تحكيم الطرف العائلي في الخلافات الزوجية.. هل يرمم علاقة الشريكين أم يزيدها تعقيدا؟

يعتبر علماء النفس أن مسألة تدخل طرف ثالث في الخلافات الزوجية بين شركاء الحياة تتوقف على طبيعة الخلاف في حد ذاته وكيفية إدارته من طرف الزوجين. وينصحون في حال تمت الاستعانة بطرف ثالث من العائلة أو الأصدقاء لحل الخلاف بتجنب ترديد عيوب الطرف الآخر ونقاط ضعفه مما يزيد من تعميق المشكلة.
يعتبر بعض علماء النفس والاجتماع أن الخلافات الزوجية أمر وارد في العام الأول من الزواج حيث يبدأ كل من الزوجين في التعرف على شخصية الآخر تعرفا كاملا ومفتوحا بلا تغيير أو تظاهر.
وتؤكد دراسة حديثة أجريت في سويسرا أهمية الخلافات الزوجية في استمرار العلاقة بين الطرفين، لما لها من فوائد باعتبارها فرصة حقيقية يتعرف من خلالها كل من الزوجين عما يغضب الطرف الآخر ويزعجه.
وتقول الدكتورة سامية الجندي أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة الأزهر “بالفعل المشكلات لها بعض الفوائد، فمن خلالها يتعرف كل طرف عما يغضب أو يفرح الطرف الآخر، ويتلمس طباعه على أرض الواقع، بل ويعرف أخطاء نفسه، فيحاول إصلاحها وتعديل مسارها وتصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة التي قد تكونت لديه ضد الطرف الآخر”.
وتضيف “ومن ناحية أخرى يستطيع كلا الزوجين أن يتعرف على أفكار وطموحات وتطلعات زوجه، فيشارك في تلك التطلعات والآمال، وبذلك تمتد جسور التواصل بين الطرفين”.
لكن قد تصبح الخلافات الزوجية إذا استمرت لفترات طويلة مصدر إزعاج للزوجين ولعائلاتهما، مما يستدعي تدخل طرف ثالث لإصلاح العلاقة بينهما.
ويؤكد استشاريو العلاقات الزوجية أن الأزواج المرتبطين حديثا الذين لديهم مصادر خارجية للدعم النفسي، مثل العائلة والأصدقاء، لا يشعرون بنفس القدر من التوتر عند نشوب الخلافات مع الشريك كأولئك الذين ليس لديهم شخص يلجؤون إليه.
الأزواج الذين لديهم مصادر خارجية للدعم النفسي، مثل العائلة والأصدقاء، لا يشعرون بنفس القدر من التوتر عند نشوب الخلافات
ويفسر استشاريو العلاقات الزوجية ذلك بأن طرح هذه المشاكل مع طرف ثالث والاستماع لرأي مغاير يمكن أن يساعدا على فهم حقيقة ما يحصل في الحياة الزوجية، وينصحون بالبحث في المحيط العائلي أو الأصدقاء عن شخص يتمتع بما يكفي من الوعي والمهارات الاتصالية حتى يقدم النصح والإرشاد، خصوصا أن تلك المحادثات يمكن أن تساعد على فهم أشياء كثيرة وتوسع آفاق الزوجين.
وينصح خبراء علم النفس الزوجين في حال تمت الاستعانة بطرف ثالث من العائلة أو الأصدقاء لحل الخلاف بتجنب ترديد عيوب الطرف الآخر ونقاط ضعفه حتى لا يزيد المشكلة تعقيدا وحتى لا يفقد أحد الطرفين ثقته في الآخر. كما ينصحون بالبعد عن الأساليب التي يرى من خلالها أحد الطرفين أنه عليه أن يكسب الجولة وينتصر على الطرف الآخر، لأنها قد تعمق الخلاف في حقيقة الأمر مثل أسلوب التهكم والسخرية، أو التعالي والغرور.
ويفضلون أن يشرح أحد الطرفين للآخر ما يضايقه من أسلوبه أو كلامه بطريقة مباشرة، بدلا من تركه في حيرة، فهذا يختصر الكثير من الوقت، ويسهل تعامل الطرف الآخر معه مباشرة، ويشعره بالارتياح، لأنه كان صريحا معه.
ويرى خبراء علم النفس أنه من الضروري أن يعمل الشريكان على حل الخلافات التي تحول دون التعايش بينهما، وذلك من أجل التقدم في الحياة.
