الخلافات تطرق باب أحد أبرز أحزاب المعارضة في تونس

تونس- شقت الخلافات الداخلية طريق حزب التيار الديمقراطي الذي يُعد أحد أبرز أحزاب المعارضة في تونس بعد انسحاب أمينه العام محمد عبو في وقت سابق والذي بات يصدح بمواقف دفعته أخيرا لمغادرة الحزب نهائيا.
وأكد غازي الشواشي، الأمين العام للتيار الديمقراطي، صحة ما تداولته وسائل إعلام محلية عن مغادرة محمد عبو الأمين العام السابق للحزب بشكل نهائي، وذلك بعد إعلانه الاستقالة من منصب الأمانة العامة في أوائل سبتمبر الماضي.
ورجح الشواشي في حديث لـ”العرب” أن يكون قرار مغادرة عبو نابعا من أن “يكون مستقلا ويتبنى أطروحات ومواقف خاصة به وتفضيله ممارسة السياسة بصفة مستقلة خارج الأطر الحزبية”، لافتا إلى أنه “أصبحت لديه مواقف مختلفة عن مواقف الحزب”. وتابع “تجنبا للإحراج قرر الانسحاب نهائيا من الحزب”.
موجة من الاحتقان تخيم على أعمال المجلس بسبب نقاشات بشأن موقع المرأة، بين نواب ائتلاف الكرامة المحسوب على التيار اليميني الديني وأحزاب أخرى من المعارضة الليبرالية
وربط متابعون توقيت استقالة عبو على خلفية إطلاقه تصريحات جديدة مثيرة للجدل وتتعارض مع مواقف الحزب الرسمية، باستفحال الخلافات بين القيادات التي بدت منقسمة في التفاعل مع الأزمة السياسية الحادة التي تعصف بالبلاد في الآونة الأخيرة.
وأعرب عبو البالغ من العمر 54 عاما، الثلاثاء، عن تأييده لنشر الجيش في كامل أرجاء تونس ووضع سياسيين في الإقامة الجبرية بإذن من القائد الأعلى للقوات المسلحة (رئيس البلاد) مع احتدام الأزمة السياسية.
وأضاف في تصريحات لإذاعة محلية أنه بإمكان الرئيس النظر بمعية وزير الداخلية في وضع الأشخاص الذين يمثلون خطرا على الدولة تحت الإقامة الجبرية إلى حين عودة القضاء إلى عمله. وسبق لعبو أن اعتبر أن مكان العديد من قيادات حركة النهضة وقلب تونس هو السجن.
لكن الشواشي شدّد على أن مواقف عبو تلزم شخصه وتتعارض مع مواقف الحزب الرسمية، في خطوة فسرها متابعون بأن دعوات الانقلاب التي أطلقها عبو على الدستور النقطة التي أفاضت الكأس والتي عمقت الخلافات بينه وبين قيادات التيار وكانت وراء قرار استقالته من عضوية التيار. وقال الشواشي “منذ مغادرة عبو منصب الأمانة، أطلق تصريحات تتناقض مع الحزب”.
وتعليقا على دعوة عبو الرئيس قيس سعيد إلى نشر الجيش، يؤكد الشواشي أن موقف الأمين العام السابق للتيار يلزمه ولا يلزم الحزب ويعكس رغبته في تبني مواقف مستقلة وممارسة السياسة بشكل مستقل.
وكشف الشواشي رفضه لكل محاولات الانقلاب على الدولة وعلى المسار الديمقراطي. وبرأيه فإن الأولوية هي لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ضمن إطار القانون دون انحراف على الدستور والشرعية.
ويتعرض سعيد إلى ضغوط بعد تواتر الدعوات للتحرك ضمن صلاحياته الدستورية لمعالجة الأوضاع المتردية على أكثر من صعيد، التي فاقمت حالة الاستياء الشعبي.
وعلى غرار عودة الاحتجاجات الشعبية في المدن الداخلية، يعيش البرلمان أسوأ فتراته بسبب تصاعد خطاب العنف والكراهية من قبل كتلة ائتلاف الكرامة الإسلامي المتشدد، ما دفع بعض السياسيين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إطلاق دعوات لحله، بهدف وقف حالة الاحتقان النيابي المتصاعدة.
وتخيّم موجة من الاحتقان على أعمال المجلس بسبب نقاشات بشأن موقع المرأة، بين نواب ائتلاف الكرامة المحسوب على التيار اليميني الديني وأحزاب أخرى من المعارضة الليبرالية.
