أزمات كورونا تدفع الأحفاد إلى اكتشاف أسرار مؤونة الأجداد

سياسة الادخار حيلة ذكية تعتمدها الجدات التونسيات لمواجهة الأزمات.
الجمعة 2020/11/06
حفظ المؤونة يسهل على ربة البيت إعداد الوجبات

كشفت جائحة كورونا عن عادة غذائية صحية واقتصادية تعتمدها الجدات في مواجهة الأزمات، وهي عادة تخزين المؤونة التي لا تغيب عن معظم البيوت العربية. ولئن مثلت الجائحة فرصة للتقارب بين الأجيال على المستويين المعنوي والعاطفي، فإنها مثلت أيضا فرصة لأن تكتشف الفتيات حيل جداتهن في مواجهة الأزمات.

ساهمت التحذيرات المتكررة من عدم لمس الأسطح ثم لمس الوجه خشية انتشار فايروس كورونا في تراجع الإقبال على المواد الغذائية المصنعة واستبدالها بأخرى صحية معدة في البيت.

ورغم أنه لا يوجد دليل حتى الآن على ارتباط الطعام أو أغلفة المواد الغذائية بانتقال مرض فايروس كورونا إلا أن مقولة أن الخطر قد يكون أكبر عندما يتقارب الناس أثناء تسوقها لشراء المواد الغذائية أو أثناء استلام طلبية طعام إلى المنزل، جعلت الأمهات أكثر حذرا في التعامل مع الوجبات الغذائية وأشد حرصا على الرجوع إلى العادات القديمة المتمثلة في تخزين المؤونة مما يضمن لهن في ذات الحين طعاما صحيا ويكفيهن حاجة أسرهن من الغذاء في صورة تم تكرار إجراء الغلق.

وقالت نجيبة الكوكي خمسينية وأم لثلاث بنات إن هذه الطريقة ساعدت فتيات هذا الجيل على التعرف على عادات الأمهات وحيل الجدات في مواجهة الأزمات.

نجيبة الكوكي: قائمة الأغذية المعدة للتخزين وسّعتها لتشمل أصنافا جديدة
نجيبة الكوكي: قائمة الأغذية المعدة للتخزين وسّعتها لتشمل أصنافا جديدة

وأضافت في تصريح لـ”العرب”، أنها اعتادت تجهيز المؤونة حسب فصول السنة، وأنها تستغل فصل الصيف لإعداد ما يعرف في اللهجة التونسية بـ”العولة” (المؤونة) وهي تتكون أساسا من الكسكسي والبسيسة والبهارات، إلا أن جائحة كورونا فرضت عليها أن توسع قائمة المؤونة لتشمل هذه السنة أنواعا من المعجنات والمخللات والبقوليات والخضروات والفواكه.

وأكدت أنها قامت بتجفيف الفلفل والطماطم والفول والحمص والعدس والفاصولياء والبازلاء والتين والملوخية والمشمش تحت أشعة الشمس، وقامت رفقة بناتها بتخزينها.

وأشارت الكوكي إلى أنها وجدت صعوبة في تأمين الطعام خلال فترة الإغلاق الأولى التي رافقتها لهفة كبيرة على التبضع بطريقة جعلت المواد الغذائية تختفي من أبرز المحلات التجارية وأكبرها.

وأكدت الكوكي أنها اتعضت من الموجة الأولى لكورونا فاستعدت خلال موسم الصيف هذا استعدادا جيدا توقيا لأي حدث وضاعفت من كمية المادة المخزنة خشية إغلاق جديد.

بدورها أكدت يسرى الشواشي البالغة من العمر 25 سنة أن جائحة كورونا جعلتها تمضي أوقاتا طويلة مع أمها لتراقب كل صغيرة وكبيرة أثناء تحضيرها وجدتها لمؤونة هذا الموسم. وقالت يسرى لـ”العرب” إنها استلهمت من أمها خبرة كبيرة في إعداد أصناف كثيرة من المأكولات الصحية المعدة في البيت والقابلة للتخزين، مما يجعلها قادرة على القيام بها في بيتها وهي القادمة على الزواج بعد أيام.

وأضافت أنها تعلمت كيف تجفف التين والمشمش لتستغلهما في إعداد طبق “المرق الحلو”. كما أنها أصبحت ماهرة في تجفيف الطماطم وإعداد بهار الفلفل بعد تنظيفه وتجفيفه. مشيرة إلى أن، “القديد”، وهو اللحم المجفف تحت أشعة الشمس بعد تتبيله يعطي نكهة جيدة للطعام وختمت يسرى بقولها “إن جائحة كورونا درس في الادخار وحيله”.

