عصبية الأمهات المفرطة تعكر صفو علاقتهن بأزواجهن

اعتماد الصراخ كأسلوب حياة يحوله من شعور صحي إلى شعور سلبي.
الثلاثاء 2020/12/22
حسن تسيير أمور الأسرة يجنب الزوجين المشاحنات

يؤكد خبراء علم النفس أن مواجهة الأمهات للأعباء المتزايدة التي تثقل كاهلهن بالصراخ  والعصبية وعجزهن عن التوفيق بين العمل والمنزل وإيقاع الحياة المتسارع يؤثران على علاقتهن بأزواجهن ويعكران صفوها. ويشير الخبراء إلى أن اعتماد الغضب والصراخ كأسلوب حياة يحوله من شعور صحي إلى شعور يؤثر سلبا على الإنسان وعلى محيطه الأسري. وقد يتزايد شعور الأمهات بالضغط ويصبحن أكثر عصبية عندما يتعلق الأمر بتدريس أبنائهن.

تونس - يتفق علماء النفس على أن الصراخ الدائم في معظم الأسر سببه الأعباء المتزايدة التي تثقل كاهل الأمهات وعجزهن عن التوفيق بين العمل والمنزل وإيقاع الحياة المتسارع الذي يعشن فيه ورغبتهن في بلوغ المثالية في جميع مناحي حياتهن. ويؤكدون أن صراخ الأمهات تسلل إلى جميع البيوت والأسر ليصبح ظاهرة مزعجة ينفر منها الأزواج.

تمرد الأطفال

بدورهن يشير أغلب الأمهات إلى معاناتهن مع تمرد أطفالهن ما يدفعهن إلى الصراخ المتزايد.

وقالت حنان بن ناصر، أربعينية، موظفة بالقطاع الخاص وأم لطفلين  إن الآباء لا يواجهون الضغوط التي تعيشها الأمهات خاصة إذا تعلق الأمر بتدريس الأبناء، فغالبا ما يتجنبون الاهتمام بهذا الأمر.

وأشارت إلى أنها لاحظت أن زوجها في المرات النادرة التي تطلب منه تدريس ابنتها يغضب بشدة بمجرد خطئها وينتظر منها أن تجيب بسرعة وأن لا تخطئ أبدا وسرعان ما ينفعل.

وصرحت بأن زوجها يوجه لها الانتقادات باستمرار بسبب صراخها ويرى أن هذا الأسلوب لا جدوى منه وأن الأمر لا يستحق كل هذا الانفعال والصراخ، متناسيا أنها تعيش ضغوطا متعددة الأوجه ويريد أن يراها دائما في مزاج جيد، موضحة أنها بدورها تتمنى أن تعيش في هدوء إلا أن أبناءها لا يساعدونها على ذلك بل على العكس، فتمردهم يتزايد يوما بعد يوم.

ولفتت إلى أن أغلب الأمهات اللاتي تعرفهن يتقاسمن هذه السلوكيات ويعبرن عن صعوبة التواصل مع الأبناء التي فاقمها تفشي فايروس كورونا الذي فرض بقاء الأبناء والآباء في المنزل لأوقات طويلة، كما أن توقيت الدراسة الاستثنائي والتعليم عن بعد كثفا من الضغوط على الأمهات اللاتي لم يجدن بديلا من الصراخ للاستجابة إلى طلباتهن.

ويرى الآباء أن الصراخ لا يحل المشكلة بين الأمهات والأبناء ولا يجبرهم على الانصياع إلى أوامرهن بل على العكس قد يؤدي إلى إشاعة التوتر في المنزل وقد يجعل سلوكهم أسوأ.

الأمهات يدخلن في حالات هستيرية وصراخ متواصل خاصة إذا تعلق الأمر بدراسة الأبناء وإنجاز واجباتهم والإعداد إلى الامتحانات

وصرح محمد بن عمار متزوج منذ 12 سنة بأن حياته الزوجية كانت تتسم بالهدوء والسكينة في سنوات زواجه الأولى إلا أنه بعد بلوغ ابنيه مرحلة الدراسة لاحظ تغيرا في أسلوب زوجته في المعاملة حيث أصبح التوتر والصراخ يطغيان على تواصلها مع ابنيها، لافتا إلى أن هذا الأسلوب بات يقلقه ويثير الكثير من المشكلات بينهما.

