مخزون النقد الأجنبي في تونس يستفيد من الأزمات العالمية

لا يترجم ارتفاع مخزون النقد الأجنبي في تونس مؤشرات إيجابية حول الاقتصاد حيث يكشف عن انحسار الواردات والصادرات، مما انعكس على تخفيف عجز الميزان التجاري نتيجة انكماش الاقتصاد العالمي وتقلص المبادلات التجارية.
تونس - يجمع خبراء اقتصاد على أن ارتفاع احتياطات النقد الأجنبي في تونس رغم تعطل آلة الإنتاج وركود التصدير والسياحة مكن من تخفيف عجز الميزان التجاري، نظرا لأن انخفاض الاستيراد كان أكبر من انخفاض الصادرات خصوصا مع الشريك التجاري الأول الاتحاد الأوروبي.
وحسب البنك المركزي، سجل احتياطي تونس من النقد الأجنبي ارتفاعا إلى حوالي 22.3 مليار دينار (حوالي 8.8 مليار دولار) حيث ارتفع احتياطي تونس من العملة الصعبة بتاريخ 25 ديسمبر 2020 إلى ما يعادل 160 يوم توريد.
ويفسر خبراء اقتصاد لـ”العرب” أن هذا الارتفاع لا يمكن تسويقه في خانة الإنجازات الاقتصادية نظرا لأنه نتيجة منطقية لتقلص التوريد والتصدير بفعل أزمة كورونا التي قوضت سلاسل التجارة العالمية.
ويرى خبراء أنه ورغم الأزمة الصحية التي ألقت بظلال قاتمة على مختلف الأنشطة الاقتصادية فهي قد مكنت من تخفيف العجز المزمن في الميزان التجاري التونسي.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي فهد تريمش في تصريح لـ”العرب” إن ارتفاع مخزون النقد الأجنبي ناتج أساسا عن انخفاض عجز الميزان التجاري نظرا لأن انخفاض الواردات كان أكبر من انخفاض الصادرات.
وحذر الخبير من أن “هذه النتائج تعود بالأساس إلى انكماش الاقتصاد العالمي وخاصة مع شريك تونس التجاري الأول وهو الاتحاد الأوروبي، مما يعني أن هذا التقلص الذي يبدو في ظاهره إيجابيا يترجم تعطل الآلة الإنتاجية وتقلص النمو الاقتصادي بتونس”.
وأضاف تريمش “لئن أدى تراجع توافد السياح إلى انهيار عائدات القطاع بأكثر من 60 في المئة، فإن تغطية ذلك تمت بآليات عديدة، لعل أهمها ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج بنحو 10 في المئة”.
وتابع أن “انخفاض عدد السياح التونسيين وتعطل الحج والعمرة وما يتبع ذلك ساهم في انحسار شديد لخروج العملة الصعبة”.
وأكد “بحيث أننا لا نملك الآن معطيات وبيانات بالأرقام حول أثر هذا التراجع، فيمكن استنتاجه مباشرة من تراجع عدد المسافرين الذي عرفته شركة الخطوط الجوية التونسية بأكثر من 60 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2020”.
وفي ذات السياق، أشار الخبير إلى أن التحسن الطفيف لسعر صرف الدينار التونسي مقابل الدولار الأميركي واليورو خلال الأشهر الأخيرة، ناتج عن عدم ارتفاع سعر برميل النفط رغم أن تونس تعاني عجزا طاقيا هيكليا.
وسبق أن وجه محافظ البنك المركزي التونسي إنذارا حول وضعية المالية العامة في البلاد نظرا لتقلص قياسي في الإيرادات نتيجة تعطل أكبر مصادر التمويل المتمثلة في عوائد الطاقة جراء الاعتصامات.
وحذرت وزارة الطاقة والمناجم من تواصل تعطل الإنتاج، حيث أكدت حجم الخطورة بإعلانها عدم قدرتها على سداد مزودي الطاقة نظرا لشح موارد الدولة من العملة الصّعبة، وتعطّل السّياحة، وتوقّف آلة الإنتاج في الفوسفات ونشاط المجمع الكيميائي، وإيقاف الإنتاج من النفط والغاز.
وأكّد محافظ البنك المركزي التونسي مروان العبّاسي أنّ “خطة إنعاش الاقتصاد التونسي لا بد أن تمر أوّلا وقبل أي شيء عبر استئناف نشاط الفوسفات والمحروقات، الذي تسبب تعطله في نقص ملحوظ في إيرادات البلاد”.
ويرجح العديد من الخبراء أن حالة الاستقرار التي أبداها الدينار لن تظل كما هي عليه اليوم في حال عادت عجلة الاقتصاد إلى الدوران، حيث استفاد الدينار من تقلص المدفوعات بعنوان الواردات نتيجة الركود الاقتصادي.
وفي وقت سابق، تأثر الدينار التونسي من تقلص النمو وتعطل الإنتاج في قطاع الفوسفات والمحروقات وتعثر القطاع السياحي بسبب العمليات الإرهابية والأزمة الصحية.
وتُساهم السياحة بين 8 و14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد التونسي، وتمثل مصدرا رئيسيا للنقد الأجنبي إلى جانب الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج.
وكان القطاع السياحي قد تلقى ضربات موجعة خلال العام 2015 بفعل سلسلة من الهجمات الإرهابية التي استهدفت سياحا بمحافظة سوسة الساحلية وأخرى بمتحف باردو بالعاصمة، حيث شهدت تلك الفترة ركودا دفع الحكومة إلى إطلاق خطة للترويج للسياحة وطمأنة الزائرين بخصوص الوضع الأمني.
وفي ظل كورونا يواجه الاقتصاد التونسي ضربة مزدوجة بسبب تراجع عائدات قطاع السياحة وتراجع كبير في إنتاج زيت الزيتون الحيوي من 350 ألف طن إلى 140 ألف طن إلى جانب تبعات تعطل الإنتاج والطاقة بسبب الاحتجاجات الاجتماعية جنوب البلاد.
ويذكر أن تونس التي تعد ثالث منتج لمادة الفوسفات عالميا بإنتاج فاق 8 ملايين طن في 2010، تحولت إلى مستورد لأول مرة في تاريخها، جراء تعطل الإنتاج لأسباب تشغيلية واحتجاجات مطالبة بالتشغيل.
وكانت وكالة فيتش قد قالت إن النمو الاقتصادي في تونس دون مستوى “ب” المتوسط من عام 2011، مما يعكس القدرة التنافسية المتدهورة، واضطرابات النشاط الاقتصادي من جراء الاحتجاجات الاجتماعية والصدمات الخارجية.
وقال التقرير إن اتساع عجز الموازنة يعكس سوء حوكمة الشركات وزيادة الإنفاق لتسوية المتأخرات الحكومية لموردي القطاع الخاص والشركات المملوكة للدولة، بما يشير إلى حصة كبيرة من الإنفاق خارج الميزانية من خلال الشركات الحكومية وتدهور إدارة المالية العامة وشحّ السيولة المالية.