ويعدون الشجار والخلافات بين الأزواج تجربة مريرة، ولكنها قد تصبح مفيدة إذا تعلم الزوجان كيف يعبران عن رأيهما ويتوصلان إلى نتائج مرضية للطرفين واحترام وجهة نظر كل منهما.
ويؤكد الخبراء أنه إذا لم ينجح الطرفان في الالتزام بهذه القواعد فإن الضغط النفسي الذي يسببه الشجار المتكرر يمكن أن يدمر صحة الطرفين، ويزيد من إصابتهما بالأمراض المزمنة، خصوصا وأن بعض الدراسات قد توصلت إلى وجود علاقة وطيدة بين الخلافات الزوجية ومتلازمة الأمعاء المتسربة.
ويقول الطبيب النفسي مارك بورغ “إن الغياب التام للخلافات بين الزوجين ليس ظاهرة صحية، حيث إنه يعني أن أحد الطرفين ليست لديه الثقة الكافية لإظهار اختلافاته في الرأي، لذلك فإن هذا الأسلوب ليس هو الحل المناسب، وفي المقابل، ليس من السهل الالتزام بالنقاش الهادئ والرصين، إلا أن ذلك يمثل مهارة يجب أن يطورها الإنسان مع مرور الوقت”.
ويؤكد خبراء العلاقات أن الخلافات قد لا تنتهي بمجرد نطق كلمة آسف، ويشيرون إلى أن “واحدة من أكبر المشاكل في هذا السياق هي أننا أحيانا نعتذر بشكل سطحي”.
من جهة أخرى يؤكد علماء الاجتماع أن تدخل طرف ثالث في الخلافات بين الزوجين يعد من الأسباب الرئيسة المؤدية إلى الطلاق، وذلك لأن المشكلات الزوجية غالبا ما تستفحل بين الطرفين حين يتدخل أحد بينهما، وبدلا من أن يجد كل منهما الحل المناسب لهذه المشكلات، فإنها تتفاقم لتنتهي في أحيان كثيرة إلى الطلاق.
ويحذر علماء الاجتماع من ذلك مشيرين إلى أن أخطر ما يهدد الحياة الزوجية ويؤثر على استقرارها هو انتقال مشكلات الزوجين خارج أسوار المنزل، وخاصة إلى الأهل، ويرون أن المشكلة ستتحول من خلاف بين الزوجين إلى صراع عائلي لا يمكن احتواؤه أو السيطرة عليه.
خبراء العلاقات يؤكدون أن الخلافات قد لا تنتهي بمجرد نطق كلمة آسف، ويشيرون إلى أن “واحدة من أكبر المشاكل في هذا السياق هي أننا أحيانا نعتذر بشكل سطحي
ويرجع علماء الاجتماع أسباب تدخل طرف ثالث في الحياة الزوجية أو في الخلافات بين الطرفين إلى تعلق أحد الزوجين بوالديه، وهو ليس عيبا أو مشكلة في حد ذاته بالنسبة إليهم.
ويرون أن المشكلة تتمثل في ما سيصدر من قرارات نتيجة لهذا التعلق الشديد والذي ربما يكون سببا من أسباب نشوب الخلافات بين الزوجين.
كما قد يكون نمط التربية الذي عاش في كنفه الابن أو الابنة كذلك سببا رئيسيا في حدوث مثل هذه الأمور، فإذا كان الزوج لا يستطيع أن يأخذ أي قرار بمفرده، مهما كان صغيرا، بل يعود في كل صغيرة وكبيرة إلى أهله ليقرروا له ما يصلح وما لا يصلح، سيجعل ذلك الزوجة تشعر وكأنها تزوجت “العائلة” بأكملها وستضطر إلى التعايش مع رغباتهم وقراراتهم.
وقد يزيد تدخل الأهل في حياة أبنائهم الأمر تعقيدا وقد يصل بهما إلى الانفصال والطلاق، وقد أظهرت إحصائية رسمية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر أن 42 في المئة من أسباب الطلاق ترجع إلى ضيق ذات يد الرجل، وتدخل الأهل في حياته الزوجية كسبب ثان ورئيسي بنسبة 25 في المئة، ووقعت 6.5 في المئة من حالات الطلاق بسبب تحريض أهل الزوج، وتعود 5.3 في المئة من الطلاق إلى تحريض أهل الزوجة.
وأشارت دراسة عن “قضايا الزواج في الكويت” للدكتور عيسى السعدي إلى أسباب الطلاق التي رتبها حسب الأهمية، فجاء تدخل الأهل من ضمن هذه الأسباب بنسبة 36 في المئة.