"ربع قيراط" قصة مكرّرة عن وضع المرأة المطلقة ومعاناتها في مصر

مسلسل "ربع قيراط" يحاول التطرّق إلى أنماط متعددة من الظلم الذي تتعرّض له النساء من خلال التركيز على الصورة السلبية التي تعيشها المطلقات.
الثلاثاء 2020/12/08
امرأة مظلومة مجتمعيا ونفسيا

لا تزال ثيمة المرأة المظلومة محبّبة في الدراما التلفزيونية رغم تقديمها في العشرات من المرات بأساليب مختلفة، حيث يركن كتابها إلى طبيعة جمهور المسلسلات الذي تطغى عليه “الأنثوية”، ومساحات التعاطف والشحن التي تثيرها نساء يعانين من أجل الحصول على أبسط حقوقهنّ الحياتية.

القاهرة- قدّم المسلسل المصري “ربع قيراط” قصة متكرّرة عن الزوجة المتفانية التي تكتشف خيانة زوجها لها، وتعاني من أجل إثبات حقوق أولادها بعد الطلاق، لكنه حقّق صدى كبيرا بين المشاهدين وتصدّر ترنّد مواقع التواصل الاجتماعي لعدة أيام، الأمر الذي رسّخ أقدام الفنانة ريهام عبدالغفور في أداء الأدوار التراجيدية.

ويحكي المسلسل قصة منى (الفنانة ريهام عبدالغفور) التي كافحت مع زوجها أحمد (الفنان مصطفى درويش) عشر سنوات من أجل تحسين ظروفهما المعيشية، قبل أن تكتشف زواجه من أخرى في وحدتهما السكنية الجديدة، ورفضه منحها حقوقها المشروعة.

ويحاول “ربع قيراط” التطرّق إلى أنماط متعددة من الظلم الذي تتعرّض له النساء، بداية من الذاتي بالتخلي عن أحلامهنّ لتربية الأبناء، أو المجتمعي وتحميل المطلقات مسؤولية انتهاء العلاقة مع الرجال حتى وإن لم يخطئن، والظلم النسائي الموجه من بنات الجنس الواحد ضد بعضهنّ، والغبن المالي بمنعهنّ من الحصول على ما يمنحهنّ القانون من حقوق.

وركّز العمل كثيرا على الصورة السلبية التي تعيشها المطلقات، حيث يعتبرها البعض صيدا يمكن جره إلى الخطيئة بسهولة أو استغلال حاجاتهنّ النفسية والجسدية، كرئيس منى في العمل الذي يحاول استدراجها إلى منزله، أو زوجة محاميها التي تنظر لها كمنافسة تستغل ضعفها لسرقة شريكها منها.

ولعبت القصة، التي كتبها أمين جمال، على الوتر الإنساني لإثارة التعاطف مع البطلة التي جاءت قلقة ومقهورة دائما، فتنازلت عن قدر من كرامتها لأجل أبنائها وتذهب إلى طليقها صاغرة لتتسوّل المصروفات المدرسية، وتقبل بوسطاء غير محايدين بينهما لتمكينها من إثبات حقها في أي مكان يَأوي أبناءها الصغار.

واتسم المسلسل بواقعية في عرض مشكلة بطلته التي تشبه عشرات الآلاف من النساء مررن بالظروف ذاتها، بالتنقل بين أروقة المحاكم في دعاوى للطلاق، أو المكوث بأقسام الشرطة لتنفيذ أحكام قضائية بتمكينهنّ من الوحدات السكنية محل الزوجية، والاستعانة بخدمات المحامين، ومماطلة أزواج الأمس في دفع نفقة الأبناء ونفقتي المتعة والعدة والتي تمتد لسنوات.

