السرقة عند الأطفال.. سلوك مكتسب أم لصوصية فطرية

يغيّر إقدام الطفل على السرقة مسار حياته منذ طفولته المبكرة إلى مسارات عدوانية تدفعه إلى تحطيم كل ضوابط الكسب والثورة على القيم والمبادئ والأخلاقيات، كما أنها قد تدفعه إلى اللامبالاة التي تجعله لا يتطلع إلى التعلم، ويندفع بقوة نحو الانحراف، وفي ذلك تهديد لمستقبله وللمجتمع.
يصدم الآباء والأمهات عند ملاحظة إقدام أطفالهم على السرقة خشية عليهم وعلى مستقبلهم من تبني هذا السلوك المنحرف. ويشخص علماء النفس والتربية السرقة كظاهرة مرضية بعضها يخضع إلى المؤثرات النفسية، والبعض الآخر يخضع إلى الضغوط السلوكية والبيئية التي تنبئ بسوء التكيّف والتوافق الاجتماعي والإحساس الدائم لدى الطفل بأنه في عزلة اجتماعية، بالإضافة إلى الرفقة السيئة، وسلوكيات الأصدقاء التي يغذيها الشعور بالغيرة أو الانبهار أو التقليد والمحاكاة.
وقال المختصون إن سرقة الأطفال هي استحواذ على أشياء ليست ملكا لهم، وهي سلوك مرضي يعبر عن حاجة نفسية لديهم تحتاج إلى إشباع.
وأشاروا إلى أن عوامل إقدام الطفل على الاستحواذ على ممتلكات غيره كثيرة ومتشعبة، ولا يمكن تفسير سلوك السرقة بدافع واحد مثل الحاجة إلى النقود أو الجوع أو الاستطلاع، وقد تكون السرقة جزءا من حالة نفسية أو ذهنية مرضية يعاني منها الطفل، وتظهر على شكل اضطراب سلوكي مثير له دوافعه النفسية العميقة الناتجة عن صراعات مرضية شاذة في نفس الطفل.
وأوضح المختصون أن السرقة عند الأطفال تعتبر عرضا شائعا في الطفولة إلا أنه غير ظاهر بوضوح بسبب تردد الآباء في الإفصاح عن سرقات أطفالهم ومناقشتها كظاهرة لاعتبارهم الأمر شيئا مخزيا أو فضيحة.
وغالبا ما يبدأ ظهور السرقة عند الأطفال كاضطراب سلوكي واضح في الفترة العمرية بين 4 و8 سنوات، وقد يتطور الأمر ليصبح جنوحا في عمر 10 و15 سنة، وقد تستمر الحال به حتى المراهقة المتأخرة مع بعض الأشخاص.
ويرى البعض أن السرقة عند الأطفال من السلوكيات التي يكتسبها الطفل من بيئته، فالطفل الذي لم يتعلم التفرقة بين خصوصياته وخصوصيات الغير، أو بين ملكيته وملكية الآخرين، يفتقد التفريق بين حقوقه وحقوق غيره، فهناك أسر لا تقيم حدودا لملكية الأشياء بين أفرادها.
وبينت الأستاذة هدى عبدالعال العماوي المختصة في علم النفس الإكلينيكي في مصر، أن الطفل في المرحلة المبكرة من عمره يمكن للأسرة أن تغرس فيه أي صفات سواء كانت إيجابية أو سلبية.
وأكدت لـ”العرب”، “في هذه المرحلة لا يفرق الطفل بين ممتلكات غيره والملكية الخاصة، وهنا يأتي دور الأسرة في الإرشاد والتوجيه السليم له، ففي هذه المرحلة يرغب الصغير في امتلاك الكثير من الأشياء”.
وأوضحت المختصة المصرية “أن فترة الطفولة تتسم بالبحث والرغبة في اكتشاف كل ما هو جديد، وتزداد طلبات الطفل للامتلاك يوما بعد يوم، ما يؤدي في بعض الأوقات إذا لم يحصل على الأشياء التي يريدها إلى سرقة المال أو أشياء أخرى يحب امتلاكها، وهنا يأتي الخطر ويظهر دور الأسرة في توجيه الابن بسرعة ومراقبته لبناء شخصية قوية وعلى الأسرة تعليم الطفل التمييز بين ممتلكاته وممتلكات الغير”.
