مفاوضات اللجنة الدستورية السورية عبثية في غياب التوافقات الدولية

دمشق – انتهت الجولة الثالثة من المناقشات حول الدستور السوري في العاصمة السويسرية جنيف بلا أيّ تقدّم ملموس، كما كان متوقعا، في ظل غياب توافقات بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة على الأرض السورية.
ويقول مراقبون إن نجاح اللجنة في التوصل إلى دستور جديد ليس رهين مدى استجابة القوى المحلية المتصارعة بقدر ما هو مرتبط بمدى توفر الإرادة الدولية، مشيرين إلى أن عدم التوصل إلى حل لقضية شمال شرق سوريا وتهميش وحدات حماية الشعب الكردي المسيطرة على تلك الرقعة الجغرافية، فضلا عن عقدة محافظة إدلب وجوارها، كل ذلك يحول دون تحقق أي اختراق.
ويوضح المراقبون أن تسوية مسألة إدلب مرتبطة ارتباطا كليا بحلحلة القضية الكردية، فتركيا تحاول الحفاظ على الوضع الراهن في المحافظة الواقعة شمال غرب البلاد التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام واستثمارها في لعبة المساومات مع الجانبين الروسي والأميركي.
ويحذر كثيرون من أن تركيا قد تعمد إلى تحويل إدلب إلى قبرص جديدة في حال تكرست الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، لافتين إلى أنه في ضوء هذا الوضع المتشابك والمعقد فإنه من الصعب تحقيق أي اختراق على مستوى كتابة دستور جديد لسوريا.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عقد اجتماعا مغلقا مع وفد المعارضة المشارك في اللجنة الدستورية، وسط حديث عن أن الأخير حذرهم من القبول بأي تنازل والخضوع لأي نوع من الضغوط قد تمارس عليهم من جانب موسكو أو واشنطن.
وحاول موفد الأمم المتّحدة الخاص إلى سوريا غير بيدرسن أن يعطي جرعة تفاؤل بخصوص الجولة الأخيرة من المفاوضات، وأكّد أنّ المشاركين وجدوا “نقاطا مشتركة” ويتطلّعون إلى الاجتماع مجدّدا.
وأقرّ بيدرسن بأنّه بعد ما يقرب من عشر سنوات من النزاع، “من الواضح أنّه لا تزال هناك خلافات قويّة جدا”. لكنّه قال إنّه “سعيد للغاية بالاستماع إلى رئيسي” جلسات المناقشات، ممثّل حكومة الرئيس بشّار الأسد وممثّل المعارضة “يقولان بكلّ وضوح إنّهما وجدا نقاطا مشتركة عدّة”. وقد وافقه الرأي رئيس وفد المعارضة هادي البحرة الذي قال إنّه في وقت “كانت هناك نقاط خلاف معيّنة (…) أعتقد أنّ القواسم المشتركة كانت أكبر من الاختلافات”.
من جهته، قال مصدر في وفد الحكومة السورية لوكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” إنّ “الوفد الوطني أكّد خلال مداخلاته، حرصه على مواصلة العمل بانفتاح في الجولات المقبلة”.
وقال بيدرسن إنّه تلقّى رسالة واضحة من جميع الأطراف بأنّها حريصة على الاجتماع مجدّدا، وهو ما اعتبره أمرا “مشجّعا”. غير أنّ المشاركين لم يتّفقوا على فحوى جلسة المناقشات المقبلة أو تاريخها. وكانت المحادثات حول الدستور السوري قد تمّ تعليقها الاثنين بعد أن ثبتت إصابة أربعة مشاركين فيها بفايروس كورونا المستجدّ إثر خضوعهم للفحص لدى وصولهم إلى جنيف.
وأعلنت الأمم المتّحدة استئناف المحادثات الخميس عبر لجنة مصغّرة تضمّ 45 شخصا تمّ اختيارهم بالتساوي من جانب دمشق والمعارضة وبيدرسن بهدف إشراك ممثّلين للمجتمع المدني. وقال بيدرسن إنّ ما جرى يظهر أنه من الممكن المضي قدما في المحادثات بطريقة مسؤولة. وصرّح “من الممكن التعامل مع الحالات المعقدة طالما أنه يتم اتباع البروتوكول الطبي الصارم”، مضيفا “ولهذا نأمل أيضا في أن يكون ممكنا إجراء الجولة المقبلة هنا في جنيف”.
ومراجعة الدستور واردة بشكل بارز في القرار 2254 الذي تبنّاه مجلس الأمن في ديسمبر 2015 والذي ينصّ أيضا على تنظيم انتخابات بإشراف الأمم المتحدة.
واللجنة الدستوريّة السوريّة المكلّفة بإصلاح دستور عام 2012 بهدف تنظيم انتخابات مقبلة، شُكّلت في 30 أكتوبر في الأمم المتّحدة في جنيف بحضور 150 شخصا. ولاحقا، كُلّفت لجنة مصغّرة بالخوض في تفاصيل الدستور.
وتأمل الأمم المتّحدة في أن تفسح هذه الآليّة المجال أمام تسوية سياسيّة للنزاع في سوريا، الذي أسفر عن أكثر من 380 ألف قتيل منذ 2011.