتحدثت عن أسلوب التعتيم في التعاطي مع ملف إذاعة “شمس أف.أم” المصادرة ومحاولة استكمال إجراءات بيعها للقطاع الخاص بطريقة تفتقر للشفافية والوضوح، واعتبرت أن استبعاد الهيئة من هذا المسار يشير إلى شبهات توجّه عام للحكومة إلى مراكز الضغط الحزبي والمالي.

وحمّلت الهيئة القضاءَ الإداري والعدلي المسؤولية في إحداث التوازن بين الهيئة والسلطة التنفيذية عبر فرض سلطة القانون، كما دعت جميع المحاكم بمختلف اختصاصاتها للقيام بدورها واستعجال البت في القضايا المتعلقة بقطاع الإعلام.

وقال العربي شويخة الأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار وعضو الهيئة السابقة لإصلاح الإعلام، إن “كل الحكومات بعد 14 يناير مهما كان لونها السياسي، لم تكن لديها إرادة سياسية حقيقية لإصلاح قطاع الإعلام”.

ونوه بأن “أغلب المسؤولين لم يطلعوا على محتوى التقرير النهائي لهيئة إصلاح الإعلام”.

وأضاف شويخة “يجب إجراء مسح شامل لمعرفة أسباب وصول الإعلام إلى هذا المستوى، وسبل التغيير”، مشدّدا على ضرورة “الفصل بين الإدارة والتحرير في المؤسسات الصحافية”.

وأشار إلى أن حرية الاتصال والتعبير مضمونة في الدستور وفي أغلب النصوص القانونية التي تنظم القطاع، ولكن ما لاحظه أن “ممارسة الحريات لم يكن لديها مردود إيجابي على مستوى الحوار والأفكار في البلاد، لأن ممارسة الحريات تأتي مع جهل تام للمبادئ المهنية والأخلاقية، وهي مسألة أساسية في المشهد الإعلامي”.

وأكد شويخة على الغياب التام للشفافية في الموارد المالية للمؤسسات الصحافية، من حيث مصادر التمويل ومردود الإعلانات بالمقارنة مع النفقات والعلاقات مع الأحزاب السياسية ورؤوس الأموال.

وتعرض عدد من الصحافيين التونسيين إلى اعتداءات خلال تغطيتهم للمظاهرات التي شهدتها عدة مناطق في تونس، كما سجلت نقابة الصحافيين ارتفاعا في عدد الانتهاكات ضد العاملين في الإعلام في ديسمبر الماضي، وأدانت الهايكا هذه الاعتداءات المتواترة واعتبرتها “حلقة من سلسلة المحاولات لتكميم الأفواه والاستحواذ على الفضاءات الإعلامية السمعية البصرية وتوظيفها في الدعاية والتضليل”.

وتابعت أن “استقلالية المؤسسات الإعلامية وحرية الصحافيين وسلامتهم خط أحمر. ولن تقبل الهيئة أي شكل من أشكال التوظيف التي من شأنها المس من مبادئ التعدد والتنوع باعتبارها حجر الزاوية في عمل جميع المؤسسات الإعلامية”.

18