وقالت سلوى رحيم أم لثلاثة أطفال إنها تدرك جيدا أن الصراخ ليس وسيلة تربوية ناجعة، كما أنها تعلم أن مضاره كثيرة على نفسية الطفل، إلا أنها لاحظت أن الأبناء أصبحوا أكثر عنادا ولا يستجيبون لطلباتها بسهولة، وهو ما تتفق فيه مع أغلب الأمهات اللاتي يتذمرن بكثرة من عدم استجابة الأبناء.

وأكدت الأمهات أن هذا الأسلوب لا يعجب الآباء ويوترهم ويدخلهم في خلافات متعددة، لافتات إلى أن حالة الانفعال التي تعيشها الأم تسبب لها عديد المضار النفسية والجسدية إلا أنها مجبرة على ذلك نظرا إلى صعوبة المعاملة مع الأبناء في وقتنا الحالي.

وأوضحت الأمهات أنهن يدخلن في حالات هستيرية وصراخ متواصل خاصة إذا تعلق الأمر بدراسة الأبناء وإنجاز واجباتهم والإعداد إلى الامتحانات، وأشرن إلى أن الآباء يتخلون عن مسؤولية تربية الأبناء والإشراف على دروسهم، وفي نفس الوقت يطلبون من الأمهات أن يكن هادئات ويتجنبن الصراخ، وذلك بسبب عدم معرفتهم بحجم التوتر الذي يسببه الإشراف على هذه المهام بالإضافة إلى بقية المشاغل التي تحكم حياة الأمهات.

وقال الخبراء إن الغضب شعور طبيعي وصحي يساعد على التخلص من شحنة التوتر، إلا أنه عندما يتحول الغضب والصراخ إلى أسلوب حياة يتحول من كونه شعورا صحيا إلى شعور يؤثر بالسلب في الإنسان وفي محيطه الأسري.

أكد الدكتور التونسي كمال عبدالحق المتخصص في العلاج النفسي أن تعكر صفو الأجواء الأسرية يمكن أن يؤثر سلبا على الأطفال ويعود عليهم بالوبال، مشيرا إلى أن لكل أسرة خصوصياتها في كل ما يتعلق بالمأكل والملبس ودراسة الأطفال.

وقال عبدالحق لـ"العرب"، "إذا أحسن الزوجان التعامل مع هذه الخصوصيات فإنه لن يكون هناك أي داع لاستعمال أسلوب الصراخ أو التشنج بين الطرفين".

وأضاف أن الخاسر الوحيد من تصادم أسلوب الأب والأم في التربية هم الأطفال، داعيا إلى ضرورة ضبط خارطة يسيّر بها الوالدان أمور الأسرة حتى لا تلقى المسؤولية على كاهل طرف دون آخر.

وأكدوا أن استخدام الصراخ مع الأطفال من أكثر الأمور التي تعاني منها الأم في المجتمعات العربية، نتيجة للضغوط التي تتعرض لها ما بين مسؤولياتها الأسرية وطموحاتها الشخصية وسرعة وضغط إيقاع الحياة، لتجد نفسها (الأم) في حالة غضب وصراخ دائمين حتى أثناء النقاشات العادية مع الزوج والأبناء، مما يعكر صفو الأجواء الأسرية لأن الأزواج يبحثون عن الهدوء ولا يتقبلون صراخ الزوجات وتوترهن.

ولا ترغب الأم في القسوة على الأبناء ولكن صعوبة التعامل معهم هي التي تجبرها على ذلك، وهذه المشكلة تسبب توتر العلاقة بين الزوجين حيث لا يتقبل الأزواج هذا السلوك الخشن من الأمهات.

أوضح خبراء العلاقات الأسرية أن عدم مساعدة الكثير من الأزواج لزوجاتهم داخل المنزل واكتفاءهم بالعمل في الخارج يزيد من الضغوط عليهن ويؤدي إلى توترهن، ويسبب لهن الإجهاد، ويجدن في الصراخ وسيلة لفرض أوامرهن على الرغم من مضاره.

