خطوات عُمانية شجاعة للخروج من اقتصاد الريع والدعم

الحكومة تدخل مرحلة تقنين توجيه الدعم قبل التخلص منه بحلول 2025.
الاثنين 2020/12/21
زخم جديد لإعادة هيكلة الاقتصاد في 2021

اعتبر اقتصاديون أن تغيير أساليب تقديم الدعم الحكومي للعمانيين وخاصة في قطاعي الكهرباء والمياه قبل التخلص منه نهائيا خلال أربع سنوات من الآن، بقدر ما هو خطوة حكومية شُجاعة للقطع مع اقتصاد الريع تدريجيا، بقدر ما سيوفر أموالا للبلد الخليجي هو بأمسّ الحاجة إليها لتسيير شؤونه، دون إغفال تداعيات ذلك على السكان من الناحية الاجتماعية.

مسقط – كثفت سلطنة عمان جهودها لمعالجة الاختلالات المالية المزمنة من خلال ترشيد الإنفاق وتطبيق إصلاحات هيكلية، بعد أن أصبحت ضرورة ملحة في ظل تراجع عائدات صادرات النفط والتداعيات الاقتصادية لتفشي وباء كورونا عالميا.

وفي أحدث خطوات هذا المسار، كشفت الحكومة الأحد أن السلطنة ستبدأ في إصلاح نظام الدعم باهظ التكلفة في يناير المقبل وخاصة في قطاعي الكهرباء والمياه، بحيث يصبح التركيز على هذين المجالين للفئات الأكثر فقرا.

وتهدف الخطوة إلى جانب قوانين العمل والخصخصة والضرائب الجديدة، والتي تندرج ضمن خطة التوازن المالي للدولة لخفض العجز المالي المتنامي، الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل إلى 10 في المئة من الناتج الاقتصادي هذا العام.

وتأخذ الخطة الجديدة بشأن إصلاح الدعم بعين الاعتبار على الوضع الاجتماعي بهدف تحصينه من النتائج الجانبية لعملية الإصلاح، التي ستقتضي الضغط على الإنفاق العام والحدّ من سخاء الدولة في تقديم الدعم.

وذكرت وكالة الأنباء الرسمية أن محمّد الرمحي رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم الخدمات العامة أقرّ قرارات تتصل بإصدار لائحة التعرفة المنعكسة عن التكلفة، وبإصدار لائحة التعرفة المعتمدة لتوصيل الكهرباء والتزويد بها وتعديل بعض أحكام لائحة تعرفة التزود بالمياه الصالحة للشرب.

وحددت الخطة الفئات التي سيتم رفع الدعم عنها، أولها الفئة السكنية لحساب المواطنين “حسابان لكل مواطن على أقصى تقدير”، وسيتم رفع الدعم عنها تدريجيا في أول أيام العام الجديد وصولا إلى إلغاء الدعم بالكامل للكهرباء والمياه بحلول عام 2025، فيما تم توجيه الدعم لفئات محددة ضمن نظام الدعم الوطني.

نظام دعم الكهرباء والمياه سيستبعد من دخل العمانيين أكثر من 3260 دولارا شهريا بينما تبقى الفئات الأقل مدعومة لـ4 سنوات

أما الفئة الثانية، فتستهدف المقيمين والحسابات الإضافية والمخصصة للمواطنين أصحاب أكثر من حسابين، فسوف تتعرض لزيادة التعرفة تدريجيا للكهرباء بدءا من يناير المقبل، وصولا إلى تعرفة غير مدعومة بحلول 2023، وفي ما يتعلق بفواتير المياه، فسيتم رفع الدعم تدريجيا بدءا من يناير، وصولا إلى تعرفة غير مدعومة بحلول 2024.

وتشمل الفئة الثالثة المؤسسات الحكومية والشركات الصناعية والتجارية والزراعية وغيرها، حيث سينطبق عليها تماما كما ينطبق على فئة المقيمين والحسابات الإضافية.

