المصادقة على أحكام الإعدام "حجّة" الرئيس العراقي لدفع تهمة التخاذل في مواجهة الإرهاب

برهم صالح لم يستطع الاقتداء بجلال الطالباني الذي تجنّب التصديق على أحكام الإعدام خلال فترة رئاسته للعراق.
الاثنين 2021/01/25
انحناءة "مدنية" أمام سطوة الأحزاب الدينية

بغداد – استبق الرئيس العراقي برهم صالح حملة سياسية تديرها أحزاب تابعة لإيران لإحراجه، مُقدّما كشفا بعدد قرارات الإعدام التي صادق عليها وفقا للدستور.

وبدا صالح غير المنتمي لأحزاب الإسلام السياسي المهينمة على مفاصل الدولة العراقية والمحسوب ضمن دعاة الدولة المدنية، بصدد التحجّج بعدد قرارات الإعدام التي صادق عليها، لتجنّب التهمة الرائجة هذه الأيام بعد حدوث هجوم دموي في بغداد، والموجّهة من قبل أحزاب وميليشيات شيعية لعدد من السياسيين، بالتخاذل في مواجهة الإرهاب وحتّى بالتواطؤ معه.

ومنذ الهجوم الانتحاري الذي استهدف الخميس الماضي سوقا شعبيا يرتاده الفقراء في ساحة الطيران ببغداد، والذي تسبب في مقتل وجرح العشرات أغلبهم من المدنيين، تحرك نواب ميليشيا عصائب أهل الحق في البرلمان العراقي لاستصدار قانون يلزم رئيس الجمهورية بتصديق قرارات الإعدام الصادرة من القضاء بحق أشخاص أدينوا بتهم الإرهاب.

وجمع النائب حسن سالم، عن ميليشيا العصائب، تواقيع 78 نائبا على طلب موجه لرئيس البرلمان للتصويت على قانون يلزم رئيس الجمهورية بالمصادقة “على أحكام الإعدام بحق الإرهابيين القابعين في السجون العراقية”.

واعتبر النائب ضمن تبريره للخطوة التي قام بها “أنّ أقوى رد على عملية التفجير الإرهابي الذي حصل (الخميس الماضي) في الباب الشرقي وسط بغداد هو المصادقة على أحكام الإعدام بحق الإرهابيين المدانين”.

وقال في تغريدة على تويتر “بدل التصريحات والاستنكارات التي لا تجدي نفعا، يجب اتخاذ قرار عاجل بالمصادقة على أحكام الإعدام بحق الإرهابيين القابعين في السجون ويتمتعون بأفضل الخدمات الفندقية ويكلفون ميزانية الدولة الخاوية الملايين من الدولارات، بينما الضحايا يعيشون في فقر مدقع”.

الرئيس الراحل جلال الطالباني استغل هذه الثغرة الدستورية وامتنع عن تصديق أي حكم بالإعدام صدر خلال ولايته، تاركا الأمر لوزارة العدل

وعلى الطرف المقابل رأى البعض أنّ إحياء قضيّة تنفيذ أحكام الإعدام في هذا الوقت بالذات تصرّف شعبوي غايته التكسّب السياسي من حالة التوتّر الأمني التي يشهدها العراق هذه الأيام، عن طريق إذكاء نزعة الانتقام لدى المتضرّرين من الهجمات الإرهابية وعوائل الضحايا.

وينص الدستور العراقي على أن أحكام الإعدام تتطلب مصادقة رئيس الجمهورية، دون أن يُلزمه بالمصادقة، لأنه لم يحدد مدة زمنية لهذا الإجراء. لكن الرئيس لا يملك بدوره حق الاعتراض على الأحكام أو تخفيفها أو إبدالها أو إلغائها.

ويقول خبراء القانون إن الرئيس الراحل جلال الطالباني استغل هذه الثغرة الدستورية وامتنع عن تصديق أي حكم بالإعدام صدر خلال ولايته، تاركا الأمر لوزارة العدل.

وبرر أصدقاء الطالباني امتناعه عن تصديق أحكام الإعدام بتوقيعه مواثيق دولية تُحرّم هذا الأمر. لكن الهمس بقي مستمرا طيلة مدة ولايته، بشأن الدوافع السياسية والطائفية التي تتخلل أحكام الإعدام المتصلة بقضايا الإرهاب، إذ عادة ما يكون المتهمون فيها ينتمون إلى الطائفة السنية.

ويدرك الرئيس برهم صالح أنه لا يملك ما كان لدى الطالباني من علاقات وثيقة بقادة المشروع الإيراني في العراق، تمكّنه من اللعب معهم على أوتار مختلفة والتهرب من الضغوط التي يمارسونها عليه.

لذلك سارع صالح إلى الكشف عن حصيلة قرارات الإعدام التي صادق عليها منذ توليه منصب الرئيس بعد الانتخابات البرلمانية سنة 2018، بمجرد علمه بحركة النواب لتمرير قانون يحسم هذا الأمر.

ومساء السبت، سرّبت الدائرة القانونية في رئاسة الجمهورية معلومات تشير إلى مصادقة صالح على 340 حكم إعدام صدرت من المحاكم العراقية المختصة في قضايا إرهابية وجنائية.

إجراء شكلي كهذا ربما هو أقل ما يمكن أن يسترضي العراقيين بعد الخروق الأمنية الأخيرة، لاسيما عوائل الضحايا الذين سقطوا فيها

وذكرت المعلومات التي نُسبت إلى مصدر مجهول أن “المصادقة جرت بعد تدقيق القضايا من كافة جوانبها الدستورية والقانونية، بما فيها استنفاد كافة طرق الطعن، وعدم شمولها بالعفو العام رقم 27 لسنة 2016″، وهو آخر عفو صدر في العراق، حيث نصت المادة الأولى منه على أن “العفو العام يشمل العراقيين المحكومين بالإعدام أو بإحدى العقوبات أو بالتدابير السالبة للحرية سواء كان الحكم وجاهياً أم غيابياً، اكتسب درجة البتات أم لم يكتسب، ودون الإخلال بالمسؤولية المدنية أو التأديبية أو الانضباطية”.

وفضلا عن محاولة النجاة من التبعات السياسية لتعطيل تنفيذ قرارات الإعدام، حاول الرئيس العراقي بهذا الكشف التنفيس عن الضغط الذي تتعرض له المؤسستان الأمنية والعسكرية بعد الهجمات المميتة خلال الأيام الماضية في بغداد ومحافظة صلاح الدين، وفقا لمراقبين.

لكن إجراء شكليا كهذا ربما هو أقل ما يمكن أن يسترضي العراقيين بعد الخروق الأمنية الأخيرة، لاسيما عوائل الضحايا الذين سقطوا فيها.

كما أن تنفيذ أحكام الإعدام بحق المدانين في قضايا تتصل بالإرهاب مستمر في العراق منذ العام 2005، من دون أن يكون له أي أثر على حركة الجماعات الجهادية في البلاد أو معدلات التجنيد فيها.

وبالنسبة إلى كثيرين فإن ظاهرة الإرهاب في العراق تستند في عمقها إلى محركات سياسية، من قبيل التمييز الطائفي واحتكار السلطة والثروة وتهميش فئات سكانية، وما لم يجر التعامل بموضوعية مع هذه المحركات، فإن تنفيذ أحكام الإعدام سيبقى مجرد إجراء معزول.

3