هل تمهد الاحتجاجات لمنح الجيش دورا أكبر في تونس

تونس - يُثير تدخل الجيش التونسي في مناطق عدة لفض الاحتجاجات وعمليات العنف التي جدت في عدد من الولايات (المحافظات) تساؤلات بشأن ما إذا كانت هذه الموجة من الاحتجاجات التي اجتاحت تونس ستمهد لدور أكبر للجيش الذي ظل لعقود طويلة بعيدا عن الشأن السياسي.
ومؤخرا تصاعد الحديث عن ضرورة نشر الجيش في كافة أرجاء البلاد “لحماية المنشآت العمومية ومواقع الإنتاج مع بعض الإجراءات بحق سياسيين” ما أثار سجالا حادا حول هذه الدعوات التي رأى فيها البعض محاولة “للانقلاب على الديمقراطية الناشئة”.
وانتشرت الأحد وحدات من الجيش في محافظة توزر بعد ليلة شهدت اشتباكات عنيفة تخللتها أعمال عنف وتخريب في احتجاجات اجتماعية.
وشهدت المدينة حالة من التوتر استمرت حتى وقت متأخر من مساء السبت بسبب مطالبات بتقسيم أراض سكنية في الجهة وتسوية وضعياتها القانونية.

رافع الطبيب: المؤسسات المدنية انهارت وفقدت الفعالية بخلاف الجيش
ويتهم المحتجون السلطات الجهوية بوجود عمليات فساد واستحواذ غير قانونية على أراض في الجهة، وبدأوا اعتصاما أمام مقر المحافظة قبل تدخل قوات الأمن لتفريقهم بالغاز المسيل للدموع.
وتشهد مناطق عدة جنوب تونس من حين إلى آخر صراعات بينها حول الأراضي المشاعة، التي لا تخضع عادة لتوثيق عقاري، ومن ذلك مواجهات بين قريتي يشتي وجرسين من محافظة قبلي، عام 2017، أدت إلى سقوط 78 جريحا.
وقال شهود إن محتجين قطعوا طرقا وأشعلوا النيران في العجلات في شوارع رئيسية ودخلوا في عمليات كر وفر مع الأمن وسط المدينة.
وأظهرت مقاطع فيديو من قبل نشطاء في الجهة، عمليات تخريب وسطو استهدفت أحد المراكز التجارية الكبرى التابعة لسلسلة متاجر كارفور.
وأصيب في المواجهات خمسة محتجين وعدد من قوات الأمن بجروح، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء التونسية قبل أن يتدخل الجيش صباح الأحد.
ونفت “تنسيقية أحداث توزر الجديدة” التي نظمت الاعتصام والوقفة الاحتجاجية السبت، والتي تحوّلت لاحقا إلى عمليات كرّ وفرّ، مسؤوليتها عن عمليات خلع عدد من الفضاءات التجارية في مدينة توزر والعبث بمحتوياتها.
وتواتر مؤخرا الحديث عن دور “لا مفر منه” للجيش في إخماد التوترات التي تجد من حين لآخر بسبب مطالب تتعلق بالتشغيل وحقوق الجهات التنموية، خاصة بعد أن باتت هذه الاحتجاجات تستهدف مواقع الإنتاج.
وقال رافع الطبيب، الأستاذ الجامعي والباحث التونسي، إن “الحكومة ليست قادرة لا على التفاوض مع الناس أو الاستجابة لمطالبهم لذلك باتت تتفاعل مع الأوضاع بحلول أمنية وعسكرية”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “حكومة هشام المشيشي لم تتمكن من إخماد الحريق الذي أشعلته هي بسياساتها الاتصالية الكارثية وبفقدانها للتواصل على المستوى الاجتماعي لاسيما في المناطق الداخلية والحدودية في البلاد فماهو الحل؟ إرسال الجيش، كل المؤسسات المدنية انهارت في تونس وفقدت المصداقية والفعالية بخلاف الجيش”.

الصحبي بن فرج: مواجهة أحداث الشغب ستنهك الجيش التونسي وتستنزفه
وأوضح أن “ما حدث في توزر مثلا خطير جدا. إنه انفلات أمني، لم يعد هناك أي تواجد حكومي على مستوى الجهات”.
وتدخل الجيش في الشأن العام مسألة حساسة في تونس حيث دخلت أطراف سياسية مؤخرا في تلاسن حاد بعد دعوات لتولي القوات العسكرية مهام حفظ الأمن وحماية المنشآت العمومية ومواقع الإنتاج.
ودعا محمد عبو في وقت سابق وهو الأمين العام السابق لحزب التيار الديمقراطي المعارض إلى نشر الجيش في الشارع وتوقيف بعض السياسيين.
والأسبوع الماضي تدخل الجيش في محافظة القصرين الواقعة وسط غرب البلاد لتفريق محتجين يعتصمون أمام مقر تابع لإحدى الشركات.
وقد اضطر الجيش إلى إطلاق الرصاص في الهواء كتحذير لهؤلاء بعد أن حاولوا اقتحام مقر محطة ضغط الغاز التابعة لشركة “خدمات أنبوب الغاز العابر للبلاد التونسية ‘سارغاز'”.
وفي تعليقه على تزايد أدوار الجيش وإمكانية تدخله في السياسة يقول الطبيب إن “الجيش التونسي لا يريد لعب أي دور سياسي لأنه جيش جمهوري حقيقة بالرغم من العديد من الدعوات لكنه يرفض أن يكون هو المتحكم في السلطة (..) هو لا يريد ذلك”، مضيفا “الجيش يُدفع به ليكون الرافعة الأمنية في تونس في هذه المرحلة الدقيقة وهذا خطير لأنه ليس دوره”.
وهذا الرأي يُسايره فيه البرلماني السابق والناشط السياسي الصحبي بن فرج الذي يقول لـ”العرب” “إن الجيش ليس له أي رغبة لا في التحكم في السلطة ولا في دور إضافي في المشهد”.
وأضاف بن فرج “بصرف النظر عن أن جيشنا جمهوري ولم يتدخل في الشأن السياسي غير أن عجز الحكومات سيرغمه على مواجهة أحداث الشغب وهذا خطير جدا لأن ذلك سيُنهك ويستنزف الجيش الذي من المفترض أن يتفرغ لمواجهة الأخطار على الحدود والإرهاب وغيرها”.
وتُحمل العديد من الأوساط الاجتماعية والسياسية الأحزاب مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في تونس، لاسيما مع احتدام السجالات السياسية، التي غيّبت البرامج التنموية الحقيقية التي تستجيب لتطلعات التونسيين.
وتُحذّر هذه الأوساط من توسع دائرة الاحتجاجات خاصة مع غياب الاستقرار السياسي ما سيجعل معالجة هذه التحركات، التي تقرّ غالبية الأطراف السياسية بمشروعية مطالبها تقتصر على الحلول الأمنية وحتى العسكرية.