أوروبا تلجأ إلى استراتيجية اندماج المهاجرين للقضاء على التطرف

بروكسل تدرس تحسين وصول المهاجرين إلى خدمات الإسكان والرعاية الصحية وسوق العمل.
الخميس 2020/11/26
جهود لتحصين الناشئة
 

يطرح ارتباط أغلب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الدول الأوروبية خلال العقود الأخيرة بالجاليات المسلمة تحديات كبرى أمام قادة الاتحاد الأوروبي المصمّمين على التصدي لتنامي التطرف الإسلامي والانعزالية داخل مجتمعاتهم. ويرى أخصائيون في إعادة النظر في برامج دمج المهاجرين حلا استراتيجيا لمكافحة ظاهرة تساهم العوامل الاجتماعية بدرجة كبيرة في تشكلها.

بروكسل – أعربت المفوضية الأوروبية عن رغبتها في تحسين إمكانية الوصول إلى خدمات الإسكان والرعاية الصحية والتعليم وسوق العمل لـ34 مليون مهاجر في الاتحاد الأوروبي من خلال استراتيجية دمج جديدة، في خطوة يقول مراقبون إنها باتت ملحة لمواجهة التطرف والانعزالية المنتشرة في أوساط الجاليات المسلمة على وجه الخصوص.

وقال نائب رئيس المفوضية، مارغريتيس سكيناس، أثناء تقديمه للخطة المخصصة للفترة من 2021 حتى 2027، إن “الدمج والتضمين يمكن أن يساعدانا في مكافحة كراهية الأجانب والإقصاء والتطرف ومواجهة الآخر”.

ووفقا للذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، وُلد 8 في المئة من سكان الاتحاد الأوروبي خارج التكتل. ويتأثر هؤلاء، خاصة الشباب والنساء، بشكل غير متناسب بالبطالة أو المسائل المتعلقة بالحصول على الخدمات العامة.

ورغم أن خطة العمل غير ملزمة، إلا أن الدول الأعضاء يمكنها استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لتحقيق الأهداف التي تحددها ضمن أولوياتها، مثل دورات تحسين اللغة، أو تدريب المعلمين أو الاعتراف بالمؤهلات المهنية للمهاجرين.

وتأتي الخطة الأوروبية الجديدة في أعقاب سلسلة من الهجمات الإرهابية عصفت بفرنسا والنمسا ودفعتهما إلى المطالبة بتكثيف العمل في مواجهة تهديد الإسلاميين المتطرفين.

مارغريتيس سكيناس: دمج المهاجرين يساعدنا في مكافحة التطرف والكراهية
مارغريتيس سكيناس: دمج المهاجرين يساعدنا في مكافحة التطرف والكراهية

ويعزو أخصائيون اجتماعيون ارتفاع منسوب التطرف لدى الجاليات المسلمة داخل المجتمعات الأوروبية إلى الشعور بالاغتراب والتهميش داخل المجتمعات المستضيفة، وهي بيئة مواتية تستثمرها التنظيمات المتطرفة في تجنيد الشباب لخدمة أجنداتها.

وتقول إرين ماريا سالتمان، الباحثة المتخصصة في مؤسسة كويليام، إن “الشباب المسلم من الجيل الثاني والثالث للمهاجرين هم المستهدفون في الغالب”. وتوضح الباحثة أن “الأشخاص الذين يتم تجنيدهم لهذه التنظيمات، لديهم عادة الإحساس بالتمييز في عالم يبدو لهم فيه تحقيق الثروة من المستحيلات، ومثل هذا الشعور بفقدان الأمل هو ما تستغله الجماعات المتطرفة لتحقيق أهدافها من خلال إقناع هؤلاء الشباب بالانضمام إلى جماعات قوية، ترتبط صورتها بمغامرة القيام بتغيير العالم”.

ويجمع الباحثون على أن مكافحة التطرف يجب أن تبدأ من الأسرة والمدرسة والحكومات المحلية، من أجل نشر ثقافة تقبل الآخر، مع اختلاف الدين والعرق والمذهب، وهذا يعني أن مسؤولية الاندماج في المجتمع لا تقع على الأفراد والمجتمعات بقدر ما تشارك فيه الحكومات.

ويعتبر اندماج المهاجرين في سوق العمل أحد العناصر الرئيسية المسؤولة عن انصهارهم اجتماعيا من خلال العلاقات التي ستنشأ بينهم وبين زملائهم في أماكن العمل، ما سيشكل لهم حافزا على الانخراط في الحياة العامة.