وأضافوا أن المحيط الذي تكون فيه الأصوات صاخبة يؤثر على صحة البالغين النفسية، موضحين أن الإنسان من النادر أن يميل إلى التعبير عن انطباعاته الإيجابية بإصدار أصوات عالية، في حين يلجأ إلى ذلك عادة في حالات الغضب.

كما أشاروا إلى أن ظاهرة الصراخ المستمر للأم لا تكاد تخلو منها أسرة لديها أبناء في مختلف المراحل التعليمية خاصة عندما يكونون في أعمار متقاربة مما يؤدي إلى كثرة النزاع بينهم ويشنج الأمهات ويجعلهن يتبنين أسلوب الصراخ للسيطرة على الوضع.

جدل عقيم

السلوك الخشن لا جدوى منه
السلوك الخشن لا جدوى منه

تؤكد الكاتبة الفرنسية إلينا بيتزوتو أنه عندما يكبر الأبناء يعمل الآباء على كتم غضبهم قبل أن يبادروا مباشرة بالصراخ، وهي طريقة غريزية ومتداولة للتعبير عن الغضب والهيجان.

وأشارت دراسة بريطانية حديثة إلى أن الأم التي تعبر عن غضبها بالصراخ وباستخدام ألفاظ بذيئة أو سيئة أمام طفلها، تدفع بهذا الطفل إلى التحول إلى طفل من هذا النوع المشاغب، مؤكدة أن تأثير غضب الأم أقوى من تأثير غضب الأب على تكوين شخصية الطفل.

ونبّهت إلى أن نبرة الصوت الشديدة لبعض الأمهات لدى مخاطبة أبنائهن، وخاصة المراهقين، لا تفيد في إقناعهم وقد تنقل الحوار إلى دائرة الجدل دون الوصول إلى نتيجة إيجابية.

وفحصت الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة كارديف البريطانية، استجابات مراهقين تتراوح أعمارهم بين 14 و15 عاما لتعليمات أعطيت لهم بطرق مختلفة في الحديث، وتناولت مشاهد نقاشية مختلفة بين الأمهات وأبنائهن، كمحاولة إقناع الأبناء بإنجاز الواجبات المنزلية أو الاستعداد للمدرسة في الصباح. وأفادت بأنه من المرجح أن تبدأ الأمهات الجدال مع أطفالهن خاصة المراهقين بنبرة صوت متسلطة، وبدلا من الحصول على استجابة إيجابية يحصلن على استجابة سلبية.

وكشفت أن نتائج محاولات الأمهات لإقناع أبنائهن بالتعاون تكون أفضل عندما يستخدمن نبرة صوت تشجيعية، مقارنة بالمحاولات التي يستخدمن فيها نبرة متسلطة.

واستخدمت الدراسة مشاهد عائلية تحتوي على نقاشات، مثل مشهد محاولة إقناع مراهق بإنجاز واجباته المنزلية أو الاستعداد للمدرسة في الصباح، كما أنها استخدمت تسجيلات لأمهات. إلا أنها لم تبحث في ما إذا كان الآباء يتعرضون لردود فعل مشابهة مع أبنائهم المراهقين. وأظهرت أن الأمهات اللاتي يرغبن في إقناع المراهقين بالتعاون حصلوا على نتائج أفضل عندما بدت أصواتهن لطيفة بدلا من ممارسة الضغط.

وقال المشرفون على البحث إن الأمهات اللاتي يستخدمن نبرة صوت متسلطة في محاولة للضغط على أبنائهن المراهقين يحصلن على ردة فعل عكسية؛ إذ يستثير ذلك غضبهم. وأضافوا أن الصوت المحايد يستتبع بشكل كبير برد فعل محايد، ولا يدفع إلى الإقبال ولا إلى اتخاذ الوضع الدفاعي، لكن الصوت الأكثر دفئا وأكثر تشجيعا، والذي يحاول التودد بدلا من المواجهة، يحقق أفضل النتائج في دفع الأبناء للقيام بما يُطلب منهم.

21