شطب السودان من لائحة الإرهاب تحوّل جذري بين الخرطوم وواشنطن

الخطوة الأميركية تعزّز موقع عبدالفتاح البرهان في قلب السلطة.
الثلاثاء 2020/12/15
واشنطن نفذت التزامها فماذا عن الخرطوم

خطا السودان خطوة كبيرة في مسار إعادة دمج اقتصاده بالمنظومة العالمية، بعد أن شطبت الولايات المتحدة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ويقول متابعون إن القرار الأميركي ستكون له استتباعات إيجابية عدة في ظل مرحلة حساسة يمر بها البلد.

الخرطوم – أشاد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الاثنين، بما وصفه بـ”تحوّل جذري” في العلاقات مع السودان، الذي تم شطبه رسميا الاثنين من قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب.

وقال بومبيو، لقد “تم رسميا إلغاء تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب، ويمثّل ذلك تحوّلا جذريا في علاقاتنا الثنائية باتّجاه المزيد من التعاون والدعم لانتقال السودان التاريخي إلى الديمقراطية”.

ونجحت السلطة السودانية في تحقيق إنجاز جرت حوله نقاشات كثيرة كمفتاح مهم لإنقاذ الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والحدّ من الأزمات المتراكمة، وصممت الخرطوم على حدوثه قبل الشروع في أي خطوة رسمية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

وجرت مياه كثيرة في قناة التطبيع كمدخل أساسي لشطب السودان من القائمة السوداء، وبات الآن الدولة الرابعة عربيا، بعد الإمارات والبحرين والمغرب، التي يمكن أن تعلن قريبا تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشكل رسمي. وحققت الإدارة الأميركية اختراقات نوعية على مستوى العلاقة بين إسرائيل ومحيطها العربي، مستخدمة أسلوب الصفقات السياسية المغرية.

نبيل أديب: القرار الأميركي يهيّئ لدمج اقتصاد السودان مع المنظومة العالمية
نبيل أديب: القرار الأميركي يهيّئ لدمج اقتصاد السودان مع المنظومة العالمية

وأبدى مجلس السيادة السوداني استعدادا مبكرا للصفقة، كمدخل يمكن أن يقلل من حجم الأزمات في البلاد، لأن الخروج من لائحة الإرهاب سيفتح أبوابا اقتصادية وسياسية كبيرة أمام السودان، حيث يريد بدء مرحلة جديدة من تاريخه تقطع صلته بالماضي وتؤكد انسجامه مع الحاضر والتطورات الإقليمية.

وسارع رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، في تغريدة له، إلى تهنئة الشعب بهذه المناسبة، التي اعتبرها “عملا عظيما، ونتاج جهد بذله أبناء بلادي، وهو تم بذات الروح التكاملية لجماهير ثورة ديسمبر الشعبية والرسمية”.

وأسهمت الجرأة، التي تمتع بها البرهان في الربط صراحة بين التطبيع وشطب السودان من اللائحة المدرج عليها منذ العام 1993، في رفع أسهمه خارجيا، ودافع عن تصوره في مواجهة عواصف احتجاجية في الداخل، وأبدى قدرا لافتا من الواقعية السياسية، كانت ستضعه في مهب الرياح، إذا أخفق رهانه على رفع اسم السودان.

وقال رئيس الحكومة عبدالله حمدوك “اليوم وبعد أكثر من عقدين، أعلن لشعبنا خروج اسم بلادنا الحبيبة من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وانعتاقنا من الحصار الدولي والعالمي، الذي أقحمنا فيه سلوك النظام المخلوع”.

ولم يأت أي من المسؤولين الكبار في السودان على ذكر مباشر لمسألة التطبيع عقب إعلان السفارة الأميركية في الخرطوم الاثنين، رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.

وجاءت غالبية التصريحات والتقديرات سابقا من مجلس السيادة وربطت بين الخطوتين، وهو ما جعل إسرائيل وأصدقاءها يتحركون حثيثا خلال الأيام الماضية لإنجاز الخطوة سريعا، قبل أن ترحل إدارة ترامب، وقد تتعطل بعض تصوراته السياسية.