كما يحتل التعليم مرتبة مهمة في ما يتعلق باندماج المهاجرين في المجتمعات الجديدة، فمع أن ترتيبات قبول انضمام الأطفال إلى المدارس عند وصولهم مضمونة، وبرامج تعليم اللغة للكبار متوفرة، إلا أن بعض الدول تعاني من نقص في الخبرات والموارد لتأمين المدارس المناسبة للأطفال، وحتى متابعة تعليم اللغة بشكل جيد للكبار، ما يؤثر على علاقات الأطفال الاجتماعية، وبالتالي علاقات أهلهم بالمجتمع أيضا، ويعزز دوامة دائرة الفقر والنبذ الاجتماعي والإحساس الدائم بالغربة وعدم التماهي مع المجتمعات المسضيفة.

وتحتاج المدارس إلى لعب دور أكثر بروزا في مواجهة جهود المتطرفين العنيفين لكسب الدعم والعثور على المجندين. فمع انخفاض متوسط عمر المجندين، من الضروري أن تقوم المدارس بتثقيف طلابها حول الروايات التي يستخدمها المتطرفون العنيفون وكذلك الطرق التي من المحتمل أن ينجذبوا فيها إلى دوائرهم.

وللقيام بذلك يجب أن توفر المدارس منصات تتم فيها مناقشة القضايا التي من المحتمل أن يثيرها المتطرفون العنيفون بشكل مفتوح، ويتم تسليط الضوء على الأسئلة والتناقضات، وتتم الإشارة إلى مسارات بديلة للعمل.

ولا يتوقع مراقبون نتائج إيجابية على المدى القريب والمتوسط، إلا أنه على المنظور البعيد، تفقد التنظيمات المتطرفة حواضنها المثلى للانتشار والتوسع، فكلما تم تخفيف قيود الاندماج لدى الشباب وتبسيطها وجعلها في متناول الجميع، كلما انتفت الحاجة إلى العدائية والتطرف.

وإلى جانب الأبعاد الاجتماعية، تلقى على كاهل الحكومات الأوروبية أيضا مسؤولية تطوير منظومة الرقابة الأمنية والمالية لتجفيف منابع تمويل نشر الفكر المتطرف في صفوف الشباب المسلم، حيث تستغل تنظيمات الإسلام السياسي العمل الخيري والمساجد للتجنيد والاستقطاب.

ويرى متابعون في الخطة الفرنسية لتجفيف منابع الإرهاب والتطرف نموذجا يمكن الاقتداء به وتعميمه على بقية دول الاتحاد.

واستكملت فرنسا مؤخرا وضع اللمسات الأخيرة على خطة شاملة لما أسماه الرئيس إيمانويل ماكرون مواجهة “الانعزالية الإسلامية”، والمجتمع الموازي المنغلق على ذاته الذي تفرضه جماعات إسلامية متشددة مثل الإخوان المسلمين والسلفيين، مستفيدة من قدرتها على توفير تمويلات مشبوهة لبناء مساجد ومدارس وجمعيات ثقافية وتربوية نجحت من خلال المساعدات في تمتين نفوذها بين الجالية المسلمة.

وقدم الرئيس الفرنسي أمثلة على تنامي النزعة الانفصالية، مثل أطفال من عائلات مسلمة شديدة المحافظة أُخرجوا من المدرسة، وجمعيات رياضية وثقافية تستعمل لتلقين الشباب أفكارا متطرفة.

ويهدف مشروع القانون أيضا إلى مكافحة الكراهية على الإنترنت، وضمان “المثول الفوري” للمتهمين أمام القضاء، كما يضع عقوبات محددة على من يتعرض لموظفي الدولة أو مسؤولين منتخبين على أساس ديني.

استراتيجية دمج جديد لمكافحة التطرف
استراتيجية دمج جديد لمكافحة التطرف

وجاء في المشروع أنه يجب على كل جمعية تتلقى دعما ماليا أن “تحترم مبادئ وقيم الجمهورية، كما سيتم اعتبار التبرعات الأجنبية التي تتجاوز 10 آلاف يورو موارد يجب التصريح بها لجهاز الضرائب”.

ويحرص النص على “ضمان شفافية ظروف ممارسة الديانة” عبر تغيير قانون 1905 حول الفصل بين الكنيسة والدولة في شق تمويل الجمعيات الثقافية لناحية تعزيز الشفافية.

ويوجد فصل “ضد الانقلاب” ويهدف إلى تجنب سيطرة متشددين على المساجد، ومنع أشخاص من ارتياد أماكن العبادة “في حال الإدانة بالتحريض على أفعال إرهابية أو التحريض على التمييز أو الكراهية أو العنف”.

وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان “سنعرف من يمول من على أراضينا، وسنعطي إمكانيات أكبر لوكالة تراكفين (الحكومية لتعقب الأموال) لصد كل التدفقات غير المرغوب فيها”.

وتوجد في الشقّ التعليمي لمشروع القانون إشارة إلى مكافحة مدارس الجمعيات غير القانونية وإنهاء التعليم في المنزل لجميع الأطفال اعتبارا من سن الثالثة “إلا لدواع محدودة جدا تتعلق بوضع الطفل أو عائلته”.

5