قلق وتطمينات وانقسام: أتراك يقاطعون وآخرون لا يبالون

تصاعدت وتيرة التوتر بين فرنسا وتركيا بعد دعوة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية حيث انقسمت الآراء بين مساند ورافض رغم تطمينات مسؤولين فرنسيين حيث تخفي الدعوة خفايا سياسية تتعلق بصراعات إقليمية لا تحقق لأنقرة شيئا غير المزيد من إغراق اقتصادها المنهك أصلا.
أنقرة - يكشف الجدل الذي خلف دعوة أردوغان إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية عدم مبالاة الأتراك بالحملة حيث يرى خبراء أن أنقرة باتت تهرب من فشلها في إدارة أزماتها الاقتصادية إلى اختلاق إشكاليات سياسية إضافية تضر بمصالح البلد والمواطنين وتخل بالالتزامات التجارية الدولية.
رغم طمأنة وزير التجارة الخارجية الفرنسي فرانك ريستر، بقوله إنّ “مقاطعة المنتجات التركية ليست على أجنداتنا”. لم يبدد ذلك مخاوف خبراء أتراك من أن تقود سياسة أردوغان تركيا إلى عزلة اقتصادية وتجارية تامة في ظل انشغال حزب العدالة والتنمية بالمهاترات السياسية.
ودافع ريستر في حديثه لإذاعة آر.تي.أل الفرنسية، عن تصريحات رئيسه إيمانويل ماكرون، بأنها لا تستهدف الإسلام والمسلمين”.
وأكد على حرية ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية في فرنسا، وعزم فرنسا على مكافحة ما أسماه “الإسلام الراديكالي” والإرهاب.
واستنكر الوزير الفرنسي دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شعبه لمقاطعة المنتجات الفرنسية، مبينا في الوقت نفسه أن دعوات المقاطعة للمنتجات الفرنسية في البلاد العربية محدودة”.
والاثنين دعا الرئيس التركي، شعب بلاده إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، على خلفية دعوات فرنسية لمقاطعة المنتجات التركية”.
وشهدت فرنسا خلال الأيام الماضية، نشر صور ورسوم مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام، على واجهات بعض المباني.
والأربعاء الماضي، قال ماكرون في تصريحات صحافية، إن فرنسا لن تتخلى عن “الرسوم الكاريكاتيرية” (المسيئة للإسلام)، ما أشعل موجة غضب في أنحاء العالم الإسلامي، وأُطلقت في بعض الدول حملات مقاطعة للمنتجات والبضائع الفرنسية.
وتختلف ردود الأفعال على المقاطعة في تركيا بين من يرى أنها “درس جيد طال انتظاره” أو إجراء “غير منطقي” و”يستحيل تطبيقه”، حيث عبر الأتراك الثلاثاء عن آراء متباينة غداة دعوة رئيسهم رجب طيب أردوغان لمقاطعة المنتجات الفرنسية.
ويبدو في الوقت الراهن أن دعوة الرئيس التركي إلى الابتعاد عن العلامات التجارية الفرنسية لا تلقى سوى استجابة قليلة نسبيا: يدخل الناس وهم يضعون أقنعة واقية كالمعتاد إلى متجر كارفور الذي يحمل العلامة التجارية الفرنسية في حي شيشلي الضاج بالحياة في إسطنبول.
يخرج دايم كارا البالغ من العمر 51 سنة ويداه محملتان بالمشتريات. ورغم أنه يؤيد المقاطعة غير أنه يدافع عن نفسه قائلا وهو يشير إلى ما يحمله “أشتري من كارفور، لكن هذه منتجات تركية”.
ويقول “أؤيد الدعوة للمقاطعة لأنهم يهددون تركيا. إنهم يحتقرون المسلمين”.
توترت العلاقات بين باريس وأنقرة العضوين في حلف شمال الأطلسي بشكل كبير منذ العام الماضي، ويرجع ذلك خصوصا إلى الدعم الفرنسي للفصائل الكردية السورية والخلافات حول ليبيا والتنقيب عن الطاقة في شرق البحر المتوسط.
لكن نادرا ما شهدت العلاقات الثنائية مثل هذه الأزمة في التاريخ المعاصر. فبعد أن دعا أردوغان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى “فحص صحته العقلية”، استدعت فرنسا السبت سفيرها من أنقرة.