جدل قانوني

ريهام عبدالغفور أتقنت أداء شخصية المرأة المكسورة في حركة أعينها وتفاصيل وجهها، ممّا أثار تعاطف المشاهدين معها
ريهام عبدالغفور أتقنت أداء شخصية المرأة المكسورة في حركة أعينها وتفاصيل وجهها، ممّا أثار تعاطف المشاهدين معها

اكتسب العمل جدلا بعد مطالبات نسوية بإصدار قانون يمنع تعدّد الزوجات في مصر أسوة بتونس، وحكايات لسيدات لم يكتشفن ارتباط أزواجهنّ بأخريات إلاّ بعد وفاتهم، والمشكلات التي تتعرّض لها الأسر والأبناء جراء تحجّج الرجال بأنهم لا يرتكبون خطأ ولا يخالفون شرع الله.

ويحمل العمل تحذيرا للأسر التي تفرط في حقوق بناتها تطبيقا لمقولات خاطئة متوارثة من بينها كتابة مؤخر صداق في عقد زواج لا يتجاوز ربع جنيه (أقل من سنت)، بحجة أن أبناء الأصول لا يفكرّون في تلك الأمور، أو التنازل عن قائمة المنقولات الزوجية والأثاث بزعم أنهم يأتمنون الزوج المستقبلي على بناتهم، فكيف لا يأمنونه على قطع من الخشب والمفروشات؟

ويشير إلى تكرار العائلات لأخطائها مع سيادة مبدأ “الزواج سترة البنات”، فأسرة منى توافق على خطبة شقيقتها الصغيرة في العام الثاني من المرحلة الجامعية، بحجة أن الزوج المستقبلي تعهّد بمساعدتها، ودون اعتداد لحدوث الموقف ذاته مع الكبرى التي لم تستكمل دراستها لمدة 10 أعوام بسبب أعباء المنزل الملقاة على عاتقها.

وتضمن العمل قدرا كبيرا من التعميم في ما يتعلق بالعلاقات بين الأزواج لدرجة اعتبار الطلاق هو الأصل واستكمال الحياة الزوجية هو الأمر الشاذ، مع بطء كبير في إيقاع المشاهد، حتى أن بعضها استمر لمدة ست دقائق كاملة، في مشهد ثنائي جاء الحديث فيه من طرف واحد، يحكي عن تغيرات الزمن، وأسباب اختفاء الحب بين البشر.

ويحاول البعض وضع العمل على قدم المساواة مع فيلم “أريد حلا” لفاتن حمامة، حول  قصة “درية” التي يرفض زوجها الدبلوماسي تطليقها فتضطر للجوء إلى القضاء لرفع دعوى ضده، وتخسر قضيتها بعد مرور أكثر من أربع سنوات من جلسات المحاكمة، وكان العمل حينها دافعا لتغيير قوانين الأحوال الشخصية، والسماح بحق الخلع، وتخلي المرأة عن زوجها بشرط التنازل عن جميع مستحقاتها وحقوقها المادية.

ومع ذلك لا يمكن وضع “أريد حلا” و”ربع قيراط” في كفة واحدة، فالأخير قدّم مشكلات المرأة المعتادة وهرب من نقاط قانونية شائكة، مثل قانون الولاية التعليمية على الأطفال الذي يتم منحه للأب دون الأم، ويمثل مشكلة حاليا، وتجاهله الهزات النفسية التي يتعرّض لها الأبناء بعد الانفصال إلاّ في مشاهد محدودة.

إطالة متعمدة

دراما مليئة بالإثارة لعبت على وتر المشاعر
دراما مليئة بالإثارة لعبت على وتر المشاعر

تاهت تفاصيل القصة الأساسية لـ”ربع قيراط” كثيرا في محاولات إطالة أحداثه بالزجّ بقضايا جانبية مثل أشقاء منى، بين شقيق ترك ابنه في الخارج وعاد عاطلا بلا عمل، وأخرى شديدة الغيرة على خطيبها وتحوّل حياتهما إلى جحيم، أو شخصية نعمان (محمد الصاوي) الجار الذي هجره ابنه، ويمرض فلا يجد من ينقذه سوى منى.

وتضمّن “ربع قيراط” مباراة تمثيلية بين ريهام عبدالغفور التي أتقنت تفاصيل شخصية المرأة المكسورة في حركة عينيها وتفاصيل وجهها، ومصطفى درويش الذي برع في أداء دور الزوج النذل الذي تباينت تعبيراته بين الهدوء والاستكانة والغضب في إتمام مكائده، والإضرار بشبكة المحيطين والمتعاملين معه.

