الجزائر تسحب ملف إدراج موسيقى الراي في قائمة التراث العالمي

الجزائر - أشارت وزارة الثقافة والفنون الاثنين في بيان لها أنه تم سحب ملف تصنيف موسيقى الراي الذي اقترح على لجنة تنظيم الدورة الـ15 للجنة الحكومية المشتركة لحماية التراث الثقافي اللامادي والمرتقب تنظيمها افتراضيا ما بين 14 و19 ديسمبر الجاري بطلب من الوزارة الوصية حتى يتسنى لها تدعيم الملف بعناصر جديدة تتماشى والإجراءات التقنيّة التي تشترطها الهيئات الاستشاريّة للمنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” تمهيدا لعرضه في الدورة القادمة.
وكانت الجزائر وتونس وموريتانيا والمغرب قد قدمت ملفات لتصنيف “علوم وتقنيات عملية مرتبطة بإنتاج الكسكس” من بين 40 ملف ترشح عرض على اللجنة المختصة والتي ستفصل في تسجيلها في القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي العالمي سنة 2020.
وتحصي الجزائر 6 عناصر مدرجة في القائمة التمثيلية لليونسكو وهي اهليل قورارة ولباس العرس التلمساني والاحتفال بالمولد النبوي في تيميمون وامزاد وركب أولاد سيدي الشيخ واحتفال السبيبة والسبوع.
ويذكر أنه سبق لليونسكو سنة 2018 إدراج نظام كيالي الماء “الفوقارة” كتراث لا مادي يستدعي الحماية.
وعلى مدى ستة أيام، ستدرس الدورة الـ15 للجنة الحكومية المشتركة لحماية التراث الثقافي غير المادي، التي ستنعقد افتراضيا بسبب جائحة كورونا، 42 ملفا مرشحا ليدرج على القائمة التمثيلية، علاوة على أربعة ملفات أخرى تتعلق بالتراث غير المادي الذي يتطلب حماية عاجلة.
وستبث النقاشات عبر الإنترنت بلغتها الأصلية، إضافة إلى الترجمة الفورية باللغتين الإنجليزية والفرنسية على موقع اليونسكو.
لكن تبقى موسيقى الراي المثيرة للجدل من أهم الملفات التي يجب إدراجها ضمن قائمة التراث غير المادي للبشرية.
الراي ليس مجرد موسيقى وهو ما نتعرف عليه في كتاب كان أعده الروائي الجزائري سعيد خطيبي بعنوان “أعراس النار”، والذي يسرد فيه حكاية موسيقى الراي، متسائلا سياقاتها المؤسسة الأولى ومآلاتها المتعددة، وكيف تحول ”الراي” في النهاية إلى ”رايات” متعددة.
يقول الخطيبي في كتابه: لم يكن الأمر سهلا، أن نبحث في جذور هذه الموسيقى المثيرة للجدل، التي كانت من الطابوهات ولكنها أصبحت الوجه الآخر للجزائر في العالم. وبحثا عن الجذور لم يكن للكاتب إلا مساءلة الموسيقى الوهرانية من خلال لقائه بالفنان بلاوي الهواري، والموسيقى البدوية القديمة من خلال تراث الشيخ حمادة وغيره، ومن خلال النصوص الأولى التي شكّلت مجد الأغنية الوهرانية والبدوية والراي في وقت لاحق مثل نصوص سيدي لخضر بن خلوف، ومحمد بن مسايب ومصطفى بن إبراهيم المعروف بشاعر بني عامر وغيرهم.
ويرجع الباحث والصحافي الجزائري محمد بلحيّ تاريخ الراي إلى دولة الموحدين في المغرب العربي؛ حيث بدأ الراي كنتاج ثقافي عن امتزاج الثقافة العربية بالأندلسية بالأمازيغية، وصورته الأولية كانت أبياتا من الشعر المنشود في الشوارع والحواري للعامة.
الراي ليس مجرد موسيقى إنه فن عريق لطالما واجه الحصار وبات اليوم فنا عالميا يختزل نضال أمة
الراي تقليد شعري بدوي التراث، حسب ما استنتجه الباحث من مقدمة ابن خلدون الذي كتب عن الزجل الأندلسي المنتشر في بلاد المغرب أثناء فترة حكم دولة الموحدين، والراي في اللغة العربية يعني الرأي، الحكمة، وجهة النظر، النصيحة.
وتذكر الصحافية منى يسري أنه منذ مطلع عام 1920، مثّل الراي بالنسبة إلى الجزائريين ثقافة المحاربين غير التقليديين، حيث أصبح ذخيرتهم منذ ظهور الشيخ الخالدي، والشيخ حمادة، تبعتهما الشيخة الريميتي كأول امرأة تغني الراي، وأصبح الراي حاضرا في كل المناسبات الدينية والاجتماعية وحفلات الزفاف ومهرجانات القديسين، حيث بات فعل مقاومة للاحتلال.
ويؤكد سعيد الخطيبي أن المنعطف الأول لأغنية الراي كان في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي مع مسعود بلمو، ويونس بن فيسة وبلقاسم بوثلجة… وغيرهم، عندما نشأ مصطلح ”البوب راي” الذي كان في الأصل كلمة ارتجالية، سرعان ما تم التقاطها وشقّ هذا النوع من الموسيقى طريقه إلى العالمية بكثير من الثبات رغم الحصار الرسمي الذي ضرب حوله.
وعودا على النصوص المؤسسة فإن هذا النوع الموسيقي في الأصل نشأ في أحضان الأغنية البدوية من جهة والأغنية الوهرانية من جهة أخرى، التي تستند كل منهما على نصوص تراثية لشعراء معروفين في الناحية الغربية من البلاد، قبل أن يبرز جيل جديد من كتّاب الأغاني الذين أعطوا لأغنية الراي على غرار أحمد حمادي الذي خصص له الكاتب فصلا من الكتاب.
وتلفت يسري إلى أنه في العام 1994، بعد صعود الجبهة الإسلامية المتشددة في الجزائر، تم قتل الشاب حسني، أحد أشهر فناني الراي وقتها، وتلقت العديد من الفنانات تهديدات بالقتل، كالشابة الزهوانية والشابة فضيلة، ما دفع العديد من الفنانين نحو اللجوء إلى فرنسا، وممارسة الراي هناك ونشره في المجتمع الغربي، ليبدأ هذا الفن مرحلة جديدة من الانتشار.
وتذكر الكاتبة كيف لجأ نجوم الموجة الشبابية لموسيقى الراي أمثال؛ الشاب خالد، الشاب مامي والشاب فوديل، إلى فرنسا، بعد خوفهم من الاغتيال الذي نفذه الإسلاميون بالشاب حسني وغيره من الفنانين والتيارات اليسارية، ومثّل ذهاب الشاب خالد إلى فرنسا خطوة أولى في صعود الراي إلى العالمية.
قصة الراي ونضاله الطويل وتحولاته منذ عصور سابقة رغم الحصار من السلطات المتعاقبة، ووصوله إلى ما هو عليه من عالمية اليوم، تؤهله ليكون تراثا حيا لا ماديا لأجيال المستقبل، حيث سيساهم إدراجه ضمن لائحة اليونسكو في الحفاظ عليه والاعتناء به.