المالكي يكمل استيلاءه على مفاصل حزب الدعوة بعد صراعات خفية شرسة

بغداد - نفّذ رئيس الوزراء الأسبق في العراق نوري المالكي، آخر خطوات الاستيلاء التام على حزب الدعوة الإسلامية بعد صراعات خفية شرسة انتهت إلى إمساكه بجميع مفاصل هذه المؤسسة السياسية ذات الطابع السرّي في الأداء.
ويوم الخميس، أعلن رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي استقالته من جميع المناصب القيادية في حزب الدعوة الإسلامية.
وحرص العبادي لدى إعلان النبأ لوسائل الإعلام أن يوحي بأن أجواء “الدعوة” لم تعد ودية بسبب سياسات المالكي عندما دعا إلى “مراجعة نقدية لتجربة الحزب وتجديد قيادته وضخ الدماء الجديدة في مفاصله”.
وبالرغم من أن استقالة العبادي في هذا التوقيت لم تعد لها أيّ قيمة سياسية إلا أنها ذكرت أوساط المراقبين بالصراع المرير بين رئيسي الحكومة السابقين.
واقترب العبادي كثيرا من إعلان استقالته قبيل انتخابات العام 2018، عندما كان رئيسا للوزراء، بسبب المالكي أيضا، الذي قاد ضده حملة سياسية وإعلامية شعواء من منطلق الحسد.
لكنّ العبادي تراجع في آخر لحظة، خشية أن يقود حزب الدعوة ضده عملية تصويت عقابي.
والحقيقة أن الحزب ليست له شعبية تذكر حتى يستخدمها في مكافأة أو معاقبة أيّ من أعضائه وقادته، إنما هو أقرب للمنظمة السرية التي تتعمد تقليل عدد أعضائها ليتسنى لها استخراج الفاعلية القصوى منهم.
واتفق كثيرون على أن العبادي توهم قوة حزب الدعوة في حينها وأراد أن يبقى في كنفه خلال الانتخابات، وهو ما قاده إلى تحقيق نتائج مخيبة خلال الاقتراع، وضعته في المركز الثالث ضمن الفائزين الشيعة، بالرغم من أنه كان رئيسا للوزراء.
ومنذ ذلك الحين، بات في حكم المؤكد أن العبادي ابتعد عن حزب الدعوة تماما، تاركا كل شيء للمالكي، ولكن من دون استقالة علنية.
وفوجئ كثيرون، الخميس، عندما أعلن العبادي القطيعة مع حزب الدعوة، معرّضا بالمالكي، لكنّ المتابعين لوضع هذا الحزب يدركون أن هذه الخطوة لم تكن منعزلة عن تطورات أعم.
وتقول مصادر مطلعة إن المالكي سئم من انتقادات أحد أعضاء الحزب المقربين من العبادي، خصوصا رجل الدين الشيعي مهند الساعدي.
ويوجّه الساعدي انتقادات جريئة المالكي، ويشير إليه بالتصلب وقيادة الشيعة في العراق إلى مواجهة دموية وحثهم المستمر على تنفيذ التوجيهات الإيرانية.
والأسبوع الماضي قام المالكي بصفته أمينا عاما لحزب الدعوة بفصل الداعية مهند الساعدي من الحزب، وهو ما صنع موجة من المعارضة الداخلية في أربع محافظات عراقية.
وتوضح المصادر أن عددا من أعضاء حزب الدعوة في البصرة وميسان وذي قار وكربلاء قدموا استقالاتهم اعتراضا على سلوك المالكي، ولاسيما قرار فصل الساعدي، موضحة أن التوتر بين المالكي وهؤلاء الأعضاء يعود إلى سنين خلت، ولاسيما خلال المؤتمر العام الأخير في يوليو 2019.
وتسبّب هذا المؤتمر الذي عقد في مدينة كربلاء في انقسام حاد داخل أوساط الحزب، وسط اتهامات للمالكي باتباع سلوكيات شاذة للاحتفاظ بمنصب الأمين العام للدعوة الإسلامية.
ووجهت مجموعة قيادية في الحزب للمالكي اتهامات بتحويل قيادة الدعوة إلى واجب عائلي عندما أسند لصهريه مهام قيادية بارزة، لا تتناسب ومؤهلاتهما البسيطة، من أجل أن يزجّ بهما في مجلس النواب، وهو ما تحقق له فعلا.
وتقول المصادر إن قرار العبادي بالاستقالة من حزب الدعوة كان ذروة الانفجار الداخلي ضد المالكي، الذي يواجه اعتراضا من قيادات بارزة عديدة داخل الحزب حاليا، أبرزها عبدالحليم الزهيري رجل الدين المؤثر للغاية في كواليس المشهد السياسي.
كذلك يواجه المالكي اعتراضا شديدا من حليفه وكاتم أسراره طارق نجم، وهو رجل المفاوضات الأول في حزب الدعوة، ويحظى بتقدير بالغ في الأوساط السياسية الشيعية ما يفتح أمامه الأبواب المغلقة.
ويعرف نجم بأنه العرّاب السياسي للمالكي، الذي استقتل كي يبقى منصب رئيس الوزراء داخل حزب الدعوة، وتحديدا للمالكي، في 2010، عندما خسر الأخير الانتخابات أمام إياد علاوي.
وتقول المصادر إن نجم غاضب بشدة من التوجه العائلي الذي ينتهجه المالكي في قيادة حزب الدعوة، مؤكدة أنه رفض مؤخرا تلبية دعوة الأمين العام للحزب إلى اجتماع طارئ.
وبالرغم من أن حزب الدعوة لا يقف على أيّ شعبية محترمة، إلا أن شبكته ضمن الدولة العميقة توفر له ما يحتاجه من غطاء مالي وسياسي كي يبقى حاضرا في الساحة الشيعية.
وأقال رؤساء الوزراء الذين جاؤوا بعد المالكي العديد من وكلاء الوزارات والمدراء العامين الذين عيّنهم الأمين العام لحزب الدعوة بين 2006 و2014، لكنّ العديد منهم ما يزال في موقعه لأسباب مختلفة، بعضها قانوني والآخر سياسي.
ويقول مراقبون إن المالكي حسم على ما يبدو الصراع على تركة حزب الدعوة في مؤسسات الدعوة، قبيل بدء التحضير للانتخابات العامة الجديدة المقررة صيف العام المقبل.