وأفادت العماوي بأن السرقة تعتبر سلوكا مكتسبا لدى الطفل وليس وراثيا، ويساعد الاهتمام والتوجيه من قبل الأسرة الأطفال على التمييز بين الإيجابي والسلبي وحمايتهم من تعلم سلوك السرقة.
سلوك عقابي
وقد يلجأ بعض الأطفال إلى السرقة عقابا، إمّا للكبار وإمّا لأطفال مثلهم، حتى يصيب هذا الشخص المسروق بالهلع والفزع، وذلك نتيجة وجود كراهية أو دوافع عدوانية تجاه الآخرين أو انتقاما من شخص تسبب في أذى لهذا السارق. كما أن أغلب الأطفال الذين مارسوا نوعا من السرقة كان هدفهم تحقيق كيان ووجود متميز مزود بمستلزمات بسيطة كاللعب والممتلكات الخاصة التي تساعده على الاستقلالية.
وقد يلجأ الطفل إلى السرقة لإشباع ميل أو رغبة يرى فيها نفسه سعيدا أو ليظهر بصورة أفضل أمام الغير، وربما كان فشله الدراسي خلف محاولة تعويضه بالظهور أحسن ماديا أمام غيره من الأطفال.
ويعتبر الحرمان دافعا أساسيا للأطفال الناشئين في الأسر والعائلات الفقيرة ماديا، فعادة ما يشعر الطفل بالنقص في امتلاك الأشياء التي يحتاجها في حياته، ومن ثمّ يحاول تعويض هذا النقص والحرمان بالاستحواذ على الأغراض التي يحتاجها بالسرقة إذا لم يتمكن من الوصول إليها بطرق شرعية. كما أن وجود الطفل في وسط تنشط به جماعة تمارس السرقة أو هو أحد أفرادها يجعله ينقاد لأوامرها ويفعل ما يقتضيه وجوده بينها، حتى يحصل أو يحافظ على مكانته فيها.
وكشفت دراسة إماراتية أنجزتها الأخصائية النفسية مريم العبيدلي، في مركز الشارقة للدراسات التربوية، أن سلوك السرقة عند الأطفال مدفوع بعدد من الأسباب منها العوامل الأسرية، مثل أساليب القسوة في المعاملة من الوالدين والعقاب المتطرف أو التدليل الزائد للطفل، ولكل هذه الظواهر نفس النتيجة التي تسهم في لجوء الطفل إلى السرقة إذا رافق ذلك عدم تعويده على التفرقة بين ممتلكاته وممتلكات الآخرين، أو لم تُحترم ملكيته، وكذلك فإن القدوة غير الحسنة التي تقوم بهذا السلوك أمام الطفل لها دور فعال في ممارسته أيضا.
وأشارت إلى أن بعض الأعمال الفنية والمواد الإعلامية تركز على أحداث تنطوي على السرقات والأساليب التي تمارس كخدع، وإظهار السارق في صورة البطل والمقدام، الأمر الذي يعزز الرغبة لدى الطفل في القيام بممارسة هذه البطولة والإحساس بروح المغامرة، ما يؤثر على السلوك المُشكّل لشخصية الطفل. وقد تحدث الطبيب النفسي عبدالله أبوالعدس، أخصائي الصحة النفسية، في هذا الشأن موضحا تأثيره في الطفل وأقرّ بأنه من أهم أسباب اكتساب الطفل لهذا السلوك.
كما أشارت الدراسة إلى أن بعض الأسباب الأخرى التي ترسّخ نزعة السرقة عند الأطفال تتمثل في إشباع مشاعر التمرد الكامنة لدى الآباء، حيث يحصل الآباء على أشكال متعددة من السعادة اللاشعورية نحو التصرفات السيئة التي يقوم بها أطفالهم، فسرقة الطفل عادة ما توفي بهذا الغرض لدى الآباء، وينتقل هذا الشعور إلى الطفل تلقائيا، ما يستثير مشاعره ويدفعه إلى القيام بالأمر ذاته مرارا وتكرارا.