وجدد الرئيس التركي الاثنين تهجمه الشخصي متهما ماكرون بقيادة “حملة كراهية” ضد المسلمين بسبب دعمه حرية نشر رسوم كاريكاتيرية تمثل النبي محمد(ص)، الأمر الذي يعد من المحرمات في الإسلام.
من جانبه، يرى محمود أتيلا، المتقاعد البالغ 70 عاما، أن دعوة أردوغان لن تغير في الأمر شيئا. ويقول “في أي حال، أنا بالفعل أقاطع المنتجات الفرنسية. لكنني أقاطع أيضا المنتجات الأميركية، فأنا لا أشرب الكولا. لدينا عصير فواكه وعصير برتقال محلي جيد. أفضل أن أشرب ذلك”.
ويقول مراد البالغ ثلاثين عاما وهو يجلس في مقهى غير بعيد، إنه يعتقد أن “الأمر تأخر كثيرا. علينا أن نلقن ماكرون درسا جيدا!”.
على موقع تويتر، نشر أنصار أردوغان قوائم بالعلامات التجارية الفرنسية التي يدعون لعدم شرائها، لكنهم نسوا كما أشار مستخدمون آخرون للإنترنت، إدراج علامة إيرميس التجارية الفاخرة التي تحظى بإعجاب السيدة الأولى في تركيا.
إلا أن الدعوات إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية في بقية أرجاء العالم الإسلامي لم تكن أكثر حدة ويبدو أن السلع الفرنسية لا تعاني كثيرا جراءها.
فقطر والكويت سحبتا المنتجات الفرنسية من بعض المتاجر لكن في غالبية الدول العربية الأخرى مثل مصر والمملكة العربية السعودية اقتصرت الدعوات إلى المقاطعة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال الوزير الفرنسي المنتدب للتجارة الخارجية فرانك ريستر إن الدعوات إلى المقاطعة في تركيا والعالم الإسلامي لا تزال محدودة ولا تطال المنتجات الغذائية.
ومن الصعب توقع تأثير دعوة أردوغان على المبادلات التجارية بين تركيا وفرنسا والتي بلغت ما يقرب من 15 مليار يورو العام الماضي. لكن لا يبدو في أي حال أنها أثارت الحماسة نفسها التي أثارتها دعوته في العام 2018 إلى تجنب شراء الأجهزة الإلكترونية الأميركية أثناء التوتر بين أنقرة وواشنطن.
حينها، صور العديد من الأتراك أنفسهم وهم يكسرون جهاز آيفون الخاص بهم بمطرقة أو تحت عجلات سيارتهم. لكن لم يحدث أي شيء من هذا القبيل هذه المرة.
ويجدر القول إن التوترات بين فرنسا وتركيا تأتي في وقت يتعثر فيه الاقتصاد التركي المتضرر بشدة من وباء فايروس كورونا المستجد، وهذا يسبب قلقا لدى كثير من الأتراك.
فقد تراجعت الليرة التركية التي فقدت أكثر من 25 في المئة من قيمتها في مقابل الدولار منذ بداية العام، مجددا في أعقاب تصريحات أردوغان الأخيرة، مسجلة أدنى مستوى لها على الإطلاق الثلاثاء عند 8.15 في مقابل الدولار في الساعة 11:00 ت.غ.
في هذا السياق، يُخشى أن يكون للدعوة إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية “تأثيرات سلبية على تركيا”، كما يقول غوزيد كوسيفوغلو الذي يرى أن هذا القرار”غير المنطقي اتُخذ تحت تأثير الانفعال”.
وقال هذا الموظف في قطاع السياحة الذي يشهد أزمة “يجب ألا ننسى أن العديد من المنتجات ذات العلامات التجارية الفرنسية تُصنع هنا. وهذا يوفر فرص عمل لعدد كبير من الأتراك”.
وتعد الشركات الفرنسية مصدرا رئيسيا للوظائف في تركيا من مصنع إنتاج سيارات رينو في بورصة في شمال غرب البلاد إلى المحلات التي لا حصر لها للعلامات التجارية الفرنسية الفاخرة في إسطنبول، مرورا بشركات التأمين والمنكهات الغذائية.
ويقول مراد كايماز البالغ 47 عاما، “في عالم تتشابك فيه الروابط التجارية، لا تبدو لي (المقاطعة) أمرا منطقيا جدا كما من المستحيل تطبيقها”.
ويضيف “إذا كان المنتج ذا جودة ويناسبني فأنا لا أعير اهتماما كبيرا لمصدره. لا يهم ما إذا كان إيطاليا أو فرنسيا”.