ثنائية الإظهار والإضمار تتجسّد في لوحات تجريدية

يتواصل حتى نهاية شهر فبراير الجاري المعرض الفني الافتراضي للتشكيلي المغربي عبدالله الهيطوط، والذي أتى بدعوة وتنظيم من الجمعية العمانية للفنون التشكيلية ضمن جهودها الرامية إلى مدّ جسور التواصل بين الفنانين العمانيين ونظرائهم المغاربة لتبادل الخبرات والتجارب في ما بينهم.
مسقط – ضمن عروضها الفنية الافتراضية تقيم الجمعية العُمانية للفنون التشكيلية على موقعها الرسمي حتى نهاية شهر فبراير الجاري معرضا افتراضيا للفنان التشكيلي المغربي عبدالله الهيطوط شمل عشرين عملا تجريديا تغوص عميقا في التخطيط اللَعبي، حيث يستند الهيطوط في عمليته الإبداعية على التخطيط المُضمر الذي يُهندس التكوين الشامل من داخل الفعل ذاته.
وجاء في بيان الجمعية العُمانية “تمثل أعمال الهيطوط المحتفى بها في المعرض الافتراضي نمطا تجريديا فريدا يختزل المساحات والألوان، وهو الذي يقتنص لحظة الانفعال في أوجها، ليبدع من خلالها فضاءات رحبة بامتدادات ماورائية تشعر المتلقي بحالات التفكّك والتحوّل إلى المجمل والموحّد، حيث تنزاح لمحاولات ما بعد الحداثية للرجوع إلى الأصل والجذور اللامنتمية إلاّ لوحدة الإنسان وقضايا وجوده”.
ويضيف البيان “من هنا يجول الهيطوط في محيط التشكيل ليبقى المتلقي عند لحظة توتر لا منتهية، تتجدّد مع الزمن حسب تحول آفاق العمل الفني الزمكاني، فيعود الماضي إلى الحاضر، ويتراجع المستقبل ليحط في الحاضر، فيصبح الماضي والمستقبل حاضرين، وهنا يتحوّل الحاضر بحيث يصبح مموها، وهكذا تظل ساعة الزمن وبوصلة المكان في خطوط متداخلة ومعقدة رغم بساطتها الظاهرة كأشكال مفكّكة وهي في طريقها للتوحّد”.
ويطرح الهيطوط في أعماله التجريدية الأسئلة والألغاز دون أن يجيب بشكل موضوعي أو منطقي ويكتفي بالشعور العقلي، أي أن يتصوّر ذهنيا ما تمليه عليه المخيلة المتأثرة بالعواطف دون قيود، ليصل بخياله إلى أقصى درجات التجلي والاختزال في منظومات أكاديمية رصينة ليوقظ غريزة الإنسان البدائي الفطرية، الذي يؤمن بالطبيعة كأساس مرتبط بوجوده، فاستمد منها رؤاه وتطلعاته للحياة وفق خربشات طفولية، يستقيها الفنان المغربي من الذكريات ومن الجدران والأبواب ليضعها داخل حيّز صباغي تتناغم فيه الألوان مشكّلة تناسقية تبحث عن صفائها الخاص.
خربشات طفولية
تراوح أعمال الهيطوط في مجملها الفضاء ذهابا وإيابا بين ثنائية “الإظهار والإضمار”، وعنها يقول “هي الثنائية المفهوم الذي أحاول أن أتلمّسه عبر طريقة غير معبّدة ومفعمة بالأسطوري والغامض”.
من هناك يحيي الفنان المغربي ذكرياته الصبيانية في لوحاته التجريدية عبر تسطيح اللون وتبقيع الفضاء وتقطير الصباغة وتزيين الحيّز بأشكال هندسية عبر طرق طفولية لا تكترث لأي مدرسة في الرسم.