وتماما مثل كل البيوت التونسية لا تختلف البيوت في الجزائر والمغرب وفي مصر وفلسطين في تدابير الادخار والاحتياط  للشدائد، حيث تعتبر “المؤونة” التي يتشارك في تحضيرها الأجداد والأبناء والأحفاد، مصدر طعام احتياطي لا غنى عنه في الأزمات والشدائد .

وترى ناهد من مصر أن الطعام يأتي في المرتبة الأولى للأساسيات التي يجب توفيرها بالمنزل، لذلك يجب تخزين الطعام المعلّب أو الجاف الذي له فترة صلاحية طويلة إضافة إلى الخضروات واللحوم والدواجن المجهزة والمحفوظة والمجمدة.

أما الطعام الجاف الذي لا يستدعي الحفظ تحت التجميد فيتمثل في المعكرونة والأرز والبقوليات، والمعلبات كالتونة والفول الجاهز والتي ستكون مفيدة في حالة الاغلاق، إضافة إلى   ضرورة توفير السكاكر والحلويات للأطفال، وحبوب الإفطار والبسكويت المالح والحلو والفواكه المجففة والمكسرات.

يسرى الشواشي: كورونا درس في الادخار وحيله يستلهمه الصغار من الكبار
يسرى الشواشي: كورونا درس في الادخار وحيله يستلهمه الصغار من الكبار

من جهتهم يؤكد الخبراء أن هناك الكثير من البدائل الصحية سهلة التخزين والإعداد عندما لا تتوفر المنتجات الطازجة، وينصحون بتخزين الفاصولياء المعلبة والحمص لشهور أو حتى لسنوات، وهي مواد تحتوي على كميات هائلة من العناصر الغذائية، وبالإمكان إدخالها في الوجبات المختلفة بعدة طرق.

وهناك أيضًا السلع المجففة مثل الفاصولياء والبقول، وكذلك الحبوب مثل العدس والبازلاء الخضراء والأرز والكسكس والبرغل والفريكة والكينوا، وكلّها خيارات مغذية وتصمد لوقت طويل كما أنها لذيذة الطعم وتُشبع.

ويرى الخبراء أن شراء الخضروات الطازجة وتخزينها وطهيها قد يكون أمرًا صعبًا أثناء الإغلاق، خاصة عندما تنصح السلطات بالحد من الخروج من المنزل. ولكن من المهم التأكد قدر الإمكان من أن الأطفال يحصلون باستمرار على كمية وافية من الفاكهة والخضروات في نظامهم الغذائيّ.

كما يرون أن الفواكه والخضراوات التي تؤكل طازجة تكون أكثر فائدة، لكنّ تجميدها مفيد في حال أمكن ذلك، لأنها تحتفظ بمعظم العناصر الغذائية وكذلك بالنكهة الطيبة. ونصحوا باستخدام الخضروات الطازجة لطهي كميات كبيرة من الحساء أو الأطباق الأخرى ما يجعلها تدوم لفترة أطول، ويوفر خيارات أكثر لوجبات يمكن تناولها على مدى بضعة أيام. كما أن تجميد هذه الوجبات حين يكون ذلك متاحاً، يُمكّن من تناولها لاحقاً بعد عملية تسخين سريعة.

بدورهم شجع خبراء الاقتصاد الأسر على فكرة المؤونة التي يمكن أن تساعد في توفير نسبة كبيرة من المصاريف، مؤكدين أهمية الجدوى الاقتصادية لها، فضلا عن تنوع الأطعمة الصحية وتوفرها في مواسم مختلفة.

ويؤكد خبراء علم الاجتماع أن جائحة فايروس كورونا قد قلبت حياة العائلات في جميع أنحاء العالم منذ بدأت في التفشي، حيث وجد العديد من أولياء الأمور أنفسهم عالقين في المنزل خلال معظم ساعات اليوم، وهم يبذلون طاقاتهم في رعاية الأطفال بعد أن أغلقت المدارس ومراكز رعاية الطفولة أبوابها، إلى جانب القيام بالعمل بدوام كامل وتحمل مسؤوليات ضرورية أخرى. إلا أن طريقة تخزين المؤونة قد وضعت حدا للتساؤل المتكرر عما ستتناول العائلة خلال وجبة العشاء خصوصا عندما ترافق اللهفة على التبضع موجة الإغلاق.

Thumbnail
21