ولم تكن الدعوة لحل البرلمان هي الأولى، إذ سبقتها العديد من الدعوات أبرزها في يونيو الماضي، على وقع تصاعد خلافات بين مكونات الائتلاف الحاكم في تونس. ودعت أوساط سياسية سعيد إلى تطبيق الفصل 80 من الدستور لحل البرلمان في أعقاب أحداث العنف والفوضى الأخيرة.
ويعتقد الشواشي أنه لا يمكن لرئيس الدولة استعمال الفصل 80 باعتبار أن شروط الفصل القانونية والدستورية والواقعية غير متوفرة بغياب المحكمة الدستورية. ويوضح أن “الأزمات الحالية لا تبرر دعوات الانقلاب على الدستور” داعيا إلى ضرورة معالجة الأوضاع بحكمة وموضوعية دون الالتجاء إلى الانقلاب على الدستور، مستغربا أن يطلق سياسيون ورجال قانون مثل هذه الدعوات.
ويرى متابعون أن خطاب الشواشي يتناقض مع تصعيد عبو ضد الطبقة السياسية وخاصة حركة النهضة، ما يؤكد الاختلاف العميق في وجهات النظر داخل التيار.
وكان عبو قد شنّ هجوما على حركة النهضة الإسلامية متهما إياها بشبهات فساد تتعلق بأنشطة سياسية، وأنها من “حاكت الدسائس” لسحب البساط من تحت قدمي رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ. وتولى عبو البالغ من العمر 54 عاما حقيبة وزارة الإصلاح الإداري في حكومتي حمادي الجبالي الإخوانية عام 2012 وإلياس الفخفاخ عام 2020.
وأبرز عبو أن النهضة التي تدّعي نجاحها في الإطاحة بحكومة تضارب المصالح لإلياس الفخفاخ هي “حركة تعيش بأموال كلها غير قانونية وغير شرعية وسبق أن تمّ تقديم شكاية في الغرض للتثبت من مصادر تمويل الحركة، علاوة عن تبييض الأموال وعلاقتها بالمال الفاسد والتمويل الأجنبي”.
وفيما رجّح متابعون أن مغادرة عبو للحزب مردّها مواقفه الأخيرة من حركة النهضة في وقت خفّف الحزب من نبرته التصعيدية ضدها، يؤكد الشواشي أن “النهضة خصمنا السياسي ونحمّلها مسؤولية تردي الأوضاع”، ما يثبت أن دعوات عبو لتدخل الجيش كانت نقطة الخلاف الرئيسية. وأضاف أن “استقالة عبو لا علاقة لها بمواقفي، ومواقفي الآن هي في الحقيقة مواقف الحزب الحقيقية”.
محمد عبو أعرب عن تأييده لنشر الجيش في كامل أرجاء تونس ووضع سياسيين في الإقامة الجبرية بإذن من القائد الأعلى للقوات المسلحة (رئيس البلاد)
وعن توقيت استقالة عبو، يرى الشواشي أنه لم يكن مناسبا، مقرا بتأثير هذه الخطوة على الحزب. وتابع “لم نرغب في قرار الاستقالة لكنه قرار شخصي.. لا نستطيع أن نجبره على التراجع”.
وعلى الرغم من نفي الشواشي وجود شقوق داخل حزبه أو انقسامات، إلا أنّ متابعين يتوقعون تراجع شعبية التيار في ظل تضارب المواقف الذي بدا واضحا بين قياداته. مع ذلك، يؤكد الشواشي أن حزبه سيواصل مشواره وسيعيد ترتيب بيته، فهو “حزب هياكل وليس حزب أشخاص”.
وختم بالقول “التيار في وضع ناضج لصناعة سياسة تحقق انتظارات التونسيين، وسيوظف هذا النضج في المرحلة القادمة حتى يلعب دورا أكثر فاعلية”.
ويمثل حزب “التيار الديمقراطي” المعارض في البرلمان 22 نائبا (من أصل 217)، وكان الأمين العام الحالي للحزب قد شغل منصب وزير الشؤون العقارية وأملاك الدولة بين 27 فبراير و3 سبتمبر الماضي. ويعد التيار أحد أبرز الأحزاب في تونس منذ تأسيسه في أعقاب ثورة يناير 2011.