أما على مستوى الإخراج فقد وقع المخرج أحمد حسن في بعض الأخطاء الساذجة ومنها عودة منى من توصيل أبنائها إلى المدرسة ومعها قميص للنوم اشترته في الثامنة صباحا رغم أن جميع محال الملابس لا تفتح أبوابها قبل العاشرة، في محاولة لإثبات تجاهل زوجها لها حتى في حياتهما الجنسية.

تكرّر الأمر ذاته مع ابنهما الذي أصيب بمرض غير معروف في الحلقات الأولى من العمل، لكنه يتوجه سيرا على الأقدام من حي شبرا في شمال القاهرة إلى منطقة المعادي بجنوب القاهرة، قاطعا مسافة تتجاوز 18 كيلومترا.

ويفضل الجمهور النهاية السعيدة، لكن “ربع قيراط” أفرط كثيرا في المساحات الوردية لتبدو حلقته الأخيرة كما لو كانت عن مجتمع آخر، خاصة في شخصية محمد (أحمد صفوت) الشاب المصرفي الوسيم الذي يلحّ على منى المطلقة التي تنفق على طفلين للزواج منه، رغم تأفّفها وتأكيدها على رفضها معاشرة الذكور.

لم يقدّم المسلسل حيثيات منطقية تبرّر ذلك الإلحاح من شاب ذي راتب جيد لم يسبق له الزواج يتحدّى والدته والمجتمع من أجل زواجه بسيدة ذات حياة معقدة، ويبدي إعجابه بشخصيتها دون وجود سالف تعامل بينهما، سوى التقاطه مفاتيح سقطت منها أثناء مرورها في الشارع.

العمل بالغ في التعميم في ما يتعلق بالحياة الزوجية إلى درجة اعتبار الطلاق هو الأصل واستكمال الزواج هو الأمر الشاذ

ويتمادى السيناريو في “اليوتوبيا المجتمعية” التي رسمها باشتراطات منى المجحفة للزواج من محمد التي تضمنت أن يشتري لها وحدة سكنية ويسجلها باسمها، وينفق على المتطلبات المعيشية دون مساهمة من راتبها، ويساعدها في الأشغال المنزلية.

ويقول الناقد الفني أحمد سعدالدين لـ”العرب”، إن المسلسلات الاجتماعية خاصة التي تتناول قضايا الزواج والطلاق والخيانة تمثل حبكة مضمونة النجاح بالنسبة إلى كتاب السيناريو، باعتبارها تتماشي مع الجمهور الذي يبحث عن أحداث قريبة من الواقع.

ولجأ العمل إلى مبدأ العدالة الإلهية أو “كما تدين تدان” لحل الصراع بين أبطاله، فأحمد خسر كل شيء بعدما انقلبت عليه زوجته الثانية لغدره بالأولى، وطردته من منزلهما بعد نقل ملكيته لها، وخسارته مهنته بعد فضّ صديقه الشراكة بينهما في معرض سيارات، إثر الكشف عن خداعه للزبائن.

وركّز “ربع قيراط” على إمكانية تحويل المحنة إلى منحة بقصة صعود سريعة لبطلته في مجال الرسم على الأخشاب التي تعشقها، فتعيد ما ضاع منها، بمصدر دخل جيد، ووحدة سكنية جديدة، واستكمال دراستها الجامعية لتحمل لقب “مهندسة”.

كما يوجه المسلسل رسائل أخلاقية واضحة تتعلق بالعلاقة الطردية الوطيدة بين الكفاح والجهد وتحقيق النجاح، والكسب القليل المشروع الذي يحقّق السعادة بمقارنة بين أحمد الذي خسر كل شيء رغم تحقيق ثراء من المال غير المشروع، وشقيقه سيف (إبراهيم السمان) الذي يعمل مدربا للتنمية البشرية ومدرسا للغة الإنجليزية في الوقت ذاته واستطاع شراء وحدة سكنية وسيارة والزواج من حبيبته.

16