ويخشى المكوّن العسكري في مجلس السيادة أن تستخدم الإدراة الأميركية تحت قيادة جو بادين سلاحي الحريات والتحول الديمقراطي، وتضع شروطا قاسية أمام السودان، بما يعرقل رفع اسمه، ويدخل الجيش في دوامة من التنازلات.

وبهذه الخطوة الجديدة يتعزز مركز البرهان في قلب السلطة، ويبدو كمنقذ للبلاد من “الهلاك”، ما يخفف من حدة الانتقادات المتوقعة عندما يحين وقت دفع الثمن والإعلان رسميا عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الذي ربما يوفر له حصانة سياسية.

ويقول مراقبون، لقد حان الوقت ليدفع السودان ضريبة رفع اسمه، لكن المشكلة أن حمدوك ربط من قبل التطبيع بالحصول على موافقة شعبية عليه، الأمر الذي يعيد الجدل إلى ساحة السودان، ويضاعف من التحديات التي تواجه السلطة الانتقالية، بشقيها العسكري والمدني في الشارع.

ولفت الباحث السوداني حامد التيجاني لـ”العرب”، إلى أن رفع اسم السودان تحول إلى متاجرة سياسية لدى السلطة الانتقالية، وأداة من أدوات التنفيس في الداخل لمنح الأمل في المستقبل، و”لن يكون لها تأثير على الأوضاع العامة، فالشارع لم تعد لديه ثقة كبيرة في السلطة، ومن الضروري التركيز على الإجماع الوطني حاليا”.

وفي الوقت الذي كانت مواقف المكوّن العسكري واضحة إلى حد بعيد في ملف التطبيع، تبنى المكون المدني مواقف حمّالة أوجه، على الرغم من عدم ممانعة رئيس الحكومة له، وبدا أسيرا لجناح متشدد في تحالف الحرية والتغيير يرفض التطبيع.

Thumbnail

وأدرجت الولايات المتحدة السودان على لائحتها للدول الراعية للإرهاب، بعد أن اتهمت نظام الرئيس المعزول عمر حسن البشير بإقامة روابط مع منظمات إرهابية، ما حال دون وصول الكثير من الاستثمارات الأجنبية الغربية إلى السودان، الذي تأثر بمنع إقامة علاقات تجارية معه بفعل العقوبات التي فرضت عليه.

ووافقت الخرطوم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل في 23 أكتوبر الماضي، وبعدها بأيام طلب ترامب من الكونغرس سحب السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب.

وينتظر السودان الحصول على الحصانة القانونية في قضايا مرتبطة باعتداءات سابقة تتطلب تشريعا، لا يزال محل مناقشات في الكونغرس، يسمى “السلام القانوني”، ويمنح قيادات السودان حصانة في قضايا على صلة بعمليات إرهابية حدثت سابقا.

ودفع السودان مبالغ مالية كبيرة لضحايا كل من المدمرة الأميركية كول، وتفجير سفارتي أميركا في كينيا وتنزاينا، وثمة مطالبات بدفع تعويضات لضحايا 11 سبتمبر.

وأكد الحقوقي السوداني البارز نبيل أديب، أن قرار رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب يمنع رفع دعاوى قضائية جديدة من قبل المواطنين الأميركيين ضد الدولة السودانية، ومن المفترض أن يتبعه قرار آخر يمنح السودان حصانة سيادية.

وأضاف لـ”العرب”، أن الولايات المتحدة ستقدم على اتخاذ هذا القرار خلال أيام، في ظل عدم صدور أي أحكام أخرى ضد الدولة السودانية، وأن المفاوضات الجارية حاليا مع محامي ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، سوف تتوقف ولن تضطر الخرطوم لدفع أموال لضحايا لم تصدر بحقهم أحكاما من الأساس.

وأشار أديب إلى أن أهمية رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب في دمج اقتصاده مع المنظومة العالمية، بما يحمل انعكاسات إيجابية كبيرة على واقع الاستثمار في البلاد.

وحققت الخرطوم إنجازا مهما وعليها استثمار مردوداته المختلفة، لأن استمرار المشكلات سوف يضع السلطة الانتقالية بين فكي رحى غضب الشارع الذي ينتظر انفراجات على مستويات متعددة، وضغوط الحركة الإسلامية وفلول الرئيس المعزول عمر البشير الذين سيجدون المزايدة في ملف التطبيع أداة لاستعادة الزخم السياسي.

2