وقالت الحكومة في بيان إن “نظام الدعم الجديد للكهرباء والمياه سيستبعد الأُسر التي يزيد دخلها على 1250 ريالا (3260 دولارا) شهريا، وأما الأُسر التي يقل دخلها عن 500 ريال (1300 دولارا) ستظل تتلقى دعما حكوميا في فواتير المرافق. وبالنسبة إلى الفئات الأخرى، سيعتمد الدعم على عدد أعضاء الأسرة”.

ولم تكشف السلطات عن إمكانية توسيع القطاعات المستهدفة برفع الدعم عنها تدريجيا، إلا أن بعض المحللين يعتقدون أنه من المحتمل أن تقدم مسقط على هذا الأمر إذا ما تطلبت الظروف ذلك.

وخلال السنوات القليلة الماضية تراكمت ديون البلد الخليجي نظرا للاختلالات البنيوية في اقتصاده الضعيف قياسا بجيرانه في المنطقة، ولذلك فالدولة حاصلة على تصنيف عالي المخاطر من كافة وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية، ولكن منذ أن تولى السلطان هيثم بن طارق التركيز على الشق الاقتصادي في إطار خطّته الشاملة لتحديث السلطنة.

اختلالات مالية مزمنة

وكانت السلطنة قد وضعت منذ فترة عناوين عريضة لإصلاح اقتصادها وتنويع مصادر الدخل، وإدخال تعديلات تشمل فرض ضرائب والحدّ من الدعم الحكومي، إلا أن الخطط تأجلت في عهد السلطان الراحل قابوس بن سعيد، الذي توفي في يناير الماضي، حيث لم تتحتّم الحاجة للدفع بتلك الإصلاحات كما هي عليه الحال اليوم.

وأشار خبراء معهد التمويل الدولي إلى أن سلطنة عمان تبدو وكأنها نقطة ضعيفة على نحو متزايد بالمنطقة في ضوء تنامي ديونها، وأنها قد تشهد انكماشا اقتصاديا بنسبة 5.3 في المئة بنهاية العام الجاري، بينما قد يرتفع عجزها إلى نحو 16.1 في المئة من 9.4 في المئة قبل عام.

وفرضت الجائحة تداعيات استثنائية على البلاد في مستهلّ مسار جديد للإصلاح مرتبط بمجيء السلطان هيثم، الذي كشف منذ الأيام الأولى عن توّجه نحو التخلّص من البطء والتكلّس في أجهزة الدولة وإزالة كافة العراقيل، التي أخّرت الإصلاح الاقتصادي، وجاءت الظروف الحالية لتثبت أنّه ضرورة ملحّة.

وكان حاكم البلاد الجديد قد أقر في شهر أكتوبر الماضي تطبيق ضريبة القيمة المضافة لدعم الإيرادات العامة وسيبدأ تفعيلها في أبريل المقبل، رغم أن الخطوة جاءت متأخرة قياسا بدول في المنطقة وفي مقدمتها السعودية والإمارات.

وفي مايو الماضي، أعلنت وزارة المالية عن حزمة إجراءات إضافية لخفض الإنفاق الحكومي من أجل تقليل حدة تداعيات انخفاض الإيرادات النفطية.

واستهدفت التدابير خفضا إضافيا بنحو 5 في المئة على الموازنة المعتمدة لكافة الوحدات المدنية والعسكرية والأمنية للعام الجاري ليصبح إجمالي الخفض بنسبة 10 في المئة، فضلا عن وقف كافة الحفلات والفعاليات غير الضرورية كالاحتفالات السنوية وحفلات التدشين.

كما شملت الإجراءات خفض السيولة المعتمدة لبرامج التنمية بحوالي 10 في المئة وخفض المصروفات التشغيلية والإدارية للشركات الحكومية بنسبة لا تقل عن عشرة في المئة، وخفض الدعم المقرر للشركات الحكومية إلى النصف.

وتظهر أحدث بيانات معهد صندوق الثروة السيادية أن صندوق الاحتياطي العام للدولة العمانية، وهو أكبر صندوق سيادي في البلاد، لديه أصول بحوالي 14 مليار دولار، في حين أن ثاني أكبر صناديق السلطنة، الصندوق العماني للاستثمار، لديه 3.4 مليار دولار فقط.

11