الجزائر تناقش افتراضيا مسار المسرح الأمازيغي

الباحثة الجزائرية فاريزة شماخ تعتبر أنّ التعاقب الزمني كان عنصرا مهمّا في حضور المسرح في كل ربوع العالم، ومن خلال ذلك تباينت الأشكال والطقوس والممارسات.
الأربعاء 2021/01/20
مسرح متجذّر في هويته

بسكرة (الجزائر) – بمناسبة احتفاليات يناير 2971 (رأس السنة الأمازيغية)، وعبر الفضاءات الرقمية التي يبثها المسرح الجهوي ببسكرة (شمال شرق الجزائر)، قدّمت الباحثة الجزائرية فاريزة شماخ مداخلة حملت عنوان “مسار فن العرض الأمازيغي عبر التاريخ” مستعرضة من خلالها ثيمة المسرح الأمازيغي والأشكال المسرحية التي عرفها شمال أفريقيا عبر العصور، والفرق بين المسرح الأمازيغي والمسرح الناطق بالأمازيغية.

وانطلقت الباحثة في مداخلتها الرقمية من إضاءات حول المسرح وكيفية ظهوره في بلاد الإغريق إبان القرن السادس قبل الميلاد، حيث عرف ذلك النوع من المسرح ممارسات وطقوسا وقرابين لآلهة الإغريق، من حيث الرقص والغناء والأقنعة، وهي احتفالات كانت تقام في المعابد، ممهّدة بذلك للطقوس اللاحقة والتطوّرات عبر العصور التي رافقت الفن الرابع وتفرّدت به.

واعتبرت شماخ في مداخلتها أنّ التعاقب الزمني كان عنصرا مهمّا في حضور المسرح في كل ربوع العالم، ومن خلال ذلك تباينت الأشكال والطقوس والممارسات، ومن ثمة عرف شمال أفريقيا المسرح وكان يزخر بكل تلك الطقوس.

وتقول شماخ “إذا تحدثنا عن منطقة القبائل فقد استعرضت فيها ومن خلالها العديد من الاحتفاليات، منها احتفالية معروفة بـ’أنزار’ -وهو طقس يقدّم من خلاله الناس قربانا لإله المطر (أنزار)- حيث يتمّ من خلالها تقديم فتاة حسناء عذراء ليكون إله المطر كريما ويغدق على المنطقة وأهاليها بالغيث، ومع مرور الوقت تغيّر الطقس ليضحى مجرد احتفالية يلبسون فيه الدمية، وبات ذلك الطقس رمزيا وتطوّر مع الرقصات والأغاني وغير ذلك من الأدوات الفرجوية”.

وأشارت الباحثة الجزائرية إلى طقس آخر اشتهرت به محافظة جانت -تحديدا منطقة الطاسيلي- يدعى “السّبيبة”، التي تعتبر تراثا عالميا منذ ثلاثة آلاف سنة، وهي اتفاقية سلام بين قبائل الطوارق في الصحراء الجزائرية. وتتخلل هذه الاحتفالية التي تمتد لأسبوع كامل أغان ورقصات يروون من خلالها الأهالي بطولات الطوارق منذ آلاف السنين مع تطوّر في الأزياء والماكياج والأقنعة.

كما تحدّثت شماخ عن احتفالية “أيراد” التي تتواصل على امتداد شهر يناير من كل سنة، حيث تُقام حفلة تنكرية يلبس فيها المحتفلون بأيراد -وهم الممثلون- أزياء خاصة مصنوعة من جلود الحيوانات، إضافة إلى الماكياج والأقنعة الخاصّيْن بتلك الحفلة، وهي حفلة لا تزال قائمة إلى اليوم.

“أيراد” هو حفلة تنكرية يلبس فيها الممثلون أزياء مصنوعة من جلود الحيوانات وأقنعة خاصة، تتواصل على امتداد شهر يناير
"أيراد" حفلة تنكرية يلبس فيها الممثلون أزياء مصنوعة من جلود الحيوانات وأقنعة خاصة

ومن بين الاحتفالات الأمازيغية يحضر أيضا احتفال خاص بفصل الربيع، فيه طقوس متفرّدة وخاصة باستقبال الربيع، وهي نوع من السيناريو يقام على مستوى الحقول والبساتين. وكل تلك الاحتفالات قد تناولها الأدب الشعبي، حيث حصرها في ثيمة الحكايات والأساطير، وجميع تلك المؤشرات أسهمت في تطوّر فن العرض الأمازيغي عبر العصور.

أما في ما يخصّ المبحث المتعلق بالمسرح الناطق بالأمازيغية، فقد ذكرت الباحثة الجزائرية أنّه عرف من خلال مجموعة من الأعمال والشخصيات التي دأبت على ذلك، ومنها السعيد زعنون الذي ترجم العديد من الروايات الجزائرية والمغاربية، وحوّلها إلى الأمازيغية وعرضها مسرحيا ضمن أصول مسرحية من خلال المسرح الإذاعي، بالإضافة إلى أعمال كل من الراحلين سليمان عازم والشيخ نورالدين اللذين كانا يقدّمان “سكاتشات” (مواقف تمثيلية كوميدية) عبر أمواج الإذاعة الوطنية (عمومية).

واستعرضت الباحثة أيضا ضمن مداخلتها الافتراضية المجهودات التي بذلها عبدالله محيا في ترجمته للعديد من الأعمال العالمية، وعنه قالت “الترجمة عند محيا لم تكن مجرّد ترجمة، بل تعدّى ذلك وحرص على ملامسة واقع المجتمع الجزائري ذي الأبعاد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها، مع اعتماده طابع السخرية والتهكّم، إذ لامس الواقع بحذافيره، مركّزا على تطوير اللغة واللهجة القبائليتيْن بأسلوب سلس، وكان مصدر إلهام للعديد من الجمعيات والفرق المسرحية التي ركّزت في أعمالها على المسرح الناطق بالأمازيغية”.

وركّزت فاريزة شماخ في ختام مداخلتها على ضرورة التوثيق حفظا للذاكرة الجماعية، من حيث الأعمال المسرحية أو الأبحاث الأكاديمية، لتكون مصدرا ومرجعا هاما للأجيال القادمة والمهتمة بحفظ ذاكرة المسرح الجزائري بشكل عام والأمازيغي بشكل خاص.

وهي في ذلك تدعو جميع المهتمين بالمسرح الأمازيغي إلى استنطاق المسرح بشتى أشكاله وألوانه وتوجهاته، على أن يكون الفن المسرحي ابن بيئته ومصدر إلهام لكل المهتمين، وأن يكون قاعدة هامة لملامسة الواقع بحذافيره.

وفي عام 2014 احتضنت مدينة باتنة (شرق الجزائر) فعاليات مهرجان المسرح الأمازيغي الذي مثّل أول مهرجان ناطق باللغة الأمازيغية في البلد.

ويشار في هذا الخصوص إلى أنه بعد سنوات طويلة من منع النشاط الثقافي بالأمازيغية إثر استقلال الجزائر في الخامس من يوليو 1962 اعتُمدت الأمازيغية لغة وطنية بموجب تعديل الدستور الذي حدث سنة 2002 بعد أحداث “الربيع الأمازيغي” أو “الربيع الأسود” سنة 2001، والذي راح ضحيته أكثر من مئة قتيل والآلاف من الجرحى إثر انتفاضة شبابية طالبت بالاعتراف باللغة والهوية الأمازيغيتيْن في الجزائر.

16