فهم الدوافع
وقال الدكتور مصطفى أبوالسعد، استشاري أسري، في كتابه “الأطفال المزعجون” إن الأطفال لا يسرقون، وإنما يستجيبون لحالات نفسية، وأهم خطوة لمعالجة ظاهرة السرقة لدى الأبناء، تتمثل في محاولة فهم دوافعهم، فقد يلجأ الطفل إلى السرقة هروبا من العقاب، فيسرق أدوات غيره من الأطفال في المدرسة عند ضياع أغراضه خوفا من معاقبته على إضاعتها، وقد يسرق أشياء ثمينة كوسيلة للتميّز وإثبات الذات وسط أقرانه، وقد يلجأ إلى السرقة لإثارة اهتمام أبويه به جرّاء شعوره بأنه غير محبوب.
وحذر أبوالسعد من ردّ الفعل العنيف للأب عند تعرّفه على سرقة ابنه، ومن نعت الطفل بالسارق أو اللص، ويجب ألا يتصرف بعقلية القاضي الذي يثبت التهمة ويصدر الحكم على الطفل، بل يحقق له الأمان، ويصغي إليه، ويحاول فهم أصل المشكلة.
ونبهت الأخصائية النفسية للأطفال في مركز “أكت” بجدة رفيف أبوالحمائل إلى أن السرقة لا تعتبر سرقة لدى الأطفال دون الست سنوات، لأن الطفل في ذلك العمر لا يعي تماما معنى الملكية الفردية ويميل إلى الأنانية والذاتية في امتلاك ما يريده، فلا تكون عملية سرقة بمعناها وأبعادها كما ينظر إليها الكبار.
السرقة جزء من حالة نفسية أو ذهنية مرضية يعاني منها الطفل، وتظهر على شكل اضطراب سلوكي مثير
كما أن المشاكل الزوجية أمام الأطفال التي تتعلق بالمال، تجعل الطفل في حالة عدم استقرار نفسي، خوفا من انفصال والديه بسبب المال، وربما تجعله يسرق لتوفير ما يخفف من أعباء أسرته المالية.
وأكد المختصون أن بيئة الطفل الأسرية والاجتماعية تلعب دورا كبيرا في إكسابه السلوكيات الحسنة أو السيئة، وقد يعتاد الطفل على السرقة، لأنه رأى أمه تسرق من أحد المحال التجارية، أو لأنه عندما قام بسرقة أحد الأشياء من صديقه لم تنبهه أمه إلى مفهوم الحلال والحرام، ولم تطلب منه إعادة ما سرق إلى صديقه.
ولفتوا إلى أن حدود الملكية لا تكون واضحة لدى الطفل في سنوات عمره الأولى، فهو يريد أن يمتلك أي شيء يعجبه، ويستعين بوالديه للحصول على الأشياء التي يحبها ولا يستطيع الحصول عليها بنفسه، فإذا كبر وأصبح قادرا على الاستحواذ عليها فإنه لا يتردد في ذلك؛ إذ ليس عنده سبب يمنعه من أن يأخذ ما يحبه. وهنا يأتي دور التربية الأسرية التي تعلم الطفل بأسلوب بسيط يستوعبه عقله الصغير بأن هناك أشياء تخصه وهناك أشياء تخص غيره وهنا يبدأ تعلم أول الدروس لحدود الملكية والأمانة.
وأفاد المختصون بأن السرقة هي إحدى العادات السلوكية السيئة المكتسبة التي لا ترجع إلى أيّ من الدوافع الفطرية، فهي إذن ليست غريزة حتمية، وبالتالي يمكن تجنبها والتخلص منها نهائيا.
وقد يتوجه الطفل إلى السرقة حينما يكون الجو الأسري الذي يعيش فيه متقلبا ومضطربا، وتنعدم فيه الرقابة الأسرية، أو في أسرة متصدعة اجتماعيا، مهتزة القيم، أو يكون مستواها الاقتصادي منخفضا لا يلبي احتياجاته الأساسية من مأكل وملبس.