رحلة خيالية إلى الآخرة تمزج بين جماليات الشعر والتشكيل

إيطاليا تحتفي بالكوميديا الإلهية لدانتي طيلة العام 2021.
الجمعة 2021/01/08
نظرة على الجحيم

يخلّد التاريخ أسماء الكثير من الشعراء والمبدعين الذين خاضوا تجربة التجديد بشجاعة كي ينهضوا بالفكر الإنساني ويسيروا به نحو مرحلة متقدمة من البحث في المجهول والممنوع غير آبهين بالسلطة الدينية، التي كانت في مرحلة زمنية مّا قيدا يُدمي كل من يحاول تحرير قصائده أو ريشته أو قلمه.

ميلانو (إيطاليا) – تحتفل إيطاليا طيلة العام الحالي بصاحب “الكوميديا الإلهية”، الشاعر دانتي أليغييري، بمناسبة مرور 700 عام على رحيله.

ودانتي أليغييري هو شاعر وفيلسوف إيطالي عاش خلال القرون الوسطى، ويعتبر مؤسس الأدب الإيطالي الحديث، ويعرف في الأدب الإيطالي بالشاعر الأعلى. ويسمى أيضا “أب اللغة” الإيطالية، إذ كان له دور كبير ومهم في تأسيس اللغة الإيطالية وجعلها لغة وطنية عوضًا عن اللاتينية.

بيان أدبي عظيم

من أفضل الأعمال الأدبية على المستوى العالمي
من أفضل الأعمال الأدبية على المستوى العالمي

كتب دانتي ملحمته الكوميدية في المنفى ما بين 1308 حتى وفاته عام 1321 في رافينا، بعد عودته من فينيسيا عن عمر يناهز 56 عاماً، إثر إصابته بمرض الملاريا، ودفن في كنيسة القديس بيير مغيور في مدينة رافينا.

وتعتبر”الكوميديا الإلهية” البيان الأدبي الأعظم الذي أنتجته أوروبا، وهي واحدة من الأعمال الرئيسية التي تنتقل بالفنّ من العصور الوسطى إلى عصر النهضة الفكرية، ويرى الكثير من النقاد والمؤرخين بأنها من أفضل الأعمال الأدبية على المستوى العالمي.

كما تعتبر من أهم وأبرز الملحمات الشعرية في الأدب الإيطالي وترجمت لعدد من اللغات ومن بينها ترجمة إلى اللغة العربية لحسن عثمان، المؤرخ وأستاذ التاريخ الإسلامي والأوروبي، والتي تعتبر الألمع من بين الترجمات العربية للعمل ذاته، بما أنه تفرغَ لدراسة دانتي والكوميديا الإلهية من سنة 1941 وحتى سنة 1951، واستغرقت الترجمة نحو ثماني سنوات أخرى.

وألّف دانتي الكوميديا الإلهية في 100 مقطع شعري يتضمن نحو 14233 بيتاً شعرياً تسافر جميعها في رحلة خيالية إلى الحياة الآخرة وفقًا للمفهوم المسيحي، بطلها دانتي الذي يزور الممالك الثلاث “الجحيم والمطهر والفردوس” في الآخرة، واستغرقت الرحلة أسبوعا؛ يومان في الجحيم، وأربعة في المطهر، ويوم في الجنة.

ويتألف كل جزء من الملحمة، التي يعتبرها كثيرون أشبه بصرخة تحذير تدعو لصحوة المجتمع الغارق في الفساد، حين كتابتها، من ثلاث وثلاثين قصيدة، بعدد متساوٍ من الأبيات، وضمّنها دانتي أنشودة في المقدمة ليصل عدد قصائدها إلى المئة “رمز الكمال”، ويصف الشاعر في قصيدته عالماً أبدعه في مخيلته، فيه مكان للخير، وآخر للشر الذي يرى أن مصدره هو الإنسان ذاته.

وقد لا يبدو هذا العمل الشعري مضحكًا نظرا لخوضه في فلسفة وجودية أخلاقية لكن دانتي سمّى شعره الملحمي بـ”الكوميديا” لأنه على خلاف التراجيديا التي تبدأ بآمال مرتفعة وتنتهي نهاية تراجيدية، تبدأ الكوميديا بشكل سيء وتنتهي نهاية حسنة.

وبالفعل، تنتهي القصيدة نهاية حسنة إذ يصل بطل القصة المسمى دانتي أيضًا إلى مبتغاه فيدخل الجنة التي ترمز للسلام والخير اللانهائي.

ونظرا لكونه شخصية مهمة في تاريخ الفن الإيطالي، حاول العديد من الفنانين على مر العصور ترجمة ملحمة دانتي. وحاول فنانون تشكيليون القيام برسوم توضيحية لشخصه ومؤلفاته مثل بوتيتشيلي، وغوستاف دوريه، وسلفادور دالي، ومايكل أنجلو، ووليام بليك، وأنطونيو روسيني دجواكينو وروبرت شومان، وغيرهم.