وعن ذلك يقول “الطفولة ما زالت هي من تقودوني طوال الوقت، ما وراء سجلها البصري أتموقع، يستهويني ما ظل معلقا منها في رأسي، وما تبتكره لي من مثالب لا أستطيع إخفاءها إلاّ داخل اللوحة، تماما كما تشدّني الأشياء الملعقة على الجدار، وتأسرني الصباغة التي هي إطفاء لحطام الكلام”.
ويوجز الناقد الفني المغربي عزالدين بوركة منجز الهيطوط التجريدي، فيقول عنه “هو ذاك المنفلت من المسطرة الأكاديمية، إلى براثن الحرية وحصون التجريب، ليثمر كل هذا معارض دولية وجماعية وفردية لا تنضب، ونصاعة اللون لديه عبر صباغيات ولوحات وأعمال توغل في المتعة، حيث يصير المنجز راقيا، باذخ الحدوث”.
ويضيف “كل هذا يتشكّل وفق حرية تبلور تجربة تشكيلية يضمّها هو في عمق أعماله، مستعملا تقنيات وأدوات وأساليب مدرسية ولا مدرسية، متطوّرة وحداثية من قطعٍ وكولاج ولصقٍ، وحذف ومحوٍ وإضافة.. ليجد المتلقي نفسه أمام عملٍ طلائعي، يُمارس عليه الفنان سلطة ما، عبر منجزه.. السلطة هنا، دخول بالقوة في متعة التلقي”.
أسلوب غير مدرسي
لا ينكر التشكيلي المغربي الهيطوط أن التجريدية سمحت له بتغيير نظرته إلى الأشياء، بمعنى التفكير ببساطة وحرية وبكثير من العفوية.
وهو في ذلك يقول “لست تجريديا بالمعنى الكامل للكلمة، ولا يوجد رسام كذلك، فمن الضروري أن يشفع كل رسام لوحاته التي ينوي إنجازها بتخطيط ما، على اعتبار أن التشخيصية تركّز على المظهر، أما التجريدية فلا تقف عند القشرة بل تغوص إلى العمق، وأنا رام تجريدي بهذا المعنى على الأقل، ففي القاع يكمن الجمال”.
ويضيف “ما أقوم به يأتي سلسا ودون تكلّف، أنا لا أقيم حقا إلاّ في الصباغة، لا أعرف إلى أين تحملني في البداية، لكن سرعان ما تظهر الطريق إلى الأشياء وتتبدّد المخاوف، فتحت الخطوات يرتسم ممشى الأشياء التي تظهر وتختفي”.
ولأن تجريدية الهيطوط مخصوصة له، ولا تشبه في نهجها أحدا سواه، قال عنه الشاعر والفنان التشكيلي المغربي عزيز أزغاي “يمثّل عبدالله الهيطوط أحد الأسماء الجديدة داخل المشهد التصويري المغربي. وليست الجدة، في هذا السياق، بالمعنى الذي يحيل على عمر تجربته الفنية التي أسّس لكثير من ملامحها الواعدة منذ أزيد من عقدين من الزمن، قضى معظمها في الإنصات الهادئ والتأمل العميق بما يمكّنه من تطوير أدوات مطبخه الفني في التجريب وتمثّل تجارب الآخرين، مغاربة وأجانب، في ما يشبه مرحلة ترتيب ذائقته الفنية، وإنما المقصود من الجدة تلك اللمسة الفنية المجتهدة التي يقترحها هذا الفنان كتدبير جمالي يستند على العديد من المعارف المختلفة”.
ويضيف أزغاي “وهو إلى ذلك لا تنقصه روح المغامرة في تمثل التجارب الرائدة ومحاولة إضافة لمسته الخاصة على متنها المكرّس، بما تعنيه الإضافة من صداقة وحوار ومصاحبة، وكلها عمليات تحتاج إلى سند معرفي وإلى امتلاك عين ذكية وعارفة، كعين الهيطوط المتمرسّة بالألوان والتجارب”.
وعبدالله الهيطوط تشكيلي مغربي أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية في العديد من الدول العربية والعالمية كان آخرها في العام الماضي بكندا، كما حاز على “جائزة بينالي سعاد الصباح” عام 2017.