وصنع فنانون تشكيليون تماثيل ومنحوتات شهيرة لدانتي من بينها تمثال دانتي في نابولي، وتمثال آخر في معرض أوفيز وتمثاله في حدائق جوان بروسا في برشلونة بإسبانيا وكذلك منحوتة تحمل اسمه في فلورنسا.

عام الاحتفال بدانتي

Thumbnail

تبدأ الفعاليات الاحتفالية في إيطاليا بمعرض افتراضي يستضيفه “غاليري أوفيزي” في فلورنسا، حيث يعرض 88 لوحة من “الكوميديا الإلهية” بريشة فنان عصر النهضة فيديريكو زوكاري، مرفقة بتعليقات توثيقية وعلمية.

وقال المدير الألماني لمعرض أوفيزي، آيك شميدت، إن العرض الافتراضي لصور عالية الدقة لأعمال فنان عصر النهضة في القرن السادس عشر، فيديريكو زوكاري، أصبح متاحا اعتبارا من الجمعة “مجانا للجميع”.

وتوضح الرسومات تحفة دانتي، “الكوميديا ​​الإلهية”، وهي قصيدة ملحمية من ثلاثة أجزاء تروي رحلة عبر الجحيم والمطهر والجنة.

وتتباين الرسومات المعروضة افتراضيا بدرجات من الأسود والأحمر. وانتهى رسمها أثناء إقامة زوكاري في إسبانيا من سنة 1586 إلى 1588، وقد أصبحت جزءا من مجموعة أوفيزي في 1738.

وقال شميدت إن العرض سيكون “مصدرا رائعا” للباحثين والطلاب المختصين في أدب دانتي، ولأي شخص يريد أن يستلهم من سعيه “للمعرفة والفضيلة”.

ويتزامن هذا الاحتفال مع احتفالات أخرى تنظم في كل من مدينة فلورنسا، ورافينا، وأسيسي، وتتضمن ندوات ومحاضرات، وقراءات شعرية، وعرض أفلام روائية ووثائقية، جنباً إلى جنب مع أعمال موسيقية غنائية كورالية، وافتتاح معارض فنية تنظمها بلديات هذه المدن، بالاشتراك مع منظمات ومكتبات ومسارح محلية وعالمية.

معرض افتراضي يعرض 88 لوحة من "الكوميديا الإلهية" بريشة فنان عصر النهضة فيديريكو زوكاري

ووصف رئيس جمهورية إيطاليا سيرجيو ماتاريلا، دانتي في حفل أوبرالي أوركسترالي مستلهم من “الكوميديا الإلهية” في أكتوبر الماضي، بأنه “مصدر إلهام لكل الأجيال من الشعراء والفنانين والسياسيين الذين بنوا إيطاليا وأسسوا لوحدتها. وهو الأب والركيزة الأساسية لها. لقد انبعثت روح دانتي من إيطاليا إلى العالم، وأضاءته بالشعر والجمال والعاطفة والشجاعة”.

وعُرضت الرسومات علنا مرتين فقط، وأبقيت جلها بعيدا عن الأعين بسبب هشاشتها. وظهرت في فلورنسا في 1865 للاحتفال بالذكرى 600 لميلاد دانتي وتزامنا مع توحيد إيطاليا، ولمعرض عن دانتي في أبروزو في 1993.

وأصبحت اللوحات هشة بفعل الزمن، ولا يمكن عرضها إلا كل خمس سنوات، كما تحفظ في ظروف تخزين صارمة للغاية. وقد تمت رقمنتها لأول مرة بدقة عالية جدًا بمناسبة هذا المعرض الذي يكشف بطريقة غير مباشرة عن أهمية التقنيات والتكنولوجيا الحديثة في الحفاظ على تاريخ الفن عامة، ويتيح لعامة الناس اكتشاف تفاصيل الرسومات التشكيلية المعقدة والحساسة افتراضيا دون عرضها مباشرة وتعريضها للتلف.

وكانت الرسومات مجمّعة في الأصل في مجلد، كل واحدة مقابل المقطع المقابل لها في قصيدة دانتي الملحمية. وتُضمّن النصوص والتعليقات العلمية في العرض الافتراضي، الذي يحمل عنوان “لكي نستعيد رؤية النجوم”، في إشارة إلى السطر الأخير الشهير من جزء “الجحيم” من ملحمة دانتي.

وجمعت الرسومات معًا في القرن السابع عشر في مجلد يُعرف باسم ” تاريخ دانتي بريشة فيديريكو زوكاري” ، يقارن الصور التي رسمها الفنان والنص الذي كتبه دانتي. وتم الاحتفاظ بالمجلد في متحف أوفيزي منذ القرن الثامن عشر.